الأحد الماضي ذكر البيان الختامي للقمة الحادية والأربعين الاستثنائية لرؤساء الهيئة الدولية للتنمية الحكومية (إيقاد) أن المقترح "الجديد القديم" بعقد لقاء بين قائد الجيش السوداني – رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) عاد إلى السطح في أعقاب "موافقة الجنرالين" في قمة جيبوتي السبت الماضي على إحياء هذا المقترح وعقد الاجتماع خلال أسبوعين.
يستبعد باحث انعقاد اجتماع بين البرهان وحميدتي في الوضع الحالي كما يستبعد نجاح المفاوضات قبل استعادة الجيش للعاصمة الخرطوم
لكن وقبل أن يجف حبر بيان "الإيقاد"، أعلنت وزارة الخارجية السودانية أن قائد الجيش البرهان وضع شروطًا للقاء حميدتي، وهي ذات الشروط التي طرحها الجيش في منبر جدة واتفق عليها الطرفان في أيار/مايو الماضي بما فيها مغادرة الدعم السريع منازل المواطنين وإخلاء الأحياء السكنية والمرافق المدنية من المظاهر العسكرية.
جاء بيان الخارجية السودانية المعبر عن موقف الجيش من مقترح "الإيقاد" ليضع "شروطًا" أمام تحقق اللقاء بين البرهان وحميدتي – اللقاء الذي يعتقد الدبلوماسيون في منظمة "الإيقاد" أنه قد يحرك البركة الساكنة ويذيب الجمود بين الجيش والدعم السريع في منبر جدة منذ أيار/مايو الماضي حتى انهيار الجولة الأخيرة من المفاوضات بين الطرفين في مطلع كانون الأول/ديسمبر الجاري.
لم تظهر الحكومة السودانية من مقرها في بورتسودان أي خطوات لفتح باب النقاش مع منظمة "الإيقاد" بشأن مقترحاتها في البيان الختامي لقمة جيبوتي الأحد الماضي، ومع تسريبات بإمكانية تحقق اللقاء بين الطرفين، تقول الشواهد إن الاجتماع بين الجنرالين ربما يكون مستحيلًا في الوقت الحالي.
وذكر مصدر دبلوماسي لـ"الترا سودان" أن اللقاء بين البرهان وحميدتي "غير مطروح" في أروقة الحكومة السودانية أو المؤسسة العسكرية حاليًا، لافتًا إلى أن الشروط لم تتحقق حتى الآن، ولن يحدث اللقاء فرقًا قبل تنفيذ هذه الشروط التي تعرقل المفاوضات في منبر جدة أيضًا – حسب المصدر الدبلوماسي.
ولم تتمكن منظمة "الإيقاد" من تحقيق "لقاء البرهان – حميدتي" الذي اقترحته في تموز/يوليو الماضي بسبب تباعد المواقف بين الطرفين وارتفاع حدة الخطاب الإعلامي وتصاعد وتيرة المعارك بين الجانبين. وكان المجتمع الدولي في ذلك الوقت يعتقد أن الطرفين المتحاربين في السودان ما زالا يعملان على الحرب ويصران على الاستمرار في القتال، وأن الحديث عن التفاوض المباشر لم يحن وقته بعد.
ومن جانبها، أعلنت "الدعم السريع" في بيان صدر الإثنين الماضي ردًا على مقترحات "الإيقاد" أن قائدها الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" يشترط حضور البرهان إلى اللقاء بصفته قائدًا للجيش وليس رئيسًا لمجلس السيادة الانتقالي، للقبول بهذا الاجتماع.
ويقول المحلل السياسي محمد يعقوب في حديث إلى "الترا سودان" إن منظمة "الإيقاد" ربما تحاول إيجاد مخرج ردًا على بيان الخارجية السودانية الذي وضع "شروطًا قاسية" لقبول مقترح اللقاء بين البرهان وحميدتي.
ويرى يعقوب أن مقترح اللقاء بين البرهان وحميدتي يأتي هذه المرة وقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر، أبرزها شعور قادة في الجانبين بعدم جدوى الحرب إلى جانب تعزيز المجتمع الدولي أدوات ضغطه على الطرفين.
ويعتقد يعقوب أن اللقاء بين البرهان وحميدتي قد يفشل لأن "التيار الداعم للحرب" داخل الحكومة السودانية يضع "اشتراطات من الصعب تنفيذها قبل حدوث اللقاء"، مشيرًا إلى إمكانية تحقيق هذه الشروط نفسها بالاختراق الذي قد يحدثه اللقاء بين الجنرالين.
ويشير المحلل السياسي محمد يعقوب إلى سيطرة الدعم السريع خلال المفاوضات في منبر جدة على بعض الحاميات في إقليم دارفور، قائلًا إن هذه العمليات العسكرية مثلت "انتكاسة للمفاوضات" قبل انهيارها بأيام، ولذلك يرى أن على الميسرين والوسطاء توقيع هدنة قبل الشروع في عملية التفاوض، فلا يمكن التفاوض تحت زخات الرصاص – حسب تعبيره.
ومنذ انهيار المفاوضات في منبر جدة بداية الشهر الجاري، عادت المعارك العسكرية في العاصمة الخرطوم أكثر ضراوة. ويحاول الجيش استعادة زمام المبادرة في بعض مناطق أم درمان غربي الخرطوم إلى جانب إعادة السيطرة على مناطق شرق الخرطوم.
ويرى الباحث في مجال الديمقراطية والسلام مجاهد أحمد لـ"الترا سودان" أن من الصعب الحديث حاليًا عن التفاوض والحلول السلمية خاصة في أوساط الجيش، مرجعًا الأمر إلى الاعتقاد أو العرف العسكري السائد بين كبار الضباط بعدم إمكانية التفاوض على الأقل قبل استعادة العاصمة كاملةً – حسب قوله.
وأردف مجاهد أن النتائج التي ستتمخض عنها المفاوضات قد لا تكون في مصلحة الجيش في حال مضى إلى التفاوض إلا إن كانت لدى الدعم السريع "قناعات بتقديم تنازلات لمصلحة بناء مشروع وطني حسب ما ذكر في رؤيته السياسية قبل شهرين". وتابع قائلًا: "في الأعراف العسكرية يقولون إن التفاوض يجب أن يكون من موضع قوة أو سيطرة، خاصةً من الناحية العسكرية التي تتقدم على النواحي السياسية".
وتقترب الحرب في السودان من شهرها الثامن وخلفت أكثر (12) ألف قتيل وسط المدنيين وشردت نحو (6.5) مليون شخص، بينهم (1.4) مليون شخص عبروا الحدود إلى خارج البلاد، بالإضافة إلى معالم تاريخية وبنى تحتية رئيسة في العاصمة الخرطوم بما فيها جسر "شمبات" الرابط بين بحري وأم درمان وجسر خزان "جبل أولياء" الذي يربط جنوب الخرطوم بأم درمان.
وامتدت الحرب مؤخرًا إلى مصفاة الخرطوم للنفط بالجيلي شمال العاصمة الخرطوم، والتي شيدت قبل (20) عامًا، وسط مخاوف من تدميرها بالكامل، إذ شوهدت النيران وهي تتصاعد من مستودعات للوقود بالمصفاة الأسبوع الماضي.