26-فبراير-2020

آية علي مغنية راب وممثلة وتشكيلية وشاعرة سودانية (Instagram)

في منتصف شباط/فبراير أطلقت المغنية آية علي أغنية مصورة من تأليفها أطلقت عليها اسم "يا شفاتي" قالت عنها "الأغنية دي موجهة لي نوع معين من الرجال،وهم تحديدًا أشباه الرجال، النوع المتسلط على المرأة وحقوقها ومستهين بي قدراتها". كانت أكثر أجزاء الأغنية اثارة للجدل هي: المقطع الذي تقول فيه "انت جدادة عامل ديك" أي أنت دجاجة تظن نفسها ديكًا، والمقطع الذي تقول فيه "لو عامل نفسك سوبرمان، أنا ليك ثانوس في فستان".

هذا النوع من الفن بطبيعته الفضائحية يحصد الاهتمام العمومي دائمًا، منذ أيام ملاسنات جرير والفرزدق  في المربد، وقبل ذلك بكثير

فكرة الأغنية الرئيسية هي حوار متخيل بين المرأة السودانية (الكنداكة) ورجل سيئ متخيل أسمته (الشفاتي) يحتقر المرأة ويعد نفسه وصيًا عليها.

 

لقيت الأغنية رواجًا كبيرًا بين السودانيين، خاصة وسط المختلفين مع فكرتها، الذين حولوا الموضوع لمادة للسخرية والتندر. لكن يبدو من خلال تطورات التفاعل مع الأغنية، أن آية قد أشعلت فعلًا حربًا افتراضية كبرى على وسائل التواصل الاجتماعي، حرب فيديوهات وسجالات رقمية لا تزال مستمرة ولا يبدو أنها ستتوقف قريبًا.

 



اقرأ/ي أيضًا: الزنق السوداني والمهرجان المصري.. الغناء الملعون

من خلال ردود الأفعال الأولى كان من الواضح أن أغنية آية قد أغضبت كلا الجنسين، حيث كانت السخرية على الأغنية شاملة، شعرًا وموسيقى وأداء وفكرة.

المرشح السابق لوزارة الزراعة في الحكومة الانتقالية حسام النصري سخر منها.

كما سخرت منها الكثير من النساء والفتيات السودانيات

وفي خضم هذه التعليقات والانتقادات هبت رياح بعض المعارضين لحقوق النساء فاغتنموها فرصة للدفاع والمشاركة في الجدال المحتدم

وشأن معظم أحداث التواصل الاجتماعي، كاد الحدث الذي تزامن مع زيارة حمدوك لألمانيا ضمن مؤتمر ميونيخ للأمن، أن يمر وينشغل الناس ب "تريند" جديد. لكن يبدو أن هناك من أحس بالإهانة، ووضع نفسه مكان هذا "الشفاتي" المتخيل الذي تسخر منه آية، بل وتتنمر عليه.

 

(فيسبوك)  Lone Ye أستاذ اللغة الانجليزية وعضو مجموعة Do Clan



أربعة شباب يسجلون أغنياتهم في سيارة، يسمون أنفسهم مجموعة "Do Clan" أطلقوا أغنية راب للرد على أغنية "يا شفاتي". وشأن كل أغاني الراب تصنيف (ديس) كانت الأغنية هجائية، متجاوزة لحدود النقد الموضوعي، وجارحة في بعض أجزائها بحسب العديد من المتابعين. 

 

في ثقافة الراب والهيب هوب فإن "الديس" (Diss) هو الأغاني التي يتبادل فيها مغنيان أو أكثر الشتائم، وهي كلمة مشتقةمن (Disrespect) بمعنى التحقير وعدم الاحترام. وقد شغلت الأوساط السودانية قبل فترة وجيزة ب(ديس) شهير بين اثنين من أشهر مغنيات الزنق؛ رشا السامراب ومروة الدولية. وفي عالم غناء الزنق يسمى (الديس) أغاني المغارز، مصدر من الفعل السوداني "مغرز يمغرز مغرزة" بمعنى أغاظ واستفز.

ساجد، كاتب ومغني راب وممثل سوداني مناصر لحقوق المرأة

وعلى خلاف المتوقع كان رد فعل آية على ديس الشباب الأربعة باردًا جدًا ومتسامحًا، إذ ظهرت في فيديو جديد وهي تستمتع لأغنيتهم، وبعدها تستنكر تكالب أربعة شباب على بنت واحدة، ثم تصفق لهم بروح رياضية قبل أن تتوعدهم برد حاسم وشيك.

أصدر الشباب "الديس" الثاني، قبل رد آية بأغنية. كانت نبرة الديس الجديد أكثر قسوة، بل ويحمل خلافًا لسابقه موقفًا ايديولوجيًا واضحًا من قضية المرأة: "كنداكة شيلي المفراكة..المطبخ وين؟ ..المطبخ هُنداكا" التعبير السوداني يعني يا كنداكة أين المطبخ، ذاك هو المطبخ.



اقرأ/ي أيضًا: "عائشة الفلاّتية".. صوت الوعي الوطني والتمرّد في أغنية السودانيين

وبينما تجمد الجدل بضعة أيام في انتظار رد آية، دخل أمس الثلاثاء إلى حلبة الصراع لاعب جديد. هو الممثل، ومغني الراب ومقدم برامج اليوتيوب "ساجد" الذي دخل بأغنية جديدة – بمستوى عال من الجودة في الكلمات والأداء والتصميم- مستغلًا خبرته في التمثيل وغناء الراب واليوتيوب.

سخر ساجد من الشباب سخرية مريرة، وأكد كل ما قالته آية عن النوع من الرجال الذي تخاطبه. وذهب إلى تحدي الشباب بكون تحرشهم ب"الفراشة" قد جلب عليهم غضب "الأسد".

وانبرى مؤيدو مجموعة "Do Clan" لينتقدوا رد ساجد، باعتباره يقدم نفسه كمدافع عن حقوق النساء نفسه تأكيدًا على الذكورية وعقلية الوصاية على المرأة.

في وقت متأخر من مساء أمس الثلاثاء وبعد ساعات من انتشار فيديو ساجد، كتبLone Ye  أحد أعضاء مجموعة "Do Clan" على صفحته في الفيسبوك تعليقٌا أبدى فيه استخفافه واحتقاره الشديد لساجد، متوعده برد مزلزل: 

لم يتأخر رد  الشباب كثيرًا، ونشروا على صفحة أحدهم على الفيسبوك منتصف نهار اليوم الأربعاء "الديس" الثالث، لم يخرج الرد عن نطاق التغني بالرجولة، مع التلويح ببطاقة ما يمثل في نظرهم الأصالة والانتماء في وجه ساجد، الذي اتهموه بأنه من "سودانيي الشتات" أو "شهادة عربية" على حد تعبيرهم. بينما هم أبناء البلد "أم درمان وجنوب الحزام"!

ساجد وآية وكل أعضاء مجموعة Do Clan مؤيدون لثورة ديسمبر وشاركوا فيها بأشعارهم وأغنياتهم. والآن يحظون ببعض المرح والشهرة في جو الحرية الذي ساهموا جميعًا مع أبناء جيلهم في صناعته

المؤكد أن هذا الجدل لن ينفع قضية تغيير وضع المرأة والدفاع عن حقوقها، كما لم ينفع شعر جرير والفرزدق والأخطل قبائلهم، لكنه سينفع هؤلاء الشباب الموهوبين في مسيرتهم نحو النجومية، واقتحام دائرة الملاحظة العمومية، كما يحدث الآن بالفعل، بدليل تضاعف أعداد المتابعين لصفحاتهم على مختلف الوسائط الاجتماعية في السودان. إنها إذن صيغة لا غالب ولا مغلوب، مهما احتد النقاش.

تعرف آية نفسها كمغنية وتشكيلية وممثلة، ورغم أنها تنشر قصائدها على حساباتها المختلفة في وسائط التواصل الاجتماعي، ورغم أن أغنية "يا شفاتي" من كلماتها إلا أن الشابة الطموحة كما تقول عن نفسها  دائمًا، نسيت أن تضيف لطقم أوصافها أنها شاعرة.

ساجد وآية وكل أعضاء مجموعة Do Clan مؤيدون لثورة كانون الأول/ديسمبر وشاركوا فيها بأشعارهم وأغنياتهم. والآن يحظون ببعض المرح والشهرة في جو الحرية الذي ساهموا جميعًا مع أبناء جيلهم في صناعته.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"البلايند ديت".. محاولات للتحليق في فضاءات حرة

الرقص الشعبي في السودان.. الهوية المنسية