02-نوفمبر-2020

من عرض عسكري لمقاتلي إقليم التغراي (BBC)

في شباط/فبراير من العام 1975، أعلنت جبهة تحرير التغراي معركتها ضد نظام منغستو هايلي ماريام؛ الحاكم لإثيوبيا بالحديد والنار. وكانت الأراضي الإريترية منطلق ثورتها، وتم احتضانها وتدريبها من طرف جبهة تحرير إريتريا، والتي كانت بدورها تسعى إلى التخلص من الاستعمار الإثيوبي بقيادة منغستو. هذا التحالف بين جبهة تحرير إريتريا وبين الجبهة الشعبية لتحرير التغراي لم يستمر كثيرًا؛ إذ تحالفت الأخيرة مع الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا وصارا حليفين قويين، أخرجا جبهة تحرير إريتريا من الميدان وساحة النضال وأدخلاها إلى الأراضي السودانية، ومن ثم خلت لهما ساحة النضال وعملا في تناغم تام حتى دخلت الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا العاصمة أسمرة محررة لها بالسلاح والقوة، ودخلت الجبهة الشعبية لتحرير التغراي العاصمة أديس أبابا بدبابات يقودها جنود المناضل الإرتري سعيد علي حجاي، ويتبعها مناضلون من جبهة تحرير تغراي.

النظام الفدرالي ساهم في تمكن تغراي إثيوبيا من مقدرات الدولة الإثيوبية، وبالطبع مقدرات إقليمهم

في العام 1989 تكوّن تحالف يدعى تحالف الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا "إهودق"، وضم عددًا من التنظيمات الثورية الخارجة على سلطة منغستو هايلي ماريام، وتحمل السلاح ضده، وتعد تنظيمات الجبهة الشعبية لتحرير التغراي وجبهة الأورومو وجبهة الأمهرا وشعوب الجنوب؛ من أبرز المشاركين فيه. وتمكن هذا الحلف من الوصول إلى السلطة في أيار/مايو من العام 1991 بقيادة ملس زيناوي، والذي أرسى قواعد الحكم والمرتكزات في إثيوبيا الجديدة، فابتدع نظام الحكومات الفيدرالية على أساس عرقي، وهذا ساهم في تمكن تغراي إثيوبيا من مقدرات الدولة الإثيوبية، وبالطبع مقدرات إقليمهم، حتى صاروا أعلى حظوة وقامة من بين الآخرين.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا بعد مواكب 21 أكتوبر؟

ظهر تململ بعض القوميات الإثنية الأخرى في إثيوبيا، لكن النظام الجديد بروحه الثورية التي تميل للقمع أسكتهم، حتى انفجرت الحرب الإثيوبية الإريترية في العام 1998، ومن بعدها أصبح صوت الاحتجاج عاليًا، ولكنه وصل ذروته في العام 2012 بموت الزعيم وعرّاب إثيوبيا الجديدة؛ ملس زيناوي.

منذ العام 2012، وبعد رحيل منظِّره الرئيس، بدأ هذا التحالف في التضعضع، وصارت الأمور في اتجاه فقدان السيطرة. وضح ذلك أكثر في العام 2015 حينما بدأت الكفة ترجح لصالح القوميات الأخرى وهي تحفر بصبر للحصول على الحقوق المتساوية وضرورة نزع كامل الحق الإثيوبي من يد التغراي. هذه الاحتجاجات كان قوامها قومية الأورومو الأكثر تعدادًا في إثيوبيا والتي تتمركز حركتها عند الأمهرا؛ القومية التي اعتادت حكم إثيوبيا تاريخيًا، وساء منتسبوها أن يغيب عنهم الحكم لمدة (27) عامًا، وهو تأريخ انفراد قومية التغراي بالحكم وتجييش كل مكتسبات الثورة لصالح قوميتها العرقية، فتحكمت في السفارات ومؤسسات الأمن والرتب العسكرية الرفيعة، كما أنها سرحت آلاف الجنود من غير قوميتها من الخدمة العسكرية وخلقت جيشًا جديدًا يدين لها بالولاء الحصري.

اقرأ/ي أيضًا: السلام وديمقراطية لوردات الحرب!

بسبب جائحة كوورنا، علقت الحكومة المركزية في إثيوبيا الانتخابات في البلاد؛ ولكن حكومة تغراي الإقليمية لم تر في ذلك سببًا كافيًا، وذهبت في اتجاه إقامة الانتخابات في موعدها، وبانتهاء تأريخ صلاحية الحكومة المركزية أعلنت أنها غير معترفة بالحكومة المركزيّة في أديس أبابا، بل تطبيقًا لقرارها قامت بإرجاع قيادات عسكرية إلى أديس أبابا بعد احتجازهم، لتؤكد أنها ما زالت في رأيها وقد خرجت عن طوع الدولة، ولديها من المقدرات العسكرية والسياسية والتأثير ما يدعم ذلك.

المؤكد أن الوضع الداخلي في إثيوبيا وصل مرحلة بعيدة وكل الأطراف بانتظار صافرة إعلان الحرب

في اليومين الماضيين، وصل رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان إلى إثيوبيا، والتقى برئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد؛ وذلك بعد زيارة مشابهة للقاهرة. الزيارة إلى إثيوبيا الغرض منها بحث قضايا سد النهضة والمشكلات الحدودية، ولا يوجد أي تصريح حتى اللحظة عن نتائجها، لكن المؤكد أن الوضع الداخلي في إثيوبيا وصل مرحلة بعيدة وكل الأطراف بانتظار صافرة إعلان الحرب، ولو حدثت الحرب الأهلية في إثيوبيا، فإن من ضمن أكبر الخاسرين دول الجوار الإقليمي، والتي تعاني من مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة منفردة، وعلى رأسها بالطبع السودان. السودان الذي يمر بفترة حرجة بوضعه الهمش بعد الثورة الشعبية التي يتناوشها العسكر. بجانب مشكلة سياسية عسكرية تتعلق باحتلال إثيوبيا لمنطقة الفشقة السودانية، وكامل سيطرتها على أكثر من (895) فدان زراعي عالي الخصوبة حسب آراء مختصين، وهي من القضايا التي تتفادى السلطة الجديدة في السودان تناولها على الرغم من المناوشات الحدودية بين الفينة والفينة، والاختراقات التي تحدث من متفلتين وميليشيات وعصابات وحتى قوات عسكرية إثيوبية، على الرغم من إقرار الحكومة المركزية في إثيوبيا بأحقية السودان على كامل أراضي الفشقة، لكن ظل الفشل يلازم تنفيذ مثل هذه القرارات، والتي يرجعها محللون لضعف سيطرة الحكومة المركزية في إثيوبيا على هذه المناطق.

إثيوبيا أيضًا تحتل منطقة "بادمي" الإريترية، إلا أن النظام الإريتري هو حليف كامل لحكومة آبي أحمد المركزية في أديس أبابا، ولا يهتم كثيرًا لأراضيه المحتلة؛ إذ أن صراعه مع حكومة إقليم تغراي يأخذ جانبًا اجتماعيًا وربما شخصيًا كما حصل في حرب العام 1998.

وحسب مراقبون، فإن التحالف بين نظام أسمرا وحكومة أديس أبابا هو تحالف قوي وعدواني وغرضي، بحيث يجنّب الحديث عن بادمي والأراضي الإريترية المعترف بها وفق اتفاقية ترسيم الحدود بين إرتريا وإثيوبيا في اتفاقية الجزائر التي عقدت  في 12 كانون الأول/ديسمبر 2002، إلى جانب محاولة حكومة إثيوبيا وتصريحها بعد توقيع السلام بين البلدين، بإخلاء المنطقة من الجنود الإثيوبيين وإعادتها للسيادة الإريترية، لكن مرة أخرى يصعب التنفيذ، لأن الحكومة المركزية لا تملك سلطة كافية على الأقاليم الفدرالية هذه.

اقرأ/ي أيضًا: وكسب السودان سيادته!

يوجد الآن آلاف اللاجئين الإثيوبين في السودان من الحروب الأهلية السابقة والمجاعات، ولو حدثت الحرب بين الحكومة المركزية وإقليم تغراي، فإن سيول اللاجئين ستغطي عموم السودان وخاصةً شرقه، بينما لم تحرك أي من الدول التي يهمها أمر إثيوبيا ساكنًا، وعلى رأسها السودان ومصر وكينيا وجنوب السودان والصومال. 

هل يجد المرجل الذي يغلي في إثيوبيا آذانًا صاغية في المنطقة قبل الانفجار الكبير؟

كان رئيس حكومة إقليم تغراي قد أرسل رسالة تحذير وتنويه لرؤساء أكثر من سبعين دولة يهمهم أمر إثيوبيا بشكلٍ مباشر أو قد يتأثرون في حالة إنفراط الأمن ووصلت الأحوال إلى حالة الحرب والاقتتال، محذرًا من تبعات الحرب على البلاد والمنطقة ككل. كل هذا يحدث في ظل التوتر المسبق في المنطقة بسبب أزمة سد النهضة، بالإضافة لإمكانية دخول الحليف الإريتري في الحرب حال انفجارها، مما يزيد من تعقيد المشهد المعقد للغاية أبتداءً؛ فهل يجد المرجل الذي يغلي في إثيوبيا آذانًا صاغية في المنطقة قبل الانفجار الكبير؟ أم أن كل ما يحمله البرهان في رحلته إلى إثيوبيا هي رسائل القاهرة؟

اقرأ/ي أيضًا

حين تكون الدولة هي العدو!

لامبيدوزا.. دالة المأساة الإفريقية