18-فبراير-2020

شباب في جلسات مواعدة بجاز كافيه بالخرطوم ضمن الفعالية

لخص شباب السودان ثورتهم المجيدة التي أطاحت بالدكتاتور "عمر البشير"، في شعار: "حرية، سلام وعدالة"، ما يشي بتوقهم لإحداث ثورة مفاهيمية، ذروة سنامها التحرر. ليس التحرر من ربقة نظام سياسي فاسد وحسب، وإنما تحررٌ من تابوهات اجتماعية، وكليشهات قيمية، ظلت تُفرض عليهم بطريقةٍ جبريةٍ، وبطريقة وصائية، من دون أن يكون لهم الحق في الاختيار.

فكرة الـ "بلايند ديت" إحدى الأفكار الغريبة عن المجتمعات المحافظة، وهي رائجة في السينما، وتقوم على أساس تنظيم لقاءٍ مُدبرٍ بين مجموعة قوامها رجالٌ ونساءٌ لا تربطهم آصرة معرفة مسبقة

وضمن هذا التثوير الداعي لإحداث خلخلة في كثير من ثوابت المجتمع، أقام شباب من الجنسين الأيام الفائتة حدثًا يرونه مهمًا، وأن من شأنه أن يغير كثيرًا من قواعد لعبة المواعدة والحب لدى الجنسين بالسودان: الـ "بلايند ديت" أو المواعدة مع شخص تقابله من قبل.

اقرأ/ي أيضًا: "زول كافيه".. كوميديا سودانية بناءة في فضاء التلفزيون العربي

وفكرة الـ "بلايند ديت" إحدى الأفكار الغريبة عن المجتمعات المحافظة، وهي رائجة في السينما، وتقوم على أساس تنظيم لقاءٍ مُدبرٍ بين مجموعة قوامها رجالٌ ونساءٌ لا تربطهم آصرة معرفة مسبقة –في حالات قد يحدث ويلتقي بعض المعارف- ومن ثم السماح لهم بإدارة حوار محكوم بسقوفٍ زمنية، وفقًا لخارطة طريق مُعدة مسبقًا، لاستكشاف مدى التوافق بين "العشاق" أو "الأزواج" المستقبليين، والتمهيد لعلاقة مستقبلية، من المأمول  -في حالتنا- أن تواصل طريقها إلى عش الزوجية.

ويلجأ السودانيون عادة إلى الطرق التقليدية في اختيار الشريك، لكون مجتمعهم ما يزال مصنفًا على أنه "محافظ"، وهذا يفسر ركون كثيرين منهم للتقليدية، بحثًا عن عنصر الأمان في مسألة تكوين أسرة –للغرابة- ربما بأكثر من بحثهم حياة قوامها الشغف، والمغامرة، والقيام بالأنشطة المشتركة.

وظهرت فكرة الـ "بلايند ديت" ابتداءً في السودان ضمن مجموعة "Sudanese Lovers" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك". والمجموعة مخصصة لمناقشة كثير من قضايا العلاقات الشائكة، وإدارة حواراتٍ جريئةٍ حولها، لا سيما في موضوعاتٍ مسكوتٌ عنها، أو تُصنف بأنها "+18"، كما لا تخلو المجموعة من الفُكاهة، والتعاطي مع كثير مما يُراد له أن يكون ثوابت اجتماعية بسخرية لاذعة.

جانب من الفعالية

وعن نقل الـ "بلايند ديت" من الفكرة إلى أرض الواقع،  يقول "أحمد شاويش"، أحد مشرفي المجموعة ومنظمي الحدث لـ"الترا سودان"، بأنه جرى فتح التسجيل للمشاركة مقابل مبلغ مالي ضئيل "لأغراض تخص الترتيب والضيافة"، وتم اختيار "كافيه جاز" بالعاصمة الخرطوم، لكونه درج على استضافة ودعم الفعاليات والمبادرات الشبابية.

اقرأ/ي أيضًا: سباق للسلاحف وحديقة حيوانات بالخرطوم.. كائنات أليفة تصنع المرح والسعادة

وعقب اختيار الموقع والتاريخ وحتى الموسيقى، جرى تنظيم المقهى بطريقة تسمح بإدارة الحوارات الثنائية بين الجنسين على طريقة المداورة "المشاركين الذكور مقابل المشاركات الإناث" لأجل منح مزيد من الفرص والاختيارات، كل ذلك يتم مع وجود ميسرين هدفهم إذابة الجليد بإسداء النصح ودفع عملية الحوار، والإجابة على أسئلة المشاركين كافة، فضلًا عن استخدام أدوات تيسير من ضمنها الملاحظات الموجهة للمجموعة من على المنصة الرئيسة، إلى جانب نثر كثير من القصاصات الملونة التي تحتوي على مفاتيح لتحطيم لكسر جمود اللقاء الأول، والدخول إلى حواراتٍ جديدةٍ، ضمن مستويات عديدة.

ورغم إبداء كثيرٍ من الموجودين في المجموعة –الحبيب السوداني- رغبتهم المشاركة في الفعالية، إلا أن من حضر الحدث في نهاية المطاف لم يتعدوا عشرة أشخاص، مقسمين –للمفارقة- مناصفةً بين الذكور والإناث.

يفسر شاويش إقبال الشباب الضعيف للمشاركة في الحدث إلى عوامل خارجية نحو تزامن الفعالية مع أزمة وقود طاحنة تُصعب عمليات التنقل والحركة داخل العاصمة، علاوةً على عوامل ذاتية كالخجل الذي يكاد يُلازم السودانيون ويحول دون بوحهم بمشاعرهم أو التعبير عن مكنوناتهم.

ولأغراض التبيين، تقول صاحبة الفكرة، إسراء كرار، لـ "الترا سودان" إن هدف نقل فكرة من الأفلام السينمائية إلى الواقع، كان لغايات إتاحة الفرصة أمام الجنسين لتغيير قواعد لعبة المواعدة لصالح الانفتاح على غرباء، مع إمكانية أن يلجوا لدائرة القرابة بعد إدارة نقاشات حول قضايا الفكر والثقافة، مع تعزيز ذلك بوجود كثير من المشتركات، وإحساس بالراحة النفسية.

يعود شاويش ليذكرنا بإضاءة هامة في الـ"بلايند ديت" وهي أنه يُنهي كثيرًا من الوقت المهدور في تكتيكات التعرف على الشريك.

ليس هذا وحده ما دفع إسراء لطرح الفكرة، ولكن أيضًا لأجل من يريد الارتباط وتطحنه عجلة الحياة والعمل دون إمكانية للفكاك من شراكها، وكذلك لمن لا يجد من يناسبه في محيطه العام.

وتشيع في السودان طرق التعارف والزواج التقليدية، وهي طرائق محصورة في الارتباط بـ "الأقارب، زملاء العمل والدراسة، الأشخاص في البيئة المحيطة والجيران، الترشيح والتوصية من معارف".

هنا يعود شاويش ليذكرنا بإضاءة هامة في الـ"بلايند ديت" وهي أنه يُنهي كثيرًا من الوقت المهدور في تكتيكات التعرف على الشريك.

يقول شاويش إن تطور العلاقات في السودان يأخذ في العادة وقتًا طويلًا، بداية بالتعارف، ثم مرحلة محاولة نيل إعجاب الشريك، وصولًا إلى مرحلة البوح بالمشاعر.

ويتابع: "رغم ذلك قد تنتهي العلاقة –مع كثرة التمهيد لها- إلى الرفض، أو بحشرها في خانة الفريندز زون"، ويضيف هي مرحلة يأمل فيها أحد أطراف العلاقة ترفيعها لمقام الحب، مع رفض وزهد من قِبل الطرف الثاني.

اقرأ/ي أيضًا: القهوة السودانية "سيدة المزاج".. كيف يشرب السودانيون "الجبنة"؟

تنفي صاحبة الفكرة جُملةً وتفصيلًا، أن يكون المسعى هو "قلة الأدب" أو خرق النواميس الأخلاقية، وإنما إضافة طريقة جديدة لقائمة التعارف المحلية، بمراعاة للأخلاق والأعراف.

ولأجل تلك الغاية، تم اختيار مكان عام يوفر جوًا من الأمان لمجموعة المشاركين، فيما يسمح وجود ميسرين بإعطاء ضمانات لمسار الحوار، وفي النهاية فإن استمارة تقييم الشركاء النهائية تأتي بلا اشتراطات لذكر الاسم، مع خيار منح رقم الهاتف فقط لمن يلبي معايير التجربة، ويعطي ملمحًا لإمكانية نقل العلاقة لمستوى جديد.

وقد لمس "الترا سودان" رضًا من قبل المشاركين في التجربة، عكست ذلك "وئام سيف"، التي قابلت عدة أشخاص جدد، وناقشت معهم موضوعات بعضها يمكن تصنيفه بأنه "عميق".

تقول وئام إن المنصة –المنظمون- ساعدت كثيرًا بتقديم أدوات كفيلة بإزالة قشرة الجمود، وصولًا إلى معدن الشخصية ونظرتها لعددٍ من القضايا الشائكة. وتذكر من ذلك سؤال: "متى كانت آخر مرة بكيت فيها"، سؤال قالت إنه يفتح الفرصة أمام التداعي الحر، ونقل كثيرٍ من المشاعر.

وتشدد وئام بأنها جدُ استفادت من نصائح المشاركين الشباب، وجرى تضمينها في استمارة نهائية، يعود ذلك إلى تصميم الاستمارة بطريقة تحث على الابتعاد عمَّا هو جارح.

وتكشف وئام أنها مع نهاية اليوم، خرجت بكثير من الأصدقاء والمعارف،  وبحالة إعجاب تأمل أن تُنتج علاقة مميزة فيما بعد.

هل سنرى الكثير من "بلايند ديت" في المستقبل؟ المنظمون يجيبون بنعم. شاويش ينوه إلى أنهم رموا حجرًا في البركة الساكنة، بتحقيقهم جزءً من الهدف النهائي بوضع لبنة تخلُق لبعض العلاقات

إذًا هل سنرى الكثير من "بلايند ديت" في المستقبل؟ المنظمون يجيبون بنعم. شاويش ينوه إلى أنهم رموا حجرًا في البركة الساكنة، بتحقيقهم جزءً من الهدف النهائي بوضع لبنة تخلُق لبعض العلاقات، وساعدوا في توطيد صداقة المجموعة المشاركة، وخرجوا بكثير من الفوائد المتبادلة إبان ورشة العمل المصغرة نهاية الفاعلية بشأن العلاقات والمشكلات التي تعتريها. رأي تتفق معه "إسراء" التي تضيف لقائمة المكاسب كسر حاجز الخجل عند البعض، ويتبين ذلك في إبداء رغبتهم المشاركة في مقبل الجولات.

 

اقرأ/ي أيضًا

معرض زهور الخريف الـ(25).. فوح الورود في الحديقة النباتية بـ"مقرن النيلين"

خارج حدود السينما.. داخل حدود السياسة