23-نوفمبر-2020

(AFP/Getty)

اختتمت الأسبوع المنصرم بالعاصمة جوبا فعاليات المؤتمر الختامي للحوار الوطني بحضور الرئيس كير الذي خاطب الحضور مؤكدًا التزام الحكومة بتنفيذ توصيات ومخرجات المبادرة التي كان قد أعلن عنها في الرابع عشر من كانون الأول/ديسمبر 2016، وهي توصيات لم يتم الاتفاق عليها أو إجازتها في شكلها النهائي بحسب مقربين من اللجنة العليا للحوار الوطني نفسه، فبالرغم من أن المؤتمر قد جمع جميع الأشخاص الذين سبق لهم وأن شاركوا في المؤتمرات التي أقيمت في مختلف الأقاليم، إلا أن لم يعكس بشكل واضح وجلي التوصيات التي خرجت بها المؤتمرات الإقليمية الثلاث التي تم إعلانها في فترات سابقة، وهي مسالة قد تجيب عليها الصيغة النهائية التي ستتوصل إليها السكرتارية المكلفة بوضعها وصياغتها في شكلها النهائي قبل أن يتم تسليمها.

أكدت المعارضة المسلحة على عدم اعتراضها على الحوار الوطني من حيث المبدأ، إلا أنها لا يمكن أن تشارك في عملية ترعاها الحكومة في جوبا

مع انطلاقة فعاليات مبادرة الحوار الوطني في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، قامت اللجنة العليا بإرسال دعوات المشاركة لقادة الفصائل المعارضة في جنوب السودان، وتحديدًا مجموعة المعارضة المسلحة بقيادة الدكتور رياك مشار تينج، الذي كان قيد الإقامة الجبرية بدولة جنوب إفريقيا، ولم تكتف بذلك بل قامت قيادات الحوار الوطني بزيارة رسمية تهدف لمقابلة زعيم المعارضة ودعوته للمشاركة في المبادرة التي تهدف إلى وقف الحرب وتحقيق السلام المستدام في جنوب السودان، إلا أن مشار الذي أعلنت حركته عن موقفها مبكرًا في بيان أصدره المتحدث الرسمي باسمها ، قد رفض مقابلة تلك اللجنة بحجة أن الأولوية في جنوب السودان ينبغي أن تكون هي تحقيق السلام عبر إسكات صوت البندقية، وأن ذلك لن يتحقق إلا عبر المباحثات التي تتوسط فيها الإيغاد مع بقية الفصائل السلمية والمسلحة التي تحمل السلاح ضد الحكومة، كما أكدت المعارضة المسلحة أيضًا على عدم اعتراضها على الحوار الوطني من حيث المبدأ، مشيرةً إلى أنها لا يمكن أن تشارك في عملية ترعاها الحكومة داخل العاصمة جوبا.

اقرأ/ي أيضًا: نظرة إلى المستقبل من شرفة الماضي

لم تكن تلك التحفظات على مبادرة الحوار الوطني التي أعلنها الرئيس كير تحت رعايته محصورة فقط على فصيل المعارضة الرئيسي بقيادة مشار، فقد أكدت مجموعة المعتقلين السياسيين السابقين على أن الحوار الوطني فكرة مقبولة ومطلوبة، لكن يجب أن تتم بعد التوقيع على اتفاق سلام بين الفصائل المتحاربة، حتى يتسنى للجميع المشاركة في بيئة ديمقراطية وآمنة. كان ذلك قبل انقسام المجموعة على نفسها وعودة جزء كبير من قياداتها إلى جوبا ومن ثم الموافقة على المشاركة في الحكومة والحركة الشعبية والحوار الوطني، كما عبرت عدد من الأحزاب السياسية داخل وخارج جنوب السودان عن موقفها من قيام الحوار الوطني في تلك الفترة ومن أبرز تلك المجموعات كانت الحركة الوطنية الديمقراطية .

يبدو أن الحكومة قد تعاملت مع المواقف التي أعلنت عنها الجماعات المعارضة،  باعتبارها نوع من الكيد السياسي، سيما وأن فترة انطلاقة مبادرة الحوار الوطني كانت قد شهدت توترات سياسية وعسكرية كبيرة واتهامات متبادلة بين الحكومة والمعارضة تتعلق بتجدد القتال وخرق اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعت عليه الأطراف بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، مما أفقد المبادرة قيمتها الجوهرية المتمثلة في وقف الحرب ووضع نهاية للصراع السياسي القائم بالبلاد، لتكون بذلك قد قامت بإقصاء الجماعات التي تستهدفها من المبادرة التي أصرت على استمرارها لتصبح أقرب للحوار مع النفس (مونولوغ) أكثر كونه حوارًا بين مجموعة أطراف (ديالوغ).

هناك فرق كبير، بطبيعة الحال في قيام التدابير الخاصة بانعقاد مؤتمر الحوار الوطني ووصوله إجرائيًا لمرحلة تقديم التوصيات، وبين الأهداف المتوقع أن تحققها المبادرة والتي ينتظر أن تترجم إلى واقع عملي ملموس في كافة الجوانب التي ينبغي التطرق إليها بالنقاش الشفاف والصريح، وهي سمة تعذر تحقيقها خاصةً حينما قررت اللجنة أن يتم بث جميع المؤتمرات القاعدية في التلفزيون الرسمي المملوك للحكومة، حيث اشتكى المتحدث الرسمي باسم الحوار الوطني من أن جهات نافذة قد قامت بمنع بث فعاليات المؤتمرات الإقليمية التي حاول فيها الناس في تلك الأوضاع تقديم آرائهم الصريحة حول طبيعة سير الأمور في البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: جوبا وواشنطن.. هل يعود الود القديم بالأمنيات؟

إن استبعاد أو عدم تضمين مشاركة الفاعلين الرئيسيين في الصراع من المشاركة في الحوار الوطني بسبب عدم توافر المناخ المناسب بسبب استمرار الحرب و الاقتتال، إلى جانب انعدام الثقة في العملية من بعض أطراف النزاع؛ كانت من ضمن العوامل الرئيسية التي واجهت مبادرة الحوار الوطني الذي اختتمت فعالياته بالعاصمة جوبا دون مشاركة تلك المجموعات الموجودة ضمن الحكومة الانتقالية بسبب مواقفها السابقة من العملية برمتها، والمتعلقة بالمنهجية المتبعة في العملية وطبيعة الأوضاع الأمنية التي كانت تعيشها البلاد آنذاك.

ماذا كان سيضير الحكومة لو أنها كانت قد انتظرت لحين تسوية النزاع المسلح والتوقيع على اتفاق السلام؟

جنوب السودان لم تكن البلد الوحيد الذي تقوم فيه مبادرة للحوار الوطني، فهناك العديد من البلدان على مستوى القارة استطاعت أن تقيم تجارب ناجحة بفضل تضمين مشاركة جميع الأطراف والنخب السياسية والعسكرية على المستوى القومى، إلى جانب تمثيل كافة الفئات والجماعات، حتى تكون النتائج والمخرجات ملزمة للجميع، وطالما كان الهدف الرئيسي للمبادرة في جنوب السودان هو وقف جميع أعمال العنف، بناء الوحدة القومية، مخاطبة قضايا التنوع، ووضع حد نهائي للمنازعات التاريخية والمساعدة في عملية المصالحة وتضميد الجراح؛ فماذا سيضير الحكومة لو أنها كانت قد انتظرت لحين تسوية النزاع المسلح والتوقيع على اتفاق السلام ومن ثم الإعلان عن المبادرة بمشاركة جميع الأطراف وأن تتم العملية تحت مظلة الحكومة الانتقالية الجديدة، كتكملة لعملية السلام؟

اقرأ/ي أيضًا

إثيوبيا.. حرب أهلية أم إقليمية؟

التطبيع.. هل كان بالضرورة؟‎