30-سبتمبر-2020

حمدوك والبرهان وحميدتي (الترا سودان)

يروج البعض لفزاعة الانقلاب العسكري، تارة انقلاب للجيش، وأخرى بانقلاب لعناصر النظام الكيزاني القديم، وثالثة بالدعم السريع، ومن يطلقون هذه التحليلات هم ليسوا فقط يتجاهلون توازنات وحقائق الواقع القائم الذي تمثل الحركة الجماهيرية المتماسكة بقيادتها الميدانية عقبة لا يمكن تخطيها، وإنما يتجاهلون أيضًا حقائقًا أكبر تجعل من الانقلاب العسكري مقدمة لتدخل دولي لن يتوقف حتى يزيح أي مغامر انقلابي من سدة الحكم، هذه الحقائق الدولية والإقليمية تتمثل في الآتي:

انعكس الاهتمام الدولي في سرعة تجاوب الأمم المتحدة مع مطلب حمدوك بتعيين بعثة أممية تحت الفصل السادس

أولًا: ما زال السودان حتى الآن قابعًا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وفق قرار مجلس الأمن السابق، والذي يبيح التدخل الدولي في حال تهديد الأمن والسلم الإقليميين، وهو ذات القرار الذي بموجبه وصلت قوات يوناميد إلى دارفور، وإن كان تفويضها العسكري هو دفاعي فما أسهل تحوله لهجومي.

اقرأ/ي أيضًا: المشهد السياسي ما بعد اتفاق السلام.. كيف سيكون؟

ثانيًا: مثلت سرعة تجاوب الأمم المتحدة مع مطلب رئيس الوزراء بتعيين بعثة أممية لدعم التحول الديمقراطي والسلام تحت الفصل السادس، اهتمامًا دوليًا متعاظمًا بدعم السودان وتحوله الديمقراطي، وهو وضع يعزز من أسباب رفض ومواجهة أي تحرك انقلابي دوليًا.

تدخل الاتحاد الإفريقي فعليًا ضد أربع أو خمس انقلابات وقعت في القارة ودحرت قواته الانقلابيين

ثالثًا: الاتفاق السياسي الذي تم بموجبه التوصل للوثيقة الدستورية بكل نواقصها وعيوبها وأفضى لتشكيل الحكومة الانتقالية، هو اتفاق تم التوصل إليه بوساطة الاتحاد الإفريقي، وحظي بدعم وتأييد دولي كبير، ومن المعلوم أن الاتحاد الإفريقي قد أعلن رفضه من قبل لمبدأ الانقلابات العسكرية وقد تدخل فعليًا ضد أربع أو خمس انقلابات وقعت في القارة الإفريقية ودحرت قواته الانقلابيين، وبالتأكيد فان أي محاولة لتقويض أو الانقلاب على اتفاق رعاه الاتحاد لن يكون الرد عليها إلا بتدخل عسكري فوري، وسيجد من فوره دعمًا واسنادا دوليًا، باعتباره يمثل تهديدًا للأمن والسلم الإقليميين.

هذه الحقائق يدركها الفريق أول عبد الفتاح البرهان ومعظم قادة الجيش لذا هو يطالب بتفويض شعبي يستطيع أن يوفر له الأرضية المناسبة للقول أن الشعب قد فوض القوات المسلحة باستلام السلطة، ويدرك هو وغيره أنه لا سبيل للانقلاب والانفراد بالسلطة.

كما تدرك هذه الحقائق جهات أمنية وعناصر تنتمي للنظام البائد لذلك هي تسعى لخلق سيناريو الفوضى مثلمًا حدث من فتن قبلية عنصرية بعدد من الولايات، وتقويض الوضع الأمني بخلق تفلتات وخلق حالة من عدم الأمن والاستقرار بانتشار الجرائم ومراكمة الأزمات عبر المضاربة في أسعار العملات والتلاعب بأسعار السلع والمحاصيل والتخريب المنظم في مختلف المجالات، حتى يتهيأ المسرح لانقضاض شعبي يطيح بالنظام، قبل اكتمال الوصول للسلام الشامل، ويدفعهم لتصدر المشهد باعتبارهم القوى الممتلكة مفاتيح القوى العسكرية المادية والمتحكمة في مفاتيح الدولة.

اقرأ/ي أيضًا: أبيي بين سلطتين انتقاليتين.. هل من اختراقات؟

هذه المعادلات كان بالضرورة يجب أن تقابل بحكومة قوية مدركة لدورها وتكليفها الثوري بتطهير جهاز الدولة من عناصر النظام البائد، ووضع الأجهزة الشرطية والأمنية تحت سيطرتها الكاملة استنادًا لقوانينها وتطهير صفوفها من عناصر النظام البائد، واسترداد كافة الهيئات المؤسسات والشركات الحكومية لسلطة مجلس الوزراء ممثلًا في وزارة المالية وولايتها الكاملة على المال العام، وملاحقة مجرمي وفاسدي العهد البائد، وتحريك إجراءات قانونية بحقهم ومصادرة كل منهوبه من أموال وممتلكات الدولة.

إذا دفع اليأس الناس من الحكومة القائمة وتحركوا فهو سيكون للإطاحة بكامل الحكومة عسكرًا ومدنيين

كانت هذه الإجراءات كفيلة بخلق حزام عازل شديد القوة للحكومة من كل المتربصين بها، لكنها وبضعفها الماثل إنما تترك معادلة التصدي لمخاطر تقويض الوضع الماثل للشعب، بينما ترقب في صمت أيادي فلول العهد البائد تنال من أبنائه، وتسفه أهداف ثورته، وهي تبدي تجاهلًا لذلك وتتسلل عبرها عناصر البائد لمقاعد الحكم والتمثيل الدبلوماسي.

لن ينال أحد تفويضًا من الشعب وإذا دفع اليأس من الحكومة القائمة الناس لتحرك فهو سيكون للإطاحة بكامل الحكومة عسكرًا ومدنيين، وسيفوض الشعب ساعتها من يريد من قادة يليقون بثورته وتضحياته.

اقرأ/ي أيضًا

مع "أردول" مرة أخرى!

القضية الفلسطينية في سياق أوسع