يبدو أن المشهد السياسي بولاية أعالى النيل بات مرشحًا لمزيد من التعقيدات بسبب رفض الحكومة في جنوب السودان ممثلة في الرئيس سلفا كير ميارديت؛ للمرشح الذي دفعت به المعارضة المسلحة التي يتزعمها مشار لتولي منصب حاكم ولاية أعالي النيل الغنية بالنفط، والتي تعج بالعديد من الأزمات السياسية الكامنة والتي تتخوف الحكومة أن تطفح في أي وقت من الأوقات، إذا ما وافقت على إعلان اسم الجنرال جونسون أولونج حاكمًا للولاية، وبالرغم من أن الحكومة كانت قد طالبت المعارضة خلال الشهر المنصرم باستبداله وترشيح شخص آخر غيره، إلا أن المعارضة لا زالت متمسكة بموقفها وفقًا لتصريحات هنري أودوار نائب مشار، وهو الموقف الذي تدعمه اتفاقية السلام التي تمنح الأطراف الحق الكامل في تعيين من تراه مناسبًا لشغل أي وظيفة في إطار حصتها المنصوص عليها وفقًا لبنود تقاسم السلطة.
جاء رفض الحكومة لمرشح المعارضة بشكل معلن بحسب الرئيس كير، من إمكانية أن يقود تعيين الجنرال جونسون أولونج لانفجار الأوضاع وعودة القتال بين مكونات الولاية مجددًا
جاء رفض الحكومة لمرشح المعارضة بشكل معلن بحسب الرئيس كير، من إمكانية أن يقود تعيين الجنرال جونسون أولونج لانفجار الأوضاع وعودة القتال بين مكونات الولاية مجددًا، بعد أن فشلت الحكومة في أن تذهب الولاية لصالح تحالف أحزاب المعارضة المعروف اختصارًا بتحالف "سوا"، والتي ترى بأن مرشحها قد يكون مقبولًا بدرجة كبيرة لدى مجتمع أفدانق الذي يتنازع مع مجموعة الشلك حول ملكية مدينة ملكال عاصمة ولاية أعالى النيل، ويقف هذا التنازع ضمن أسباب أخرى وراء تمرد الجنرال جونسون أولونج في أعقاب الاستقلال احتجاجًا على استيلاء مجتمعات الدينكا على أراضٍ تابعة للشلك على ضفتي النيل.
اقرأ/ي أيضًا: زيادة في مناسيب النيل وروافده بالأحباس العليا
هذا وكانت مجموعة دينكا أفدانق المقيمة بولاية أعالى النيل، والتي تعتبرها الحكومة حليفها الإستراتيجي في المنطقة، قد أعلنت في بيانات منسوبة لها عن رفضها تسليم ولاية أعالي النيل للمعارضة المسلحة، الشيء الذي اعتبرته الحكومة تهديدًا لتحالفها مع المجموعات التي وقفت إلى جانبها أثناء المواجهات المسلحة بينها والمعارضة المسلحة خلال الحرب الأخيرة، وهو التحالف الذي رسخته إلى جانب القضايا السياسية مسألة وجود حقول النفط في أراضي تلك المجموعات.
إلى جانب تلك الأسباب والعوامل التي أكد عليها الرئيس كير نفسه بقوله أثناء مائدة إفطار نظمتها السيدة الاولى أيان ميارديت الأحد لعدد من قيادات الحكومة بينهم زعيم المعارضة المسلحة رياك مشار، بأن اعتراضه على تعيين الجنرال جونسون أولونج لا يأتي بدافع الخوف وإنما لأنه لا يريد أن يتجدد القتال الذي ينتهي بموت المواطنين مرة أخرى، فهناك عوامل أخرى إضافية قد تكون هي السبب غير المعلن وراء تلك المطالبات الحكومية المتكررة للمعارضة باستبدال مرشحها غير المرغوب فيه، من بينها أن جونسون أولونج كان قد حصل على ترسانة عسكرية ضخمة من الأسلحة التي منحتها له الحكومة حينما توصلت معه لتسوية سياسية أعلن خلالها انضمامه لصفوفها في العام 2012، لكنه وبسبب التوترات السياسية في أعالى النيل أعلن انشقاقه والتحاقه بصفوف المعارضة المسلحة، وخاض معارك شرسة ضد القوات الحكومية أبرزها معركة مدينة ملوط التي تكبدت فيها الحكومة خسائر فادحة، استخدم فيها أولونج إحدى البوارج النيلية وذات الترسانة التي كانت قد سلمتها له، ويبدو ذلك واحدة من الأسباب الرئيسية الخاصة برفضها لتعيين أولونج واليًا على أعالي النيل من جانب المعارضة، سيما وأنها لم ترض عنه بعد.
اقرأ/ي أيضًا: حوار| أسئلة التعليم بالبحر الأحمر ما بعد الثورة السودانية
يزداد المشهد غموضًا على ما هو عليه، وبشكل أكبر عند المعارضة المسلحة التي تخشى أن تقود موافقتها على استبدال الجنرال جونسون أولونج -قائد الفرقة الخامسة وحاكم ولاية فشودة الفدرالية- إلى انهيار التحالف الهش بينه ومجموعة جونسون أولونج المعروفة باسم (أقويليك)، باعتبار أنها تعد في الوقت الحالي القوة الرئيسية لرياك مشار، والتي تمتد مناطق نفوذها وسيطرتها تقريبًا في معظم المناطق الشمالية الغربية لولاية أعالي وتحديدًا مناطق قبيلة الشلك، مثلما أن المعارضة ترى أن اعتراض الحكومة يجيء في الأساس لزعزعة الثقة بين القيادة السياسية والعسكرية للمعارضة المسلحة لتفتيت وحدتها وتماسكها، وهي تعلم أنها إذا ما فقدت شخص بوزن الجنرال أولونج فإنها قد تكون عرضة للمزيد من الانشقاقات في صفوفها.
هناك فرضية واحدة لتفسير مطالبة الحكومة بحضور أولونج لجوبا، وهي أن الهدف من تلك الخطوة هو رغبة الحكومة في إعادة جونسون أولونج إلى صفوفها مجددًا
هناك سبب غامض يقف وراء الدعوة الحكومية التي تطالب بحضور الجنرال جونسون أولونج شخصيًا إلى جوبا لمناقشة قضية تعيين حاكم أعالى النيل بينه والسلطات العليا والتي قد تعني ضرورة مقابلة الرئيس وبقية القيادات الحكومية النافذة، هناك فرضية واحدة يمكن أن تفسر عبرها تلك المطالبة، وهي فرضية مرجحة أيضًا بالنسبة للدكتور رياك مشار ومجموعته التي تتوقع أن يكون الهدف من تلك الخطوة هو رغبة الحكومة في إعادة جونسون أولونج إلى صفوفها مجددًا، وهي معادلة قد تبعثر حسابات المعارضة المسلحة ومجموعة دينكا أفدانق، لتكون تلك هي نقطة الاتفاق والخوف المشترك بين المجموعتين اللتين لا تربط بينهما أرضية مشتركة على المدى السياسي المنظور في ولاية أعالي النيل.
اقرأ/ي أيضًا
الفيضانات في جنوب السودان.. المواطن وحيدًا أمام عجز الحكومة والمجتمع الدولي
قيادات أهلية بدار حزب الأمة ترفض تعيينات الولاة بشرق السودان