تُعاود الصحف السودانية إصدار نسخها الورقية اليومية، بعد توقفٍ استمر لما يقترب من ثلاثة أشهرٍ. فماذا سيكون حالها ما بعد كورونا؟
قبل أسبوع، أعلنت لجنة الطوارئ الصحية في السودان، انتهاء فترة الإغلاق المفروضة من السادس عشر من نيسان/أبريل الماضي؛ للحد من انتشار جائحة كورونا. وعليه فإنّ جميع الأنشطة في البلاد ستعود لوضعها الطبيعي.
الصحافة الورقية طالها سيف التغيير بقسوةٍ، حيث توقّفت عن الصدور كليًا بسبب الجائحة، في سابقةٍ لم تحدث في مسيرتها الممتدة منذ الخمسينات.
ومثلما غيّر فيروس كورونا في علاقات الدول، واقتصادياتها، وسياساتها، لم يكن الإعلام بمعزلٍ عن هذا التغيير المفروض قسرًا. وشهدنا في فترة الحجر انتقال استديوهات الأخبار إلى المنازل، ولم يكن الضيوف المستضافين في البرامج الحوارية بدعًا، فصار في حكم المعتاد أن تتم محاوراتهم وأخذ إفاداتهم عبر برامج السكايب وغيره.
اقرأ/ي أيضًا: المبتعثون للخارج.. ظروف قاسية والتعليم العالي: الأزمة في طريقها للانفراج
وكان قد قرر عدد من ناشري الصحف الورقية في السودان، زيادة سعر النسخة الواحدة من الصحيفة إلى "45" جنيهًا، ما يعادل ثلث دولار. بجانب زيادة قيمة الإعلانات بنسبة (100)%. وعزا الناشرون هذه الزيادات إلى تضاعف صناعة الصحف الورقية في السودان، مشيرين إلى أنّ ثمن الصحيفة يُمثّل فقط تكلفة طباعة النُسخة الواحدة.
الصحافة الورقية طالها سيف التغيير بقسوةٍ، حيث توقّفت بمبرر أنّ الورق المطبوعة عليه تحوّل إلى ناقلٍ محتملٍ للفيروس، عبر تداوله بين القراء، أو انتقاله عبر مراحل صناعة الصحافة الورقية من الطباعة إلى التوزيع إلى القرّاء.
وعليه، فقد أوقفت الصحف الورقية التي تصدر من العاصمة الخرطوم إصدار نُسخها اليومية، في سابقةٍ لم تحدث في مسيرتها الممتدة منذ الخمسينات. وتحوّل غالبها إلى الصدور عبر المواقع الإلكترونية، أو عبر تصميم النُسخة اليومية، وإرسالها عبر مواقع التواصل الاجتماعي على طريقة "بي دي إف".
ويرسمُ صحفيون صورةً قاتمةً، غير متفائلةٍ للصحافة الورقية ما بعد كورونا. ويُلخصون ذلك بحسب استطلاعٍ أجراه "ألترا سودان"، بالزيادات الكبيرة في سعر النسخة، وتواضع مرتبات الصحفيين، وكذا التراجع الكبير المضطرد في قدرة الصحف على التأثير في مجال الرأي العام.
اقرأ/ي أيضًا: ثلاثة آلاف عالق سوداني في لبنان يستغيثون.. "نحن مشردون ومنسيون"
وتنطلق مها التلب، المحررة بصحيفة التيار، من ذات النظرة القاتمة، غير المتفائلة، إذ تتوقّع في ظل هذه الظروف التي تمر بها الصحافة السودانية، أنْ تخرج عدد من الصحف من السوق، وتتوقّف قسرًا. كما تتوقّع أن تشهد الفترة المقبلة، تشريدًا لعددٍ كبيرٍ من المحررين، لعدم قدرة الصحف مقابلة رواتبهم، التي سيطلبون مضاعفتها أسوةً بمضاعفة ثمن النسخة، وثمن الإعلان.
وتلفت مها التلب في حديثها مع "ألترا سودان"، إلى قضيةٍ تعتقد أنها مهمة، وغريبة في ذات الوقت، وهي أنّ الناشرين ناقشوا في اجتماعهم زيادة كل شيء، عدا زيادة رواتب المحررين، ناسين أنّهم عصب العملية الصحفية.
كانت الصحف تعلق في أول قرارات الانقلابات العسكرية
وطوال العقود السابقة، منذ نشأة الصحافة الورقية السودانية ما بعد الاستقلال، كان المعتاد توقفها إما بسبب إفلاسها، إذ أنّ صناعة الصحافة الورقية في السودان في غالب حالاتها مكلّفة. أو أنْ توقفها الأوامر الأمنية المتعسّفة؛ التي كان يُصدرها جهاز الأمن في سنوات حُكم البشير القابضة، أو غيره من الأنظمة الديكتاتورية. وفي حالة حكومة البشير مثلًا، كانت تطال سيوف الإغلاقات الأمنية المتعسفة، الصحف التي لا تُساير مواقف حكومة البشير. وفي حالاتٍ أخرى قليلة، كانت الصحف تُعلّق، في أول قرارات الانقلابات العسكرية، في بيانها الأول.
لا يبتعدُ محجوب عروة، الكاتب الصحفي، وناشر صحيفة السوداني الدولية، عن الصورة التي يرسمها الصحفيون السودانيون للصحافة فيما بعد فترة كورونا. إذ يصف الزيادات التي قرر ناشرون إضافتها على ثمن النسخة الورقية بأنها "نهاية الصحافة الورقية". واصفًا في حديثه مع "ألترا سودان"، الطريقة التي ظل يتبعها الناشرون عبر الزيادات المتكررة لأثمان النسخ الورقية أنها بمثابة: بحث عن حل سهل وقريب.
اقرأ/ي أيضًا: ذوو الاحتياجات الخاصة.. عزلة عن التعليم وسوق العمل وتجاهل من الحكومة
وتوقّع عروة إن سارت الأمور كما هي عليه الآن، فإنّ الصحافة السودانية في فترة ما بعد كورونا، ستشهد حالة أشبه بالانهيار، حيث ستقل النُسخ المطبوعة إلى أقلّ حد. وهذا يعني بشكل مباشر انخفاض درجة تأثير الصحف على الرأي العام، وعند صانعي القرار.
تجاوزت حالات الإصابة في السودان، بحسب التقارير التي تُصدرها بشكل شبه يومي، إدارة الوبائيات التابعة لوزارة الصحة السودانية أكثر من عشرة آلاف حالة
حالة كورونا جديدة كُليًا في السودان، حيث توقفت الصحف منذ آذار/مارس الماضي، ولم تصدر جميعها إلى الآن. لكن يُتوقّع أن تُعاود الصدور مجددًا، بعد القرار الذي أصدرته لجنة الطوارئ الصحية العليا في السودان، بالعودة للحياة الطبيعية تدريجيًا، بعد شهور من حالة الطواريء الصحية التي فرضتها بسبب زيادة حالات تفشي فيروس كورونا في السودان، حيث تجاوزت حالات الإصابة في السودان، بحسب التقارير التي تُصدرها بشكل شبه يومي، إدارة الوبائيات التابعة لوزارة الصحة السودانية أكثر من عشرة آلاف حالة.
أقلّ ما يُمكن أنْ يُوصف به حال الصحافة، ما بعد توقفها بسبب كورونا، هو غير المبشًّر، وغير المطمئن. فهل تنجحُ حلول الناشرين، في إنقاذها من وَهْدَةِ الحال غير المبشر، أم تزيدها تعقيدًا؟
اقرأ/ي أيضًا
جنوب السودان: تنامي جرائم الاغتصاب في أطراف العاصمة جوبا وصمت حكومي