24-نوفمبر-2020

جو بايدن (WP)

شكّل فوز المرشح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي في انتخابات الولايات المتحدة الأمريكية، جو بايدن، حدثًا مفاجئًا أربك حسابات العديد من دول الشرق الأوسط والمنطقة، على رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اللتان كانتا تستعينان بالرئيس الذي ستنتهي صلاحيته في العشرين من كانون الثاني/يناير القادم، دونالد ترامب، من أجل تمديد نفوذهما السياسي والاقتصادي. وحتى بالنسبة لإسرائيل نفسها، والتي رغمًا عن أن بايدن واحدٌ من أشد الداعمين لها، إلا أن الديمقراطيين يختلفون عن منافسهم الحزب الجمهوري الذي مثّل ترامب فيه دور "رجل الحزب الأوحد"، والذي عمل جهده من أن أجل إرساء مشروع "الدولة الإسرائيلية المعترف بها في المنطقة".

من الواضح أن هذه الزيارة محاولة للوصول لأكبر مكاسب للدولة الصهيونية قبيل تقلد بايدن

وتأمل الدولة الصهيونية عقد اتفاق مع السعودية، كأبرز الدول التي تستهدفها من أجل تمديد واستقرار دولتها في المنطقة، فقد كشفت وسائل إعلام اليوم الإثنين، لقاءً سريًا جرى أمس الأحد، بمدينة نيوم السعودية، جمع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الخارجية الأمريكي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ضمن جولة أخيرة لوزير الخارجية الأمريكي وصفت بجولة "الوداع"، قام بها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ومن الواضح أن هذه الزيارة محاولة للوصول لأكبر مكاسب للدولة الصهيونية قبيل تقلد بايدن الذي لم يظهر أي تعاون مع حلفاء إسرائيل في المنطقة، أبرزهم السعودية، والتي توعدها الرئيس الأمريكي المنتخب بالعقاب إزاء ما ارتكبته من جرائم بخصوص أوضاع النشطاء السياسيين في المملكة السعودية، بالإضافة إلى جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، حين توليه لزمام الأمور في البيت الأبيض.

اقرأ/ي أيضًا: مبادرة الحوار الوطني في جنوب السودان.. نظرة مغايرة

وبالنسبة لحليف ترامب الآخر في المنطقة، الإمارات العربية المتحدة، فقد لعبت دورًا بارزًا في المفاوضات الأخيرة بين السودان وأمريكا وإسرائيل، مقدمة في سبيل ذلك بعضًا من المنح الاقتصادية والاستثمارية، مستغلةً الضائقة الاقتصادية التي يمر بها السودان، من أجل الوصول إلى اتفاق يفضي لرفع السودان من قائمة الإرهاب مقابل التطبيع مع إسرائيل أسوة بها والبحرين. كما يعد وصول رئيس ديمقراطي ذو ميول داعمة للحريات وحقوق الشعوب، خصمًا كبيرًا على الدولة التي تنامى نفوذها في عهد ترامب.

في الولايات المتحدة ما زال الديمقراطيون يطمحون لأن يؤسسوا لممارسة ديمقراطية نزيهة ضمن صراعهم السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن اللوبي الصهيوني لا يطمئن للديمقراطيين بما يكفي،  يتضح ذلك بما كشفه الرئيس السابق الأسبق باراك أوباما في كتابه الأخير "أرض الميعاد"، حيث كَشَف "بشكلٍ فاضح" ضغوطات اللوبي الصهيوني من أجل تمرير مصالح "إسرائيل"، كما كانت تروج جماعات الضغط الصهيوني بأن أوباما ليس متعاونًا بالحد الكافي مع إسرائيل، مرجعًا ذلك –أوباما نفسه- لمعارضته المستوطنات الإسرائيلية أثناء حملته الانتخابية، بحسب ما أورد موقع "ميدل إيست آي".

اقرأ/ي أيضًا: نظرة إلى المستقبل من شرفة الماضي

ومحليًا، لعب دونالد ترامب ابتزازًا على السودان من أجل رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بوضع شرط التطبيع كشرط أساسي للخطوة، إلا أن الحكومة السودانية بما "يحتمل" أنها خطوة سياسية مراوغة، وافقت على إقامة "اتفاق" أو "تفاهمات حول التطبيع" بحسب وزير الخارجية المكلف، عمر قمرالدين، والذي كان يمانع بشكل مبطن عملية التطبيع، مضيفًا "أنه إلى الآن ليس هناك شيء على الورق بخصوص التطبيع"، كما وصف الوزير المكلف في لقاء تلفزيوني أن "الانتخابات الأمريكية الأخيرة كان استفتاءً على كره ترامب"، مشيرًا أن التعامل مع الرئيس القادم سيكون أكثر سهولة من سلفه.

الرئيس "الديمقراطي" القادم لن يكون متساهلًا مع مشروع الدولة الصهيونية

كل ذلك يوحي بأن الرئيس "الديمقراطي" القادم لن يكون متساهلًا مع مشروع الدولة الصهيونية، أو متجاوزًا للأعراف والأخلاق السياسية من أجل مشاريعها، والتي من ضمنها حتى الآن ضم السودان إلى ركب التطبيع، والذي رُبط بشكل ابتزازي في عهد ترامب برفع السودان من قائمة الإرهاب.

وفي متغير له دلالاته، كشفت مصادر رفيعة لـ"الترا سودان"، أن رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب سيتم رسميًا في الحادي عشر من كانون الأول/ ديسمبر القادم، قبل أن يخلي ترامب البيت الأبيض لخلفه بايدن، الأمر الذي يعني أنه إذا ما تم رسميًا رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، فإن شرط ترامب للتطبيع، قد لا يسري على السودان، خصوصًا أن ترامب كان يسعى للتطبيع من أجل الكسب السياسي وضمان حوزته لدورة رئاسية ثانية، بعكس وزير خارجيته بومبيو، الذي ما زال يعمل بكد من أجل إرساء مشروع الدولة الصهيونية كما تبين جولته الوداعية الأخيرة.

اقرأ/ي أيضًا: جوبا وواشنطن.. هل يعود الود القديم بالأمنيات؟

كل ذلك يقود إلى النظر لقضية التطبيع من ناحية أخرى وفق المتغيرات الحالية، بالإضافة إلى الرجوع إلى سجل الحكومة الانتقالية السودانية، التي يتبنى معظم طاقمها الحالي، ما عدا الشق العسكري في مجلس السيادة، رفضًا مبدئيًا للتطبيع تحت عددٍ من الحجج، أبرزها أن الحكومة انتقالية غير منتخبة وليس من حقها البت في التطبيع، وكذلك في حال الاستناد على المجلس التشريعي الذي لم تتضح ملامحه بعد، والذي ظلّت الحكومة الانتقالية تعلق عليه مسألة البت في التطبيع، إلا أن حجة أخرى ستقذف في أوجه دعاة التطبيع، إذ أن المجلس التشريعي سيتم تعيينه وليس منتخبًا، وكما قالت الحكومة نفسها سابقًا أنها لن تحسم أمر التطبيع بوصفها حكومة انتقالية غير منتخبة.

حمدوك نفسه رفض في وقتٍ سابق ربط رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بالتطبيع

على المستوى السياسي المحلي؛ فحمدوك نفسه رفض في وقتٍ سابق ربط رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بالتطبيع، كما أن قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية للحكومة، والقوى السياسية ذات الثقِل؛ ترفض التطبيع، فهل ما تزال الحكومة الانتقالية ستقبل التطبيع تحت ظل هذه المتغيرات متعللة بالشرط منتهي الصلاحية في حال رفع السودان من القائمة الشهر القادم؟ أم ستفاجئنا الحكومة الانتقالية بدبلوماسية تحقق مصالح ومكاسب للسودان وتحفظ فيه سيادته في نفس الوقت، لكن ربما تغضب العسكر؟

اقرأ/ي أيضًا

إثيوبيا.. حرب أهلية أم إقليمية؟

التطبيع.. هل كان بالضرورة؟‎