17-سبتمبر-2022
البرهان وبن زايد

(أرشيفية)

بشكل مفاجئ كشف رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، يوم الأربعاء السابع من أيلول/سبتمبر الجاري، عن انسحاب دولة الإمارات العربية المتحدة من الآلية الدولية الرباعية التي نشطت مؤخرًا في حل الأزمة السياسية المتطاولة في السودان. وقال إبراهيم في تصريحات صحفية عقب اجتماع لقوى التوافق الوطني: "إن دولة الإمارات العربية انسحبت من الآلية الرباعية التي غدت الآن ثلاثية تنشط فيها كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا".

 لم تعلق دولة الإمارات العربية على تصريحات وزير المالية جبريل إبراهيم بانسحابها من الآلية وعادت لحضور فعاليات الرباعية الدولية

وفي وقت سابق، سعت الآلية الرباعية المؤلفة من سفراء أميركا وبريطانيا والسعودية والإمارات في الخرطوم، لعقد اجتماع بين الفرقاء السودانيين في مقر إقامة السفير السعودي بالخرطوم، لكن تعذر عقده لخلاف حول من يحق له المُشاركة.

وطوال الفترة السابقة لم تعلق دولة الإمارات العربية على مزاعم قرار انسحابها من الآلية الرباعية التي تتولى مهمة تسهيل الحوار بين الأطراف السودانية بشكل رسمي، وإن أكدت على خطوة الانسحاب عبر غياب سفيرها بالخرطوم عن بعض الأنشطة التي قامت بها الآلية، ما فتح الباب على مصراعيه حول التكهنات والتفسيرات لخطوة ابتعاد الدولة التي تطاردها اتهامات محاولة توظيف الثورة والتغيير في السودان لصالح تحقيق أجندتها في المنطقة ومصالحها.

وطرح إعلان وزير المالية رئيس حركة العدل والمساواة مغادرة الإمارات للآلية سؤال لماذا لم يعلن الموقف بواسطة الدولة صاحبة الشأن، فيما وضعه آخرين في سياق سؤال آخر؛ هل هو مغادرة نهائية للمشهد السوداني أم محاولة لإعادة التموضع؟

لاحقًا تراجعت دولة الإمارات عن خطوة الانسحاب وشاركت في اجتماع للآلية أمس الأربعاء جمع سفراء الدول الأربع بمنزل السفير السعودي، بحسب ما نقلت مصادر صحافية، وكشف مصدر في الخارجية السودانية أن ابتعاد الإمارات عن المشهد خلق فراغًا وألقى بظلاله على مناخ الحوار وسط القوى السياسية والعسكرية، لكن تراجعت الإمارات عن قرار الانسحاب وشاركت في اجتماع للآلية أمس الأربعاء بمنزل السفير السعودي بالخرطوم بعد رأب الصدع وطي تحفظاتها في بعض القضايا - بحسب المصدر.

وعودة الإمارات بعد رأب الصدع وطي الخلافات والتحفظات يقود للبحث عن هذه الخلافات وعن طبيعة التحفظات الإماراتية، ويفسر منتصر زين العابدين المحلل السياسي والمهتم بقضايا صنع السلام في السودان ما يجرى الآن بأنه ناتج عن تقاطع المصالح الدولية في السودان، ويقول إن النظر لرؤية مكونات الرباعية بأنها واحدة "أمر غير منطقي"، فما يحرك الإمارات ليس هو ذاته الذي يحرك السعودية التي تبدو رؤيتها حول الموانئ والتعاطي معها مختلفًا عن الرؤية الإماراتية.

https://t.me/ultrasudan

وفي حديثه لـ"التراسودان" ينتقد زين العابدين التعاطي مع مغادرة الإمارات أو دولة أخرى من الآلية كأولوية تتجاوز حتى أولوية دور النخب السودانية، التي وبدلًا من أن تسعى لعلاج المشكلات حملتها للخارج وتنتظر ما يأتي منه الآن.

ويربط البعض بين عودة الإمارات للعمل ضمن الآلية الرباعية وبين زيارة غير معلنة لنائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، والذي كشفت مصادر عن زيارته لدولة الإمارات وبقائه هناك لـ(36) ساعة قبل أن يعود إلى الخرطوم يوم الثلاثاء.

وينظر الكثيرون لدقلو باعتباره "رجل أبوظبي في الخرطوم"، فيما قالت مصادر إن عودة الإمارات للمشاركة في الآلية ارتبط كذلك بطلب من رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، والذي يبدو حريصًا على التواصل مع القوى السياسية لتخفيف ضغط المجتمع الدولي الذي يطالب بعودة المسار الديمقراطي وبالذات خلال حضوره القمة (77) للأمم المتحدة التي يعتزم البرهان المشاركة فيها ولقاء الأمين العام للأمم المتحدة على هامشها - بحسب ما يتم تداوله. وهو أمر يتطلب قوة دفع يرى أن الإمارات تملكها للتأثير على القوى المناهضة له.

وعقب تسريبات زيارته للإمارات قال نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" وفقا لإعلام قوات الدعم السريع، إن اجتماعًا عقده مع رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان أقر بشكلٍ قاطع أن يتولى المدنيين اختيار رئيسي مجلس سيادة ووزراء مدنيين.

وأعلن التزامه "الصارم" بتعهداته السابقة بخروج المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي والانصراف تمامًا لمهامها المنصوص عليها في الدستور والقانون. وكشف أنه والبرهان جدّدا خلال اللقاء التزامهما السابق بخروج الجيش من السلطة وترك أمر الحكم للمدنيين.

الإمارات التي تخوض بالتحالف مع السعودية حربًا في اليمن وبمشاركة من القوات السودانية؛ سبق وأن أشار البعض لخلافات بينها والسعودية في التعاطي مع الملف الأمني، وهي إشارات سرعان ما استدعاها البعض للحديث حول تباينات بين أبوظبي والرياض في التعامل مع الملف السوداني. وتأتي على رأس هذه القضايا ملف الأمن في البحر الأحمر والموانئ.

وسبق لوزير المالية جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة الذي كشف عن انسحاب الإمارات من الآلية الرباعية أن غادر لأبوظبي -بحسب تسريبات- وذلك من أجل الاتفاق على إنشاء ميناء في شرق السودان بتمويل من الإمارات، وهي الخطوة التي تجد رفضًا ومقاومة من قطاع واسع من السودانيين يرفع شعار "بلادنا ليست للبيع".

تراجع الدور الإماراتي الذي انتهى به المطاف للانسحاب حتى من الوساطة قبل أن يعود مرة ثانية بحثًا عن موطئ قدم

 وعززت قرارات إصلاح المسار الدور السعودي في المشهد السوداني، وصار سفير خادم الحرمين الشريفين لدى السودان علي بن حسن جعفر مثل "رجل الإطفاء" في سعيه إلى إخماد الخلافات ولم شمل الفرقاء السودانيين، بينما تراجع الدور الإماراتي الذي انتهى به المطاف للانسحاب حتى من الوساطة قبل أن يعود مرة ثانية بحثًا عن موطئ قدم للتأثير بما يقود لتوظيف النتائج الختامية في خدمة أجندة أبوظبي، حتى وإن تقاطعت مع مصالح ورغبات السودانيين في قيام دولة مدنية على أسس الحرية والسلام والعدالة.