06-فبراير-2024
جنود من الجيش السوداني على ظهر دبابة في بورتسودان خلال الحرب بين الجيش والدعم السريع

(أرشيفية/غيتي)

 نشرت صحف سودانية، اليوم الثلاثاء، خبرًا عن تنفيذ الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش حملة اعتقالات بحق ضباط بتهمة التخطيط لانقلاب ابتدرته ببعض الوحدات العسكرية في أم درمان، غربي العاصمة الخرطوم.

يقول مراقبون إن المحاولة الانقلابية على قلة المعلومات حولها تعبر عن وجود تيارين أحدهما يرغب في التفاوض والآخر يفضل الحسم العسكري

نقلت صحيفة (السوداني) الخبر عن مصادر عسكرية لم تفصح عن هويتها. ويأتي الخبر متزامنًا مع حرب عنيفة بين القوات المسلحة والدعم السريع منذ تسعة أشهر، حيث تقع أجزاء واسعة في العاصمة تحت سيطرة قوات دقلو.

خلال أربع سنوات سابقة، عقب الإطاحة بالرئيس عمر البشير في 11 نيسان/أبريل 2019 إثر ثورة شعبية على نظامه، أعلن الجيش عن إحباط العديد من الانقلابات العسكرية. كل المحاولات التي أعلن عنها لم تتمكن من قلب نظام البرهان الذي ما زال ممسكًا بالمقود في السلطة، وما زال مستمرًا بعد تسعة أشهر من الحرب ضد قوات الدعم السريع، على الرغم من فقدان البرهان لمناطق سلطته في العاصمة الخرطوم، خاصة القصر الرئاسي، وتراجعه نحو مدينة بورتسودان ليقيم العاصمة الإدارية المؤقتة هناك.

كان المأمول من الضباط الذين قادوا الانقلابات العسكرية خلال السنوات القليلة الماضية أن يتمكنوا من إسقاط المجلس العسكري الانتقالي الذي تقاسمه الجيش والدعم السريع بعد سقوط البشير، وبعد ذلك حاول عسكريون الإطاحة بالحكومة الانتقالية بقيادة عبد الله حمدوك دون الوضع في الاعتبار أن المدنيين تقاسموا السلطة وأقاموا شراكة مع العسكريين أنفسهم. وأعلن الجيش صبيحة  21 أيلول/سبتمبر 2021 السيطرة على انقلاب عسكري قاده الجنرال بكراوي المناهض لقوات الدعم السريع في ذلك الوقت.

بعد تلك المحاولة لم تلتقط حكومة حمدوك أنفاسها حتى أطاح بها قائد الجيش نفسه الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان متحالفًا مع الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) خصمه اللدود حاليًا.

يقال إن السودان شهد سبعة انقلابات عسكرية منذ استقلاله عن بريطانيا في العام 1956، بعضها نجح فيما وؤدت بعض الانقلابات قبل أن تبدأ. لكن على أية حال هناك من يقول إن هذه الانقلابات هي التي عطلت السودان عن التنمية والحكم المدني وأُسس المواطنة، وأدت إلى الحروب التي تستمر حتى اليوم. بينما يتهم العسكريون القوى السياسية باختراق الجيش وتحريضه على الانقلابات حتى تصعد إلى السلطة على حساب القوات المسلحة.

في ظل الأنباء عن المحاولة الانقلابية التي أحبطت اليومين الماضيين في أم درمان، وهي منطقة تشهد معارك عسكرية بين الجيش والدعم السريع، فإن هذه الإجراءات ربما تقود إلى تطورات غير مألوفة على الأرض وتغير المعادلة في هذه الحرب.

قد تُعزز انقلابات العسكريين في السودان أن هذا البلد يتوسط بُلدان لا تشجع على صعود الحكم المدني والديمقراطيات، فبينما كان المأمول أن يحصل المدنيون حينما تولوا السلطة عقب الثورة على دعم من دول الإقليم والجوار، كانت العلاقات بين تلك الدول والمدنيين المتطلعين إلى ديمقراطية ناشئة "فاترة جدًا".

الإدانات الدولية على حدتها عندما انقلب العسكريون على حكومة حمدوك المدنية التي حوصرت اقتصاديًا، أيضًا كانت تضعف مع مرور الوقت حتى في ظل العنف الذي مورس ضد المتظاهريين السلميين الذين خرجوا ضد انقلاب البرهان - حميدتي طوال أعوام 2021 و2022 وبعض الوقت من العام 2023 قبل اندلاع الحرب.

بالعودة إلى الأنباء التي راجت صباح اليوم عن المحاولة الانقلابية في أم درمان التي قادها ضباط مشهود لهم بقيادة العمليات العسكرية ضد قوات الدعم السريع بكفاءة عالية، فإن تاريخ الجيش مليء بالانقلابات والتقلبات في الحكم في هذا البلد الغارق في أتون الحروب، لكن هذا لم يكن طريقًا لإحداث الانشقاق في الجيش. بمعنى أن الجيش في كل الأوقات اعتاد على التخلص من الذين يثيرون الفوضى وبقي متماسكًا حتى خلال الحرب الحالية، فهل تستمر هذه الميزة داخل القوات المسلحة؟ هذا يتوقف أيضًا على  توفر تلك القدرات التي تميز بها خلال السنوات الماضية.

الحرب المتطاولة تثير مخاوف بعض العسكريين من انهيار الوضع كليًا، خاصة مع تقدم قوات الدعم السريع إلى بعض الولايات الواقعة وسط البلاد

وبعيدًا عن الأسباب التي دفعت هؤلاء الضباط إلى المغامرة في هذا الوقت، فإن هناك مياه جرت تحت جسر حرب منتصف نيسان/أبريل 2023، فالحرب المتطاولة تثير مخاوف بعض العسكريين من انهيار الوضع كليًا، خاصة مع تقدم قوات الدعم السريع إلى بعض الولايات الواقعة وسط البلاد، والتخويف بالتقدم شرقًا وشمالًا.

يقول مراقبون إن المحاولة الانقلابية لا تنعزل عن وجود تيارين داخل الجيش، أحدهما يريد أن تقف الحرب عبر التفاوض، فيما يحاول التيار الثاني حسم الدعم السريع عسكريًا، ولو بطريقة تجعل الجيش في وضع مريح للتفاوض. فيما يعتقد التيار الأول الداعم للتفاوض أن الحرب قد تسبب خسائر للجيش أبرزها إضعافه بشكل كلي وربما تفككه.

استمر الجنرالات في المجلس العسكري وانتقلوا إلى تشكيل شراكة حكم مع المدنيين خلال أربع سنوات، ثم سرعان ما أطاح العسكريون بالمدنيين وظلوا بعد الحرب متوحدين على الأقل ظاهريًا، في ظل تقاسم للمهام؛ فهل تسقط "قطع الدومينو" بفعل حرب منتصف نيسان/أبريل 2023.