20-يناير-2024
سينما - فيلم - السودان

انهارت السينما في السودان خلال عهد حكومة الإنقاذ التي أسقطت بثورة شعبية في العام 2019 (Getty)

خطت السينما أولى خطواتها في السودان مبكرًا للغاية، وذلك بالتزامن مع الاستعمار البريطاني حيث شهد العام 1898 إطلاق أول فيلم سوداني والذي حمل اسم "Alarming Queen's Company of Grenadier Guards in Omdurman Battle"، بحيث كان يتم إنتاج الأفلام في تلك الفترة عبر المكتب العام للاتصالات الحكومية البريطانية. وبالرغم من البداية المبكرة للسينما في السودان، إلى أنها لم تشهد ازدهارًا يذكر حتى العام 2010 بحسب مختصين. لم تتعد الأعمال المبكرة التي رصدت سوى كونها تجارب سينمائية.

تم إنشاء أول وحدة لصناعة الأفلام في السودان عام 1949، واقتصرت على إنتاج الأفلام التسجيلية فقط. وجدير بالذكر أن المستعمر البريطاني كان قد أنشأ وحداتٍ مماثلة في مستعمرات أخرى في أفريقيا بمسميات مختلفة، وذلك بغرض عكس التطور الذي وصلت له الإمبراطورية البريطانية.

شهدت السينما السودانية نشاطًا ملحوظًا في ستينات وسبعينات القرن الماضي في فترة ما بعد الاستعمار فيما جاءت الثمانينات لتكون مقبرة السينما

شهدت السينما السودانية نشاطًا ملحوظًا في ستينات وسبعينات القرن الماضي في فترة ما بعد الاستعمار. فيما جاءت الثمانينات لتكون مقبرة السينما بعد أن فرضت السلطات في تلك الحقبة الزمنية قيودًا على المحتوى الذي يقدم، وأسفر ذلك عن تقديم أفلام مشوهة لا ترقى إلى المستوى المطلوب.

فترة الاستعمار

كانت فترة استعمار السودان ذاخرة بعدد من الأفلام السينمائية، لكنها لم تكن تأخذ الطابع المعني بنقل الثقافات خاصة في بلد مثل السودان. وجدير بالذكر أن مصورًا فرنسيًا قام بتصوير عدد من الأفلام في السودان لصالح شركة فرنسية في العام 1906. وذلك حسبما ورد في دراسة قدمت عن السينما السودانية في العام 2021. والتي ورد فيها أن مدينة الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان الواقعة غربي البلاد كانت قد شهدت أول عرض سينمائي في السودان في العام 1912، وذلك كجزء من احتفالات البلاد باكتمال السكة الحديدية. فيما تم أيضًا إنتاج فيلم تناول صناعة القطن في السودان.

وفي العقد الثاني من القرن العشرين بدأت مجموعة "Skating Ring" بعمل عروض سينمائية صامتة في العاصمة الخرطوم، وكان جمهور السينما آن ذاك كلهم من الأجانب ورعايا الاستعمار. إذ لم تكن للسينما قاعدة شعبية لبعدها عن القضايا التي يمكن أن تمثل السودانيين وثقافاتهم.

بعد ذلك ظهرت السينما المتجولة والتي تنقلت في معظم ولايات السودان، الأمر الذي وطن لثقافة السينما مما أسفر عن قيام أول دار للسينما في السودان بحلول العام 1930. بعد ذلك جاءت وحدة صناعة الأفلام في السودان لتكون المنتج الأول للأفلام الوثائقية إضافة إلى الأخبار السياسية، وحدثت ثورة جديدة بإنتاج أول فيلم سوداني ملون في العام 1951.

اعتمدت الوحدة على صناع الأفلام السودانيين كمال إبراهيم وجادالله جبارة، فكان يقع عليهم عاتق صناعة الأفلام وكتابة السيناريوهات، الأمر الذي يكشف عن براعة عالية وقدرة على الابتكار والإبداع.

المخرج السينمائي السوداني الراحل جاد الله جبارة (1920- 2008)
المخرج السينمائي السوداني الراحل جاد الله جبارة (1920- 2008) (أرشيفية)

ما بعد الاستقلال

وأكدت الدراسة أنه مزامنة مع استقلال البلاد في مطلع العام 1956 تم عمل فيلم وثائقي عن الاستقلال، واتسمت هذه الفترة من العام 1956 وحتى العام 1962 بصناعة الوثائقيات، حيث صنع ما لا يقل عن (100) فيلم وثائقي تحت اشراف وحدة السينما السودانية، في الستينات، برز العديد من صناع الأفلام السودانين، يأتي في مقدمتهم الخير هاشم، محمد عيد زكي، ورشيد مهدي. 

فيما اتسمت السبعينات والثمانينات المبكرة بظهور جيل جديد من صناع الأفلام السودانيين أكملوا دراستهم في ميادين السينما في أوروبا وعدد من الدول العربية المتقدمة في  المجال السينمائي. وجدير بالذكر أن هذا الجيل قدم تقدمًا وتطورًا واضحًا في المشهد السينمائي السوداني، وكان من بين المخرجين البارزين في تلك الفترة  على سبيل المثال لا الحصر حسين شريف، إبراهيم شداد، وأنور هاشم، حيث قاموا بعمل أفلام وثائقية مبتكرة تتخطى الدعاية والوثائقيات التقليدية التي كانت تنتجها وحدة السينما السودانية في مراحلها الأولى. كما قاموا بإنتاج أفلام السرد القصيرة بجانب الوثائقيات، وكانت تتميز بالفن الجمالي الذي كان غائبًا في الأعمال المبكرة.

المخرج السوداني إبراهيم شداد (Getty)
المخرج السوداني إبراهيم شداد (Getty)

وبالرغم من ذلك شهدت فترة ما بعد الاستقلال تدهورًا شاملًا في عدد من القطاعات بما فيها قطاع السينما، وذلك نتيجة لعدم المعرفة الكافية وسوء الإدارة سمتا هذه الحقبة الزمنية، بحيث أصدرت عدد من القرارات التعسفية والمتناقضة في الفترة ما بين 1969 وحتى العام 1974، بما فيها قرار تأميم دور السينما في البلاد، والذي تراجعت عنه السلطات وأعادت الدور إلى ملاكها.

فيما تم تصفية مؤسسة الدولة للسينما وإدارة إنتاج الأفلام ووحدة السينما في التلفزيون في العام 1991، كما تم إغلاق نادي السينما في نفس العام، و تم تشريع قانون جديد في العام 1993 بدلًا عن القانون الصادر في العام 1974 الخاص بالسينما. أثرت هذه القرارات العشوائية التي اتخذت في فترة "حكومة الإنقاذ" على السينما بشكل سلبي، فيما ظلت هنالك محاولات طفيفة لجعل عجلة السينما تدور في البلاد من خلال الجهود الفردية.

العهد الجديد 

بدأت السينما السودانية عهدًا جديدًا بسقوط حكم الإنقاذ، حيث كانت للحريات التي جاء بها التغيير السياسي في البلاد الأثر الكبير في انتعاش القطاع السينمائي، ويأتي ذلك بالرغم من شح الموارد والأزمات الاقتصادية إضافة إلى النقص الحاد في دور العرض. وبحسب مختصين فإن النتائج التي وصلت إليها السينما كانت غير متوقعة في ظل التحديات التي ما زال القطاع يعاني منها، حيث تمكنت عدد من الأفلام السودانية المنافسة في المحافل العاليمة وتحقيق أصداء ممتازة.

وفي العام 2021 فاز الفيلم السوداني الوثائقي "التلاميذ والسلاسل" بجائزة أفضل فيلم وثائقي، والتي كانت تنظمها الجمعية الملكية للتلفزيون البريطانية، فيما ترشح فيلم "ستموت في العشرين" للمخرج أمجد أبو العلا لجائزة الأوسكار، وحاز فيلم حفنة تمر للمخرج هاشم حسن على  جائزة لجنة التحكيم للإنجاز الإبداعي في مهرجان أريزونا السينمائي الدولي بالولايات المتحدة الأمريكية. وحصل فيلم الست على جائزة أفضل فيلم قصير من مهرجان نيو أورلينز السينمائي الدولي والقائمة تطول.

ومؤخرًا جاء فيلم "وداعًا جوليا" الذي حقق انتشارًا واسعًا ليعكس الوجه المشرق للسينما السودانية في العالم، إذ نال الفيلم عددًا من الجوائز العالمية، وتتناول أحداثه قصة انقسام السودان إلى دولتين لصبح السودان وجنوب السودان.

بانر الترا سودان