نظمت عشرات من نساء السودان الأسبوع الماضي وقفة احتجاجية أمام مباني وزارة العدل، لرفض توقيع السودان على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو"، ورفعت المشاركات لافتات تحمل شعارات "هويتي ديني"، و"قانون النظام العام كرامة وليس إهانة للمرأة السودانية"، وسلمت المجموعة مذكرة لوزير العدل تندد بالاتفاقية، وتحدثن في مخاطبة أن الاتفاقية تمثل تهديدًا للأسرة السودانية، ولا تتوافق مع العادات والتقاليد وتمنح المرأة حريات واسعة مثل الغرب، وتتناقض مع تعاليم الشريعة الإسلامية خاصة مسائل الولاية في الزواج ومنع زواج القاصرات والميراث والتعنيف المنزلي.
ردة الفعل المناهضة للاتفاقية جاءت عقب تصريحات وزير العدل، عن الاتجاه للتوقيع على سيداو وإلغاء جميع التشريعات المهدرة لكرامة المرأة
الوقفة الاحتجاجية جددت الجدل حول الاتفاقية، الذي فتح قبل سنوات في عهد النظام البائد، حيث أتخذ النظام وقتها عبر المؤسسات الدينية التي تدعمه، موقفًا مناهضًا للاتفاقية، معتبرًا إياها مخططًا لضرب وتفكيك قيم الإسلام، وإشاعة الفاحشة من خلال هتك قيم الأسرة، قبل أن يعود بهدوء للتوقيع عليها.
اقرأ/ي أيضًا: "حميدتي".. من الاتهامات بالمجازر وفض الاعتصام إلى الاستثمار في النقل العام
مناهضة التمييز ضد المرأة
الاتفاقية مثار الجدل عرفت بأنها في الأساس جاءت لوضع حد للتمييز بحق المرأة، ودعم حقوقها ووضع أساس للمساواة، من خلال إدخال إصلاحات قانونية تقنن ذلك، حيث نصت المادة (2) الفقرة (ي) من الاتفاقية على "اتخاذ جميع التدابير المناسبة بما في ذلك التشريعية منها لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزًا ضد المرأة".
واعتمدت الاتفاقية بواسطة الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، وتم التصديق عليها يوم 3 أيلول/سبتمبر 1981، ووقعت عليها أغلب الدول العربية والإسلامية مع التحفظ على بعض المواد التي لا تتطابق مع عادات وثقافة تلك الدول، وجاءت ردة الفعل ضد سيداو عقب تصريحات وزير العدل نصر الدين عبد الباري، التي قال فيها "إن السودان سيتجه للتوقيع على سيداو وسيلغي جميع التشريعات التي لا تصون كرامة المرأة، مثل قانون النظام العام ومراجعة قانون الأحوال الشخصية".
اقرأ/ي أيضًا: الصحة تعلن رسميًا تفشي "حمى الوادي المتصدع" وتتعهد بالقضاء عليها
الاتفاقية كسر لحاجز الخوف
من جانب آخر وجدت سيداو ترحيبًا من نساء المجتمع المدني، وأكدت الناشطة رشا شريف إن كثير من النساء يتعرضن يومياً للعنف، دون أن يصل صوتهن للجهات المختصة أو الرأي العام، لأن القانون بشكله الحالي لا ينصفهن، ويرزحن تحت وطأة العادات والتقاليد.
ناشطة: القوانين الحالية مثل قانون النظام ينتهك حقوق النساء وسيداو ستكسر حاجز الخوف
وتقول رشا شريف "يمكن أن يصل الحال ببعضهن إلى حد الانتحار، لأن السيدة منهم لا تجد قانونًا ينصفها"، وتضيف، "تعاني النساء ذوات الدخل المحدود والتعليم البسيط من العنف بصورة أكبر، وخاصة من قانون النظام العام الذي يعاقبهن بالجلد والحبس ودفع الغرامات المالية، وهكذا ينتهك القانون نفسه حق المرأة في الحياة الكريمة" وترى رشا أن فائدة "سيداو" الكبرى لنساء السودان أنها ستسهم في كسر حاجز الخوف المتولد عن العنف الممارس ضدهن.
وفيما يتعلق بحق الولاية عند الزواج قالت رشا في حديثها لـ"الترا سودان" إن الفتاة السودانية بطبعها لا تتجاوز العادات المتعارف عليها بسهولة إلا في حالات نادرة، مثل رفض الأسرة إتمام الزواج دون وجود أسباب موضوعية، وهنا يمكن لها أن تتزوج عن طريق الولاية العامة (المحكمة)، دون الحاجة لوجود الأب أو الأخ، وأن حالات كثيرة من هذا النوع حدثت من قبل توقيع السودان على سيداو.
اقرأ/ي أيضًا: "شطاية".. قرية دارفورية عانت الرعب والدمار على أيدي "الجنجويد"
الجهل وعدم تهيئة المجتمع
من شرق السودان حدثتنا المحامية حليمة حسين تقول "أن الهجوم على سيداو جاء نتيجة عدم توعية المجتمع بقضايا المرأة عمومًا، ونصوص الاتفاقية بشكل خاص، فالمجتمع لايزال يعاني من آثار ثلاثين عامًا من القمع وكبت النساء، والبعض إلى اليوم لا يعرف ما هي (سيداو)، نحن في حاجة إلى إطلاق حملات توعية بالاتفاقية في أوساط النساء والرجال ومتخذي القرار لإنزالها على أرض الواقع"، وأكدت حليمة في حديثها لـ"الترا سودان" أن التعامل مع نصوص الاتفاقية فيما يختص بمسألة الولاية وغيرها يختلف من بلد مسلم ومذهب فقهي إلى آخر، وأشارت إلى أن جزء من نصوص (سيداو) متضمن في اتفاقيات أخرى مثل منع زواج القاصرات في اتفاقية حقوق الطفل، وحماية المرأة بموجب التشريعات من العنف مضمنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولكن في اتفاقية سيداو جاءت النصوص بشكل واضح ومفصل وهذا مثار الجدل.
غياب الإرادة لتطبيق الاتفاقيات الدولية
وقع السودان على الكثير من مواثيق حقوق الإنسان لكن على مستوى القوانين المحلية لا نجد التطبيق الكافي.. لماذا؟
هذا السؤال طرحته المحررة على المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان ياسين حيدر الذي أجاب: "هذه مشكلة عالمية وليست حصرًا على السودان" وأرجع ذلك إلي غياب الإرادة الحقيقية لتطبيق الاتفاقيات الدولية، وضعف آليات القانون الدولي لحقوق الإنسان، مشيرًا إلى أن مجرد التوقيع على الاتفاقية يعد خطوة إيجابية للاعتراف بما شملته من حقوق للنساء، ويمكن تبعًا لذلك الاحتجاج بها أمام المحاكم السودانية، أما إمكانية تنزيل سيداو في الواقع السوداني فيقول محدثنا أنها ستكون بإدخال تعديلات على القوانين المعمول بها خاصة قانون الأحوال الشخصية، الذي تتعارض كثير من بنوده مع الاتفاقية، في مسائل سن الزواج وحرية اختيار الزوج وتعدد الزوجات والمواريث إضافة إلى مسائل الطلاق، لذلك يجب إزالة التعارض بينها والاتفاقية.
ويؤكد حيدر أنه ليس هناك مبرر للتحفظ على الاتفاقية خاصة على المادة (١٦) والمادة الثانية، لأن نصوص هذه المواد لا تتعارض مع آراء ومذاهب وتوجهات عدد كبير من المسلمين.
اقرأ/ي أيضًا