29-فبراير-2020

فجرت وفاة سيدة سودانية في ربيع شبابها قضية قانون الأحوال الشخصية وظهرت مطالبات قوية بإلغائه. الراحلة كافحت لسنوات لنيل أبسط حقوقها لكنها ماتت دون ذلك.

 قانون الأحوال الشخصية يمنع الأم من مرافقة أطفالها إلى أية دولة دون وجود إذن سفر موقع من الزوج

منذ بدايات 2015 والسيدة المحرومة من بنتيها تطالب بالطلاق من زوجها، وهو أحد الشخصيات المشهورة في الوسط الفني، وإلى حين وفاتها قبل أيام لم تتلق ردًا منصفًا في دعواها. تحولت قضيتها منذ سنوات إلى قضية رأي عام حينما كانت حاولت السفر بصحبة بنتيها إلى دولة خليجية حيث يقيم والدها، لكنها لم تحقق مرادها، لأن قانون الأحوال الشخصية يمنع الأم من مرافقة أطفالها إلى أية دولة دون وجود إذن سفر موقع من الزوج، وهو الأمر الذي كان يرفضه زوجها الفنان بحسب إفادات صحفية أدلت بها الراحلة لمجموعة من الصحف الإلكترونية.

السؤال الكبير

تبادلت الفقيدة مع زوجها الاتهامات بعدم الالتزام بتوفير الحماية لبنتيهما وعدم دفعه للنفقة الشهرية التي أقرتها محكمة سودانية. وفتحت قضية السيدة المتوفاة وغيرها من سيدات سودانيات كثر السؤال الكبير الذي يؤرق  الناشطات النسويات والمهتمين بقضايا وحقوق المرأة: ماذا نفعل لإلغاء قانون الأحوال الشخصية؟

اقرأ/ي أيضًا: بعد أن ضللتهم شركة إماراتية.. 80 سودانيًا يصلون من ليبيا إلى مطار الخرطوم

ماتت السيدة المحرومة من بنتيها في صمت، أقيم العزاء في منزل زوجها. كانت حياتها سلسلة طويلة من الكفاح الفردي ضد القوانين التي تحد من حرية المرأة وتحرمها أبسط حقوقها، وبموتها عادت القضية للظهور من جديد: قانون الأحوال الشخصية، الهاجس الأكبر للمدافعين عن حقوق المرأة.

قبل الدخول إلى جوانب التقرير، لا بد من الإشارة إلى أن حادثة وفاة هذه الأم تحولت إلى حديث الساعة بين الشعب السوداني، هناك من يتهم الزوج بتعذيبها، وآخرون ألفوا قصص غرائبية حول موتها. وشن النشطاء هجومًا لاذعًا على الزوج، امتزجت الحقيقة بالخيال.

كم هائل من الإهانات

فضلت المحامية والناشطة النسوية نسيبة الاكتفاء بالاسم الأول لاعتبارات شخصية، ووصفت قانون الأحوال الشخصية بأنه الأسوأ على الإطلاق إذا وضع في مقارنة مع قانون النظام العام والقانون الجنائي السوداني، لأنه تفنن في إهانة المرأة والحط من كرامتها. داخل القانون يعتبر باب الزواج والطلاق هو أشد الأبواب انتقاصًا من قدر المرأة. تقول: "يوجد باب الوقف والهبة والميراث وجميعها تنتقص من حقوق النساء، لكن باب الزواج والطلاق هو الأشد إهانة للمرأة ولحقوقها ولتاريخها النضالي".

لماذا كل هذا الظلم؟

تشرح نسيبة قانونيًا لـ"الترا سودان" وضع قانون الأحوال الشخصية، بالقول "نعتمد في السودان في جميع المعاملات التجارية والبنكية وكل أشكال العبادات على المذهب الحنفي ما عدا عند التعامل في قضايا الزواج والطلاق، لأنه يقر الولاية للفتاة البالغة ويجوز لها الزواج بدون ولي أمر ويكون النكاح صحيحًا". وتساءلت  كيف عالج قانون الأحوال الشخصية هذه القضية؟ تجيب نسيبة بأن الاعتماد تم على المذهب المالكي المتشدد في قضايا الزواج والطلاق.

اقرا/ي أيضًا: "البودا بودا".. تاكسي جوبا الذي اخترعته الحاجة

أشارت نسيبة في حديثها إلى الطريقة العفوية التي يتم بها الطلاق في جزء من المجتمعات السودانية، حيث يكتفي الزوج أحيانًا بقول "عفيت منك" للزوجة أمام شهود وهكذا تعتبر السيدة نفسها وقد وقع عليها الطلاق. وتبين  صعوبة إثبات بعض الوقائع - استنادًا إلى بنود قانون الأحوال الشخصية- عندما تتعرض الزوجة للضرب داخل غرف الزوجية حيث لا شهود. أما فيما يتعلق بقضية العجز الجنسي، هنا تؤخذ الزوجة أولًا للكشف الطبي عن عذريتها فإذا ثبتت يتم الكشف الطبي على الزوج لاحقًا، وأيضًا، لا يقع الطلاق بل يطلب من الزوجة البقاء لمدة عام كامل إلى أن يتلقى زوجها العلاج ثم ترفع دعوى جديدة إذا كانت لا تزال تريد الطلاق.

وشددت نسيبة في حديثها لـ"الترا سودان" بأن السودان في موقف محرج بالمقارنة مع دول عربية أخرى، تلك التي وقعت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو"، مؤكدة أن الاتفاقية هي الضامن الوحيد لكرامة المرأة وصون حقوقها.

تعليق قانوني على قضية عبير

تؤكد نسيبة أن جميع معلوماتها عن قضية الأم السودانية المتوفاة استقتها من وسائل التواصل الاجتماعي بعد تفجر الأحداث عقب موت الأخيرة، عليه فإن الرأي القانوني سيكون مبنيًا على ما تم تداوله.

بحسب المعلومات التي تداولها ناشطون فإن السيدة المتوفاة رفعت دعوى نفقة وكان الزوج يدفع لها شهريًا (1000) جنيه. وأوضحت المحامية أن قضايا النفقة في المحاكم السودانية لا تستند إلى مصدر حقيقي ومعروف لمعرفة دخل الأزواج، لذا فهي تخاطب المؤسسة الرسمية التي يعمل فيها الزوج وغالبًا ما تكون مؤسسة العمل متواطئة مع الزوج، فلا يظهر الدخل المالي بالكامل. في أحيان أخرى يكون الراتب الأصلي جزءًا ضئيلًا في قائمة التفاصيل التي تتضمن التأمين والحوافز وخلافه. وأكدت نسيبة أن قضية النفقة على الزوجة في جميع المذاهب الإسلامية مقدمة على دفع الديون لكن الممارسات التي تتم داخل المحاكم السودانية تعقد المسألة.

اقرأ/ي أيضًا: سودان بلا ختان..هدف للحكومة والمجتمع المدني والشباب

زاوية أخرى في القضية وهي إذن السفر أو "الاستصحاب،" حيث ثبت عبر وثائق متداولة أن السيدة المتوفاة عانت من هذا الأمر في قانون الأحوال الشخصية. تضيف المحامية السودانية أنه بحسب هذا القانون الجائر لا يحق للمرأة استصحاب أطفالها في سفرها للخارج دون وثيقة تؤكد موافقة الزوج على هذا الفعل، وكثير من السيدات يحرمن من السفر بصحبة الأطفال نتيجة قانون الأحوال الشخصية.

محامية: قانون الأحوال الشخصية معيب ويحط من كرامة المرأة، يستند في قضايا الزواج والطلاق على المذهب المالكي المتشدد مخالفًا بذلك مذهب الدولة العام

وزار "الترا سودان" زوج المتوفاة في منزله الكائن بحي "شمبات الحلة"، لكنه لم يعط تعليقًا. واكتفى بالتأكيد أن زوجته وافتها المنية قضاءً وقدرًا ولا وجود للبس أو غموض في وفاتها، مؤكدًا أن الأمر كان سيظهر عند التشريح. مشيرًا أنه سيتحدث في الوقت المناسب للجمهور ووسائل الإعلام.

 

اقرأ/ي أيضًا

"خلوة" البكري.. اتهامات بالتعذيب والتجويع.. والشيخ ينكر

ذوو الإعاقة بالسودان.. طَرْقٌ مستمر على القضايا وآمال في استجابة الحكومة