15-أكتوبر-2020

(DW)

مرة أخرى يذكِّرنا قتل المتظاهرين في كسلا اليوم، أن جهاز الدولة لطالما كان عدو السودانيين الأول، ولن نتجنى على التاريخ إن وصفنا فترة ما بعد استقلال السودان في الأول من كانون الثاني/يناير 1956 بأنها دورة متصلة من انعدام الدولة الذي تعقبه دولة معادية للمواطنين، ثم انعدام للدولة مرة أخرى وهكذا، وفي كل هذه الحالات كان المواطنون واقعين تحت عنف تختلف درجاته بحسب نوع الحكم.

إن الدولة الحالية هي عسكرية بكامل تقاليدها، بدءً من تحقير المواطنين وانتهاء بقتلهم لأتفه سبب

كانت مقتلة "عنبر جودة" هي الإطلاق الرسمي للدولة المعادية لمواطنيها بعد الاستقلال، حين قتلت الحكومة "الديمقراطية!" الأولى زهاء المائتين من مزارعي مشروع جودة الزراعي جنوب النيل الأبيض، بعد شهر ونصف فقط من إعلان استقلال السودان، بعدها تتابعت دورات عنف الدولة ضد المواطنين لاسيما في فترات الحكم العسكري "1958-1964، 1969-1985، 1989- 2019"، فيما احتلت حالة اللا دولة الفترات بين كل حكم عسكري وآخر.

اقرأ/ي أيضًا: مصدر لـ"الترا سودان": حمدوك على موقفه بشأن التطبيع والحكومة تحتاج إلى مؤازرة

اليوم يعيش السودان حالة هجين، تشبه فترات اللا دولة التي شغلتها في تاريخه الحديث الأنظمة الديمقراطية القصيرة والمضطربة، وفي الوقت نفسه هي دولة عسكرية بكامل تقاليدها بدءً من تحقير المواطنين وانتهاء بقتلهم لأتفه سبب.

بجانب فشلهم الإداري وتخطفهم للدولة كما الغنيمة بين الضباع، فإن السياسيين المدنيين ظلوا يستبطنون تعاليًا على المواطنين يجعلهم في حل عن إطلاعهم على شؤون دولتهم، ولا يجدون حافزًا لأدنى نوع من الشفافية اللازمة لخلق علاقات الثقة بين المواطن ودولته، ولا يولون البناء القانوني وحقوق المواطن أدنى اهتمام يصنع علاقة عابرة للقبيلة والجهة بين المواطنين والدولة، وكما العادة يؤدي كل هذا إلى الفوضى التامة وحالة اللا دولة المشار إليها التي تنتهي بانقلاب عسكري.

أما العسكريون، فتقوم عقيدتهم بالأساس على أنهم أرفع شأنًا من المواطنين، حتى إن كلمة مواطن تعد شتيمة لديهم "ملكي"، وغني عن القول إن لا مجال لحرية التعبير أو التداول السلمي والديمقراطي في العسكرية، لذا سرعان ما تتحول الدولة في فترات الحكم العسكري إلى عدو صريح للمواطنين، ترد على أي احتجاج أو إبداء رأي بالرصاص، سواء في الأطراف البعيدة المهملة، أو في المدن.

يستمر العسكر والمدنيون المتعالون على الشعب، بتذكيرنا أن لا شيء تغير حقًا، فالدولة لا تزال هي العدو الأول

بعد ثورة ديسمبر المجيدة، التي تنهشها الآن أنياب الداخل والخارج، ربما خامر الظن السودانيين أن القتل المجاني سيتوقف، وأن حرمة دمهم هي جزء من مسؤولية جهاز الدولة على علاته، إلا أنه في كل مرة يذكرنا العساكر والمدنيون المتعالون على الشعب، أن لا شيء تغير حقًا، فالدولة لا تزال هي العدو الأول، وحرية التعبير يواجهها الرصاص.

اقرأ/ي أيضًا

قرار بإعادة مئات المفصولين تعسفيًا للعمل وبنوك ترفض تنفيذ القرار

"الترا سودان" يورد تفاصيل مذكرة مديري الجامعات الحكومية لمجلس الوزراء