احتفت مدينة كسلا شرقي السودان بالطفل أوشام حسن بابكر (14 عامًا) لإحرازه مجموع (222) درجةً في امتحانات الصف الثامن بمرحلة الأساس. ويأتي الاحتفاء لأن الطفل -بحسب أقواله- يعمل في مهنة "الورنيش" (تنظيف الأحذية وتلميعها) في السوق لخمس ساعات يوميًا بعد الانتهاء من الفصول الدراسية، بغرض توفير مصاريف لإعالة نفسه وأسرته. وبالحديث معه يقول إنه يتمنى أن يصبح طبيبًا في المستقبل، ويعلل: "لأعالج الناس الذين يملكون المال ومن لا يملكونه".
الأمين العام لمجلس الطفولة لـ"الترا سودان": نعمل على تفعيل المواعين الاجتماعية، لكن (75%) من الأطفال وأسرهم تحت خط الفقر
أما والده حسن بابكر محمد، فيعمل -وفقًا لما يقول- برزق اليوم باليوم، وعبّر لـ"الترا سودان" عن افتخاره بإنجاز ابنه الدراسي. ويقول "شاءت الظروف ألا أتلقى تعليمًا كافيًا، ويساعدنا أوشام في مصاريف المنزل من مزاولة مهنة (الورنيش) في السوق". ويضيف: "أوشام يصرف على نفسه بالعمل، ويشتري الأقلام والدفاتر ومستلزمات الدراسة".
حكاية الطفل أوشام تفتح السؤال أمام قضية عمالة الأطفال، إذ ينتشر الأطفال في مواقف السيارات لبيع المناديل، وآخرون في الأسواق لكسب الرزق.. فكيف ينظر المختصين إلى هذه القضية؟
موضوع شائك
تجدر الإشارة إلى أن الأسباب التي تدفع بالأطفال إلى العمل، تتعدد من الاقتصادية إلى السياسية والاجتماعية.
وصفت الناشطة الاجتماعية ملاذ عبدالعزيز قضية عمالة الأطفال بـ"الموضوع الشائك". وعزت أسباب الظاهرة إلى الوضع الاقتصادي الذي يدفع بالأطفال تجاه الأسواق بحثًا عن مصدر رزق لإعالة أنفسهم وعوائلهم، بالإضافة إلى الوضع السياسي بالبلاد الذي وصفته بـ"المتذبذب" وحدوث هجرة من الأرياف إلى المدن، والهجرات داخل المدن. وتضيف ملاذ: "إلى جانب المشاكل الاجتماعية التي تدفع بالأطفال إلى الخروج للأسواق والشوارع بسبب المشاكل داخل العائلة".
وتؤكد ملاذ أن القضية لا تقع على عاتق الدولة وحدها وإنما المجتمع كله. وشددت في حديثها لـ"الترا سودان" على أهمية الجلوس مع وزارة التنمية الاجتماعية لوضع خطط لمعالجة القضية، مشيرةً إلى وجود قوانين تجرم عمالة الأطفال مثل قانون الطفل الذي يجرم عمالة الأطفال دون سن الـ(18) عامًا، ولافتةً إلى تعارض قانون العمل مع قانون الطفل؛ إذ يسمح للأطفال في سن الـ(14) عامًا بالعمل مع وضع ضوابط وشروط، منها ألا يعمل الطفل لأكثر من ست ساعات في اليوم. ووفقًا لملاذ، ليست هناك رقابة على المؤسسات لمتابعة تطبيق ضوابط عمالة الأطفال ولا تتفقد الشرطة المؤسسات لبحث القضية.
وطالبت الناشطة الاجتماعية الدولة بوضع "آلية واضحة" وتحديد طرق التدخل لحماية الأطفال من "الانتهاك والاستغلال" – على حد قولها.
الجانب القانوني
يقول العاقب المحامي والمناصر لقضايا الطفولة إن المادة (36) الفقرة (أ) من قانون الطفل لسنة 2010، تحظر عمل الأطفال، فيما يستثني قانون العمل الفئة دون سن الـ(14) عامًا. ويوضح العاقب أن المادة (37) تحظر استخدام الأطفال في الأعمال الخطرة والصناعات التي يرجح -بطبيعتها أو بفعل الظروف- أن تضر بصحة الطفل. ويشرح قائلًا إن المقصود البيئة المحيطة بالطفل مثل الأسواق لأن التعامل يكون مع كبار السن.
قانوني ومناصر لقضايا الطفولة لـ"الترا سودان": عمل الأطفال في مهنة (الورنيش) "مذل ويقتل الطفولة"
ووصف العاقب عمل الأطفال في مهنة (الورنيش) بأنه "مذل ويقتل الطفولة". وأكد المحامي خلو محاكم الطفل وبلاغات الشرطة طيلة (12) عامًا من قضية تتعلق بعمالة الأطفال، مع أنّ قانون الطفل يجرم عمل الأطفال.
إستراتيجية الدولة
يقول الأمين العام للمجلس القومي لرعاية الطفولة الدكتور عبدالقادر عبدالله أبوه إن ظاهرة عمالة الأطفال نتاج للفقر وعدم تطبيق القوانين وخاصةً في مناطق التعدين، مشيرًا إلى وجود مواد "صارمة" في قانون الطفل تجرم عمالة الأطفال إلى جانب القانون الجنائي السوداني.
ويشير أبوه إلى غياب ما أسماه "المسؤولية الاجتماعية" التي قال إنها ساهمت في "تفاقم الظاهرة". ويضيف: "نعمل على تفعيل المواعين الاجتماعية، لكن (75%) من الأطفال وأسرهم تحت خط الفقر، ما يتطلب العمل الجاد مع الجهات المختصة والمجتمع عن طريق التوعية"، لافتًا إلى وجود إستراتيجيات لكن ظروف الدولة "تحول دون تفعيلها" – على حد قوله.
ويؤكد الأمين العام لمجلس الطفولة لـ"الترا سودان" أنهم بصدد وضع خطط لتقليل الظاهرة بالعمل مع ولاة الولايات وفي المدن بالتعاون مع الأجهزة الشرطية لتطبيق القانون.
وبحسب الإسقاطات الإحصائية، فإن مليون و(700) طفل في حالة تشرد كلي وجزئي، ويقصد أبوه أنهم يعملون بصورة جزئية أو كلية.
بحسب الإسقاطات الإحصائية، فإن مليون و(700) طفل في حالة تشرد كلي وجزئي
وللحد من الظاهرة، كشف أبوه عن قيام المؤتمر العربي الأفريقي الأول للمسؤولية المجتمعية لحقوق الطفل الأساسية من منظور التنمية المستدامة، في أواخر أيلول/ سبتمبر المقبل. وأشار إلى نيتهم لإنشاء الصندوق الاجتماعي للطفولة ليكون لكل طفل يولد نصيب بموجب القانون، موضحًا أنه تمت إحالته إلى وزارة المالية والتنمية الاجتماعية.
وتظل ظاهرة عمالة الأطفال تؤرق المجتمع والدولة، وعلى الرغم من وضع إستراتيجيات ومعالجات إلا أنها تبقى ضعيفة وغير فاعلة.. فإلى متى تستمر عمالة الأطفال؟