20-أكتوبر-2020

قطار الثورة (فيسبوك)

انتصار السودان وثورته لم ولن يكون في رفع اسم البلاد من قائمة الإرهاب، وهي المهمة التي تولى رئيس الوزراء مشقة انجازها منذ تسلمه رئاسة البلاد، وإنما وبكل تأكيد، انتصر السودان حينما احتفظ بسيادته الكاملة غير المنقوصة، ورفض إملاءات الدول والمحاور بخصوص ربط قضية حذف البلاد من قائمة الإرهاب بالتطبيع مع أكبر كيان إرهابي في العالم المعاصر.

الوعي الثوري كان وحاضرًا حينما رفض السودان تطبيع علاقاته مع الكيان الصهيوني ونظام الفصل العنصري الإرهابي المحتل

لقد عرّفت الثورة السودانية الإرهاب بدءً بخروج الجماهير ضد نظام القمع الإرهابي الذي أسسه النظام البائد، واسقطته مرة وإلى الأبد، وكان وعي الثورة وجماهيرها صاحيًا وحاضرًا حينما رفضت تطبيع علاقات البلاد مع الكيان الصهيوني ونظام الفصل العنصري الإرهابي المحتل.

اقرأ/ي أيضًا: وقاحة مبدأ المساعدات مقابل التطبيع

التعريف السودانين للإرهاب واضحًا ولا مجال لطمسه أو إنكاره، فالإرهاب في قاموس الثورة السودانية كان جليًا وناصعًا منذ البداية، إن الإرهاب هو كل ما يناقض قيم "الحرية، السلام والعدالة" وهي القيم التي افتداها السودانيون بدمائهم وأرواحهم، وقدموا فلذات أكبادهم ثمنًا لها، فكيف إذًا يقايضونها بنقيضها تحت نير ضغوطات رعاة التطبيع مع إسرائيل، داخليًا وخارجيًا؟

عمل وكلاء دولة الإرهاب والفصل العنصري داخل الحكومة الانتقالية بشقيهم العسكري المفضوح في تبعيته وارتهان قراره، يواليه ويشد من أزره بعضًا من القوى المنبتة عن حواضنها الشعبية والمفتقرة إلى أدنى المعايير الأخلاقية في ممارسة السياسية الرشيدة، عملوا بجد واجتهاد في خدمة وترويج السردية السخيفة والسمجة التي تربط بين التطبيع مع إسرائيل وبين رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، كما حاولوا جاهدين الربط بين التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي والفصل العنصري وبين الازدهار والرخاء الاقتصادي المدعى، المترتب على هذه الخطوة الغريبة و"المشاترة"، إلا أنهم باءوا بخيبة لم تكن أقل من خيبة النظام البائد الذي اعتمد في بقائه على سدة السلطة على إرضاء جميع المحاور على حساب استحقاقاته الداخلية مطالب شعبه.

إن الإباء الذي رفض به حمدوك الشروط الأمريكية المذلة هو بعض من قبس الثورة السودانية

يمكن تسمية تمسك رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بفصل مساري التطبيع وقائمة الإرهاب الأمريكية، بأنه نوعُ من الحكمة السياسية النادرة في هذا التوقيت العصيب، فقد كان بإمكانه إن أراد الحفاظ على حكومته وإرضاء جميع الأطراف وإسكات الأصوات الساخطة على أداء حكومته، أن يوافق على الشروط المذلة التي وضعت له للخروج من قائمة الإرهاب الأمريكية، لكنه رفض بإباء استلهمه من ثورة ديسمبر المجيدة وما رسخته في نفوس السودانيين من قيم عظيمة، رفض لأنه علم أن طريق الذل والانكسار والقبول بالشروط المجحفة لن ينتهي ههنا، وإنه سيمتد إلى أن يحرف الثورة عن مسارها تمامًا ويجعل شعاراتها السامية أثرًا بعد عين.

لقد بدأ التناقض واضحًا بين رغبة الشعب السوداني في كنس آثار النظام البائد، أولًا بإسقاطه جملة هو وممارساته المرذولة، وانتهاءً بالتخلص من تركته الثقيلة في رعاية الإرهاب وجماعاته، وبين التصالح مع نظام ارهابي عنصري ومحتل بشهادة كل من له ذرة من النزاهة والأخلاق والقدرة على قول الحق. وكان حري بثورة عظيمة كثورة ديسمبر المجيدة أن تكشف هذا التناقض الفادح وأن لا تقع فيه.

ظل عددًا غير يسير من الأبواق الإعلامية والمنصات التي بذلت جهدها لترويج سردية السلام مع الكيان الإسرائيلي الإرهابي المحتل، تروج دون ملل لمقولاتها الكذوبة الباهتة والخالية من الروح، ولم يدخر محور التطبيع مع إسرائيل حيلةً أو سيلةً إلا توسلها ليروج بضاعته، ويسوق أكاذيبه المفضوحة، تارة بقلب الحقائق وتسمية التغاضي عن جرائم أكبر نظام عنصري وإرهابي في عصرنا سلامًا وئامًا، وتارة أخرى بترويج الأخبار الزائفة عن قرب تطبيع السودان مع إسرائيل نزولًا عند رغبة سادتهم وأوليا نعمتهم.

لم ولن يكون هناك معنى للروح الثورية السودانية، إن كانت الحكومة قد انصاعت للأوامر بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل

كل ذلك هزمه موقف رئيس الوزراء الشجاع والمسنود بتطلعات القوى الشعبية الحية الحارسة للثورة، إلى أن تكللت جهوده بالنجاح في مقاومة اختطاف موقف السودان وسيادته، لم ولن يكون هناك معنى للروح الثورية التي نبضت بها عروق السودانيين، إن كانوا قد انصاعوا للإرهاب الإمبريالي الجديد وطبعوا علاقاتهم مع إسرائيل تحت التهديد والوعيد والوعد برفع اسم البلاد من قائمة الإرهاب.

فمبروك لسوداننا موقفه الثابت في نصرة قضايا الشعوب المقهورة، ودعمه نضال الشعب الفلسطيني، ورفضه التبعية لكل المحاور، وقبل كل شيء، مبروك لوطننا رفضه الدنيئة ونيله مطالبه بكل كبرياء وعز.

اقرأ/ي أيضًا

حين تكون الدولة هي العدو!

العقبات التي تواجه اتفاق السلام في السودان