14-سبتمبر-2022
امتحانات الأساس

يمثل الصرف على بنود التعليم أقل من (2%) في الموازنة العامة

الإرهاصات التي أحاطت بالعام الدراسي كانت مقدمة لتأجيل المدارس من 18 أيلول/سبتمبر الجاري إلى مطلع تشرين الأول/أكتوبر المقبل، بسبب تدمير الفيضانات لأكثر من (600) مدرسة حكومية في (16) ولاية من أصل (18)، وإلى جانب ذلك فإن وزارة التربية والتعليم الاتحادية تشكو من قلة المصروفات التي توفرها وزارة المالية من جراء التضخم وهجرة المعلمين إلى القطاع العام.

محلل: التعليم العام يحتاج إلى تمويل بقيمة نصف مليار دولار للمضي في خطة الإنعاش التي تستغرق خمس سنوات

مؤشرات الانهيار التي تلاحق التعليم في السودان بدأت تصعد في الأعوام الأخيرة، حينما أثرت السيول والفيضانات في مئات المدارس خلال العامين الأخيرين؛ إذ تُقدر الأمم المتحدة عدد المدارس التي تأثرت في فيضانات 2022 بأكثر من (600) مدرسة. وتشمل المؤشرات أيضًا مصرع (22) تلميذًا غرقًا في العام 2018 في ولاية نهر النيل أثناء إبحار قارب خشبي بين الضفتين للوصول إلى المدرسة.

ولا تقتصر الأزمة التي تواجه العام الدراسي على الفيضانات، فالتمويل الحكومي لا يشمل سوى الفصل الأول وهو بند الأجور للمعلمين والعاملين في المدارس، ولا يتضمن الوجبة المدرسية ولا الترحيل.

وسحب قطاع التعليم الخاص -خاصةً في المدن- البساط من التعليم الحكومي الذي كان في سنوات خلت يتمدد بنسبة (100%) في جميع أنحاء البلاد؛ إذ شجع النظام البائد على نمو القطاع الخاص في التعليم.

وأعلن وزير التربية والتعليم المكلف محمود سر الختم الحوري تأجيل انطلاقة العام الدراسي الجديد (2022 - 2023) في البلاد إلى الثاني من أكتوبر المقبل.

https://t.me/ultrasudan

وجاء الإعلان في تصريح صحفي عقب اجتماع قطاع التنمية الاجتماعية والثقافية بمجلس الوزراء أمس الثلاثاء. وأوضح المسؤول أن تأجيل العام الدراسي جاء بسبب الظروف المحيطة بالولايات المتأثرة بالسيول والفيضانات، وذلك لإتاحة الفرصة لها لوضع المعالجات المطلوبة للمدارس المتأثرة بالسيول البالغ عددها نحو (623) مدرسة.

ويقول الخبير في قضايا التنمية خالد الأمين لـ"الترا سودان" معلقًا على تأجيل العام الدراسي إن السودان يواجه "أزمة اقتصادية وتدهور في البنية التحتية"، لافتًا إلى أن التأجيل لأسبوعين "غير مفهوم"، ومستنكرًا: "لماذا تم التأجيل لأسبوعين! ما الذي سيحدث خلال هذه الفترة الزمنية القليلة؟ ويستدرك بالقول: "لا يمكن صيانة وتأهيل المدارس خلال هذه الفترة ولا تملك الحكومة تمويلًا كافيًا لذلك". وأفاد الأمين بأن من الأفضل إطلاق "مشروع قومي" لإنعاش قطاع التعليم لخمسة أعوام تبدأ من هذا العام بـ"الخطط الإسعافية والمستقبلية".

ويرى الأمين أن قطاع التعدين أنسب جهة لتمويل هذا المشروع بقيمة نصف مليار دولار لهذا العام "إذا ما أستغل جيدًا". وأضاف: "يجب أن تمول وزارة المالية عبر وزارة المعادن مشروع إحياء المدارس العامة بخطة سنوية لا تقل عن نصف مليار دولار".

وتساءل: "هل لدى السلطة الحاكمة في ظل الفراغ الحكومي المدني الإرادة الكافية لتنفيذ هذا المشروع؟" ونبه إلى أن الانهيار الذي طال التعليم الحكومي "لن ينتهي قريبًا من دون تدخل حكومي بإمكانات عالية وشفافية".

موجه سابق: كان الإنفاق العسكري والأمني يعادل ميزانية التعليم 500 مرة في أول موازنة في أواخر 2019

وبالتزامن مع إعلان وزارة التربية والتعليم تأجيل العام الدراسي أمس الثلاثاء، كشفت منظمة رعاية الطفولة بالأمم المتحدة (اليونيسيف) عن وجود (6.9) مليون طفل خارج المدارس في السودان. وقالت إن (12) مليون طفل يواجهون عدم استقرار في التعليم.

وجاء في البيان الذي اطلع عليه "الترا سودان" أن واحدًا من كل ثلاثة أطفال في سن الدراسة لا يذهب إلى المدرسة، كما أن دراسة (12) مليون طفل آخرين ستتأثر بدرجة "كبيرة" بسبب نقص المعلمين ووضع البنية التحتية والحاجة إلى توفير "بيئة تمكن الأطفال من التعلم وتجعلهم يحققون إمكاناتهم الكامنة في حدها الأقصى".

وحاولت الحكومة الانتقالية "إحياء التعليم الحكومي" لكن التيارات الدينية التي ناهضت وزير التربية والتعليم في حكومة حمدوك (محمد الأمين التوم) عجلت باستقالته من المنصب؛ إذ كان التوم يتوقع أن يدافع عنه مكتب رئيس الوزراء، لكن عدم حدوث ذلك مع "شخصية حمدوك التي تجلس في الظل" اضطره إلى الرحيل عن الوزارة - يقول ذلك خبراء في قطاع التعليم.

وكان التوم -بحسب مقربين منه- يأمل في "مجانية تعليم مرحلة الأساس" بإعادة الثقة إلى المدارس الحكومية بمضاعفة التمويل في الموازنة العامة، إلا أنه وجد نفسه وحيدًا يُصارع طواحين الهواء في ظل غياب المشرعين وتعطيل البرلمان الانتقالي.

ويقول محمد عبدالرحمن وهو موجّه سابق في وزارة التربية والتعليم لـ"الترا سودان" إن السودانيين كانوا يأملون في أن يرتفع الإقبال على التعليم الحكومي بزيادة التمويل الحكومي المرصود للتعليم، لكن في أول موازنة في أواخر العام 2019 كان الإنفاق العسكري والأمني يعادل الإنفاق على التعليم (500) مرة - وفقًا لعبدالرحمن.

ويرى عبدالرحمن أن السودان أجاز في ذلك الوقت موازنة مالية قدرت بخمسة مليارات دولار، ذهبت أغلبها إلى الإنفاق العسكري والأمني؛ فالسودان دولة "أمنية وليست تنموية" – على حد تعبيره.

وتابع: "الانهيار في المدارس العام والتعليم ظهرت مؤشراته في الأعوام الأخيرة لأنه وصل مرحلة اللاعودة"، متهمًا نظام عمر البشير بتقليص التعليم الحكومي لصالح التعليم الخاص الذي قال إنه "يشكل لوبي داخل المؤسسات الحكومية ويؤثر بقوة على صانع القرار".

وسعى مراسل "الترا سودان" للحصول على تعليق فوري من وزارتي المالية والتربية والتعليم حول "نصيب التعليم في الموازنة العامة السنوية"، لكن المؤسستان الحكوميتان ترفضان طلبات الصحفيين للتعليق في العادة.

وأضاف الموجه السابق بوزارة التربية والتعليم: "أنا لا أدعو إلى تدمير التعليم الخاص بجرة قلم لكن إذا أنفقت الحكومة على التعليم الحكومي لن يكون أي قطاع خاص يشيد بناية ويستقطب المعلمين من القطاع العام".

ومع اشتداد الحاجة إلى تأهيل المدارس في (18) ولاية سودانية تواجه مشاكل بيروقراطية وإدارية وضعف المحليات، فإن الأزمة الاقتصادية أدت أيضًا إلى مخاوف من زيادة عدد التلاميذ الذين يعانون الجوع خلال اليوم الدراسي.

ولا يوفر السودان الوجبات المدرسية في القطاع العام بسبب قلة الصرف على بنود التعليم الذي يحصل على نسبة أقل من (2%) في الموازنة العامة مقابل أكثر من (42%) للبنود الأمنية والعسكرية.

لا يوفر السودان الوجبات المدرسية في القطاع العام بسبب قلة الصرف على بنود التعليم الذي يحصل على نسبة أقل من (2%) في الموازنة

وتقول إحسان التي تقيم في حي الامتداد جنوبي العاصمة وترسل اثنين من أطفالها إلى مدرسة الحي الحكومية - تقول لـ"الترا سودان" إنها قررت سحب أطفالها من المدرسة الخاصة لأنها تكلف (1.5) مليون جنيه، أي ما يعادل ثلاثة آلاف دولار في العام. وتضيف: "نحن نوفر لهن وجبة الإفطار بصعوبة فلا يمكن أن ننفق (1.5) مليون جنيه في العام". وتضيف: "سأتابع الدروس في المنزل مع أطفالي عندما يعودون من المدرسة الحكومية بالحي".