أصدر وزير الثقافة والإعلام فيصل محمد صالح منذ ما يزيد عن الشهر قرارًا بتعيين السيد ماهر أبوالجوخ مديرًا لإدارة الأخبار والشؤون السياسية بهيئة الإذاعة والتلفزيون. والأحد الماضي فقط وافق رئيس الوزراء عبد الله حمدوك على القرار ليصبح ساري المفعول، وكان عدد من العاملين قد نظموا وقفة احتجاجية قبل أكثر من شهر استباقًا للقرار وأعربوا عن اعتراضهم على تعيين شخص من خارج هيئة الإذاعة والتلفزيون.
عرض التلفزيون برامج لا تتوافق وروح الثورة مثل الفيلم الوثائقي القصير "خفافيش الظلام" الذي يتعرض ويسيء للثوار
منذ بداية الثورة السودانية كانون الأول/ديسمبر 2018، كان التلفزيون القومي يغرد خارج السرب- بحسب مهتمين بالإعلام- ويعرض برامج لا تتوافق وروح الثورة مثل الفيلم الوثائقي القصير "خفافيش الظلام" الذي واجه هجومًا شرسًا في وسائل التواصل الاجتماعي لأنه يتعرض ويسيء للثوار الذين كانوا في ميدان الاعتصام.
اقرأ/ي أيضًا: "قحت": تسليم المخلوع للجنائية وتفكيك النظام البائد أبرز خطط المرحلة القادمة
هل تتغير سياسات وبرامج التلفزيون القومي لتلبي تطلعات الجماهير؟ وهل تتغير الخريطة البرامجية لتتوافق مع ثورة الشعب السوداني؟ أسئلة كثيرة وآمال كبيرة تلقى على كاهل التلفزيون القومي. فهل ينجح في اختبار الثقة ويخرج من الثوب القديم؟ التقرير التالي يحاول تقصي الإجابة عبر صحفيين وفاعلين في المجال الإعلامي.
مواقف سلبية ووجه أحادي
قالت الصحفية درة قمبو أن التلفزيون والإعلام الحكومي بشكل عام يعاني من مشكلة التعبير بالنسبة لإقاليم السودان والمكونات الثقافية المتعددة، ولا يزال إلى الوقت الحاضر أحادي الطرح ولا يغطي إلا الجانب الرسمي والشعبي التجميلي، في عرض هوية الآخر الثقافي، وله مواقف سلبية في عكس صورة المرأة وهذا موقف يتسق مع الموقف السلبي العام من الثورة. يبقى السؤال هل كانت هذه سياسة مقصودة من جانب العاملين في الحقل الإعلامي الحكومي أم نتاج أخطاء في خريطة التغطية؟ إجابة هذا السؤال ستحدد مكامن الخطأ وتعيد صياغة البرامج وفق رؤية جديدة. وتضيف قمبو أن الدولة ليست الجانب الحكومي والرسمي بل أيضًا المواطن ومعاناته اليومية وثقافته وهو الجانب الذي يجب أن يهتم به التلفزيون القومي ليستحق هذه الصفة (القومية) بحيث لا يعبر عن إثنية وقضايا محددة بل يجب أن يمتد ويصل إلى المناطق المنسية في أرجاء السودان. المطلوب العمل على تأهيل الكوادر الحالية العاملة في التلفزيون ورفدها بقيم ومفاهيم الديمقراطية.
من جانبها رحبت الصحفية قمبو بتعيين السيد ماهر أبوالجوخ مديراً لإدارة الأخبار والشؤون السياسية قائلة: أتوقع أن تظهر لمساته بسرعة في إنتاج الأفكار وإعادة تصور جديد للبرامج في هذه المرحلة الدقيقة التي تعيشها البلاد.
اقرأ/ي أيضًا: "سيداو".. حقوق المرأة السودانية بين الرفض والقبول
الحاجة إلى إيقاع ومزاج ثوري
شدد الصحفي عبدالله الشيخ على ضرورة إعادة النظر في القوانين التي تحكم الإعلام الحكومي. مبينًا أن قرار تعيين الصحفي ماهر أبوالجوخ صدر قبل شهر من وزير الإعلام، لكن لأن السلطات جميعها بيد رئيس الوزراء لم يتمكن من أن يباشر عمله رسميًا إلا بعد الموافقة من رئاسة الوزراء. وأشار إلى أنّه لا بد أن تتفكك الدولة القديمة ويكون للوزراء حق تعيين ومحاسبة الأفراد الذين يتبعون لهم، وأن على قادة الثورة أن يتخلوا عن البطء الشديد في عملية اتخاذ القرار لأنه يسبب شرخًا بين الجماهير والقادة وتراخي الهمم، فالمطلوب هو الإيقاع الثوري السريع.
أشار الشيخ إلى أن التلفزيون لا يزال أسير الدولة القديمة ولم تتمكن قوى الحرية والتغيير كجسم سياسي مساند للحكومة من وضع أية لبنة أو تغيير حقيقي في أجهزة الإعلام الحكومي بشكل عام.
لم تسقط بعد
قال الصحفي علي الدالي أن التلفزيون ظل بعد الثورة يعبر عن سياسات العهد البائد نتيجة عقود طويلة من التشويه، وجاءت البرامج مخيبة للأمال وفقد ثقة الجماهير لأن الدولة العميقة لا تزال هي المسيطرة على هذا الجهاز، وتم بث أفلام مسيئة للكنداكات وشباب الثورة وأنتجت هذه الأفلام في مؤسسة "رواء التابعة لجهاز الأمن" وساهم المجلس العسكري تلك الفترة في أن يمارس أفراد الدولة القديمة صلاحيتهم داخل العمل الإعلامي. كان من المفترض إبعاد العناصر القديمة من المناصب القيادية بالشرعية الثورية. لكن بعد توقيع الوثيقة الدستورية تفاجأ الشعب بأن التلفزيون لايزال يغطي فعاليات الدفاع الشعبي والوقفات الاحتجاجية لمنسوبي حزب المؤتمر الوطني التي تنظمها أسر المعتقلين من رموز النظام السابق، دون غيرها من الفعاليات الهامة وذات الزخم الجماهيري والتأثير، وهذا يعبر عن مقولة الثورية الشهيرة "لم تسقط بعد".
من جانبه، أكد مدير إدارة الأخبار والشؤون السياسية بهيئة الإذاعة والتلفزيون ماهر أبوالجوخ أن التلفزيون القومي بشكله الحالي يحتاج إلى موقف نقدي لتصويب المواقف السلبية السابقة، وأضاف: "في البدء سأعمل على تقييم الوضع العام وحصر العاملين وتحديد مواطن النقص ومعرفة لماذا لا ينقل التلفزيون الفعاليات الخارجية الهامة؟ ربما لا يملكون مقومات كافية لذلك. لكن أي فعالية داخلية لابد أن تغطى بشكل جيد.
لايزال التلفزيون يغطي فعاليات الدفاع الشعبي ونشاطات حزب المؤتمر الوطني لأن النظام البائد لايزال يسيطر عليه
أما شعار التلفزيون الذي وجد نقدًا من الجماهير، قال أبوالجوخ أنه ليس من صلاحيته تغيير الهوية العامة بل سيركز اهتمامه في المحتوى. وستتضح الرؤية العامة بعد مباشرته عمله داخل مباني الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.
اقرأ/ أيضًأ