17-مارس-2020

الرئيس سلفا كير ونوابه (Getty)

جاء الإعلان عن أعضاء مجلس الوزراء للحكومة الانتقالية الجديدة التي شكلت في إطار تنفيذ بنود اتفاق السلام الموقع بين الحكومة وفصائل المعارضة الخمسة، دون الأحلام والتوقعات في الجانب المتعلق بالترشيحات التي قدمتها تلك المجموعات، والتي اهتمت بوضع معالجات للتمثيل المناطقي وراعت مناطق التاثير والنفوذ السياسي المحتمل بالنسبة للحكومة بقيادة الرئيس كير والمعارضة المسلحة الموالية لريك مشار، كما أن تمثيل النساء لم يأت وفق النسبة التي حددتها الاتفاقية بـ36%، بالرغم من أن الحكومة الجديدة ضمت في تكوينها أكثر من 9 نساء، فهناك تذمر كبير وسط الناشطات النسويات بأن ما تم يعتبر في حد ذاته انتهاكًا صريحًا لبنود اتفاق السلام التي كانت واضحة فيما يتعلق بتمثيل المراة في كافة مستويات الحكم التنفيذي والتشريعي.

جاءت المحصلة الأخيرة بعد إعلان الحكومة لتؤكد بأن الاختيار لم يتبع حتى منطق المحاصصات المعتاد الذي ظلت تتبعه في الفترات الماضية

تأخر إعلان تشكيل الحكومة لما يقارب الأسبوعين بسبب ما عزته الأطراف لطبيعة المشاورات التي تريد أن تجريها مع مؤسساتها لاختيار ممثليها على مستوى الحكومة الاتحادية، لكن الملاحظ هو أن المعارضة وحدها بقيادة مشار هي التي انخرطت في اجتماعات مطولة لتوزيع المقاعد التسعة ونواب الوزراء، وهي خطوة يراها البعض متقدمة مقارنة بحالة السرية والتكتم الكبيرة التي ضربتها الحكومة على مشاوراتها لاختيار 20 وزيرًا اتحاديًا وخمس نواب للوزراء، فقد جاءت المحصلة الأخيرة بعد إعلان الحكومة لتؤكد بأن هذا الاختيار لم يتبع حتى منطق المحاصصات المعتاد الذي ظلت تتبعه في الفترات الماضية، مما يبرهن على أنها لم تتم عبر أي مؤسسة تنظيمية مثل المكتب القيادي أو حتى الهيئة السياسية العسكرية العليا والتي هي عبارة عن جسم افتراضي غير موجود مؤسسيًا لكنه يضم من تبقى من أعضاء تلك الهيئة التي كانت فاعلة على أيام حرب التحرير الثانية.

اقرأ/ي أيضًا: تقاسم كيكة السلطة.. معركة كسر العظام بين الحكومة والمعارضة الجنوب سودانية

ففي السابق كانت الحكومة تخضع ترشيحاتها الوزارية لتمثيل الأقاليم الثلاثة لجنوب السودان مجتمعة (أعالي النيل، بحر الغزال والاستوائية)، لكن هذه المرة اعتمدت الحكومة في تشكيلتها الوزارية على محاولة كسب مناطق الصراع والتنافس السياسي بينها ومجموعة مشار في المعارضة المسلحة، خاصة في إقليم بحر الغزال، والتي حصلت على أكثر من 5 مقاعد من جملة العشرين مقعدًا من بينها المالية والداخلية، كما بزلت جماعات الضغط السياسي داخل صفوف الحكومة جهدًا مضاعفًا لترفيع التمثيل السياسي لمنطقة شمال بحر الغزال التي حصلت على جملة ترشيحات المجموعات السياسية الأخرى مثل المعتقلين السابقين والمعارضة المسلحة الموالية لمشار، باعتبار أنها ستكون الملعب الذي سينحصر فيه التنافس السياسي بين الرئيس كير وزعيم المعارضة مشار ورئيس الجبهة المتحدة فول ملونق أوان الذي يتفاوض على تسوية جديدة في منبر روما حاليًا، وذلك في حال استطاعت الأطراف أن تدير الفترة الانتقالية بسلاسة وهو أمر مستبعد وصولًا لإقامة الانتخابات العامة التي قد تشهد بروز عدة مرشحين لمنصب رئيس الجمهورية.

جاءت محاولة الحكومة لكسب أراضي جديدة وبناء قاعدة انطلاق سياسي من خلال توزيع المقاعد الوزارية على تلك المجموعات خصمًا على بعض المجتمعات التي كانت مقربة لها بدرجة كبيرة في مناطق إنتاج النفط، من ضمنها مجموعات دينكا فدانق في امتداد ولايات أعالي النيل والوحدة، وهو الشيء الذي يمكن أن يؤثر بدرجة كبيرة على التحالف السياسي والعسكري الذي كان قد نشأ بينها في العام 2013، والذي كان يهدف لتامين مناطق إنتاج البترول بتاسيس مليشيات محلية، وحماية مصالح السلطة المركزية، وقد كان ذلك تحالفًا مرحليًا تلاشى بسرعة بمجرد انخراط الحكومة في مباحثات سلام جادة بينها وبين المعارضة التي توصلت معها لتسوية تمنحها الشرعية خلال الفترة الانتقالية المقبلة.

اقرأ/ي أيضًا: حروب الصيف العبثية..جونقلي الكبرى

اعتمدت المعارضة المسلحة في ترشحاتها على تمثيل مناطق الوزن والثقل السياسي إلى جانب الجماعات المتحالفة معها مؤخرًا، برغم أنها لم تخلو من حالة تذمر كبيرة في أواسط مجموعة "اللو نوير" التي كانت تتوقع أن يتم تمثيلها بوزارة النفط نظير المساهمة العسكرية التي قدمتها أثناء الحرب إذ تعتبر أنها كانت تمثل أساس القوام العسكري للمعارضة المسلحة، وأن التضحيات الكبيرة التي قام بها الجيش الأبيض تستحق قدرًا من أكبر من التقدير الذي كان سيكون مقبولًا لو أنها حصلت على حقيبة النفط أو الدفاع، بدلًا عن وزارة الرى والموارد المالية التي ذهبت لمناوا فيتر قاركوث قوال، وهي مسالة ستلقي بكل تاكيد بظلالها على حركة مشار إذا لم تتم معالجتها في أقرب تعديلات مرتقبة على التشكيلة الوزارية بعد ستة أشهر من الآن.

بالنسبة للكتلة الاستوائية المتحالفة مع الحكومة فإنها تبدو راضية إلى درجة ما بما حصلت عليه من مقاعد أهمها حقيبة الخارجية التي حصلت عليها للمرة الأولى منذ استقلال جنوب السودان، إلى جانب حقيبة رئاسة شئون مجلس الوزراء التي ظل يشغلها مارتن إيليا، أحد المقربين جدًا من الرئيس كير، بجانب منصب نائب الرئيس، وهي مقاعد يمكن أن تضاف إليها الوزارات التي حصلت عليها الكتلة ضمن تحالف سوا في شقه المتقارب مع الحكومة مثل وزارتي الخدمة العامة والزراعة.

الملاحظ على مجلس الوزراء الجديد أيضًا هو أن الأطراف في الحكومة والمعارضة لم تقم بتمثيل منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان

عليه فإن المجموعات الساخطة على هذا الإعلان الحكومي الجديد يمكن أن يتم حصرها في المجموعات التي مثلت قوام القوة القتالية بالنسبة للحكومة والمعارضة إلى جانب الاستوائيين الذين يرون بأن تمثيلهم لم يكن بالصورة المطلوبة أو المتوقعة حيث حصل نائب مشار الدكتور هنري اودوار على وزارة التعدين، والتي جاءت أيضًا دون مستوى التوقع، علمًا بأن المنطقة الاستوائية أيضًا تمثل حيزًا جديدًا للصراع والتنافس السياسي المقبل باعتبار أن الأطراف الرئيسية في الحكومة والمعارضة تدعي أن قاعدة انطلاقها هي بحر الغزال وأعالي النيل، مما يعني أن الذي يحصل على تاييد قائم على نوع من التحالف المبني على تقاسم المصالح يمكنه أن يحصل على بعض القبول في الاستوائية التي يعتبرها زعيم جبهة الخلاص المتمردة توماس سريلو سواكا قاعدة انطلاقته الرئيسية أيضًا.

من الملاحظات المهمة على مجلس الوزراء الجديد أيضًا هو أن الأطراف في الحكومة والمعارضة لم تقم بتمثيل منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان، إذ أن رمزية المنطقة كانت تتطلب من الحكومة أكثر من بقية الفصائل الأخرى أن تقوم بوضع اعتبار خاص لمنطقة أبيي على سبيل التمثيل الذي يدعم على الأقل موقفها المعلن بتبعية أبيي لجنوب السودان خاصة بعد أن صوت مواطنوها في الاستفتاء المجتمعي الذي أقيم في تشرين الأول/أكتوبر 2013 لصالح الانضمام لجنوب السودان.

 

اقرأ/ي أيضًا

طلاب ووهان..من وراء تحول قضيتهم لأزمة ثم فضيحة؟

خلفيات هروب "علي كوشيب" المُلاحق من المحكمة الجنائية الدولية