منذ الساعات الأولى من صباح السبت زادت السلطات مساحة الطوق الأمني لمقابلة الاحتجاجات الشعبية الداعية لتنحي العسكريين وتسليم السلطة إلى المدنيين، والتي تدخل شهرها الثالث منذ انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر.
وبدأت الإجراءات الأمنية منذ الليلة السابقة بإغلاق الجسور الرئيسية وفصل مدن العاصمة عن بعضها للحد من مرور مواكب الخرطوم بحري وأم درمان ناحية القصر الجمهوري في الخرطوم، وفي وقت مبكر من الصباح جرى قطع خدمة الإنترنت ولاحقًا الاتصالات الهاتفية.
حظر المكالمات والإنترنت قد يتكرر بالتزامن مع الاحتجاجات
وتبرر السلطات الأمنية هذه الإجراءات التي اعتبرتها قوى تقود الحراك السلمي بـ"فوق العادة" -تبررها بحماية المؤسسات السيادية حسب ما أعلنت لجنة أمن ولاية الخرطوم.
اقرأ/ي أيضًا: الكيان النوبي الجامع يقيم الذكرى الأولى للراحل محمد مُسل
كان من غير المألوف أن يتم وضع حاويات شحن أسفل كبري المك نمر من اتجاه الخرطوم لمنع تدفق المحتجين نحو القصر من مناطق شمال العاصمة والتي وصلت إلى الجسر واستمرت المحاولات حتى المساء، ولم تتمكن من العبور لانتشار القوات العسكرية التي ترتدي زي قوات الدعم السريع.
وطرق محتجو الخرطوم بحري على الحاويات الحديدية وصعدوا فوقها وجرت محاولات عديدة لعبور الجسر الذي يربط الخرطوم بحري بالخرطوم حيث مقار القصر الجمهوري ومجلس الوزراء، لكن المحاولات لم تسفر عن شيء إلا أن الثوار يقولون إن رسالتهم وصلت إلى العسكريين.
كانت الإجراءات الأمنية التي بدأت منذ وقت مبكر من صباح السبت تبدو عليها أن ثمة أوامر مشددة صدرت إلى هذه القوات العسكرية بـ"إغلاق محكم" للجسور بين مدن الخرطوم الثلاث، واستخدام القوة المناسبة إذا تطلب الأمر.
حاول المتظاهرون أسفل كبر المك نمر إزالة الحاويات لكن الحل السهل الذي تمكنوا من خلاله العبور حتى منتصف الجسر كان إزالة الأسلاك الشائكة قرب النهر، لكن وصول تعزيزات لقوات ترتدي زي الدعم السريع جعلتهم يتراجعون إلى أسفل الكبري واستمرت عمليات الكر والفر حتى المساء.
أما في أم درمان تكرر ذات الإجراءات التي أتخذت في الخرطوم، لكن هنا كانت الإغلاقات للجسر عن طريق وضع قوات عسكرية كبيرة فوق جسر الفتيحات ورغم محاولات الثوار التقدم نحو الخرطوم إلا أن التعزيزات العسكرية كانت عالية لم تقتصر على أعلى الجسر بل غلقت القوات الشوارع المحيطة بمستشفى السلاح الطبي وحولتها لمنطقة عسكرية بحسب روايات شهود عيان.
أسفل كبري الفتيحاب اتخذ المحتجون والذين وصلوا بأعداد كبيرة من شتى أنحاء أم درمان عمليات الكر والفر مع محاولات عبور الجسر الذي انتشر فيه قوات عسكرية بتشكيلات مختلفة.
لم تقتصر الملاحقات الأمنية لاحقًا عندما حل المساء على كبري الفتيحاب بل أمتدت إلى الشوارع المحيطة في أحياء بانت وشارع الأربعين وحي الموردة إذ أن الأعداد الكبيرة للمتظاهرين جعلت السلطات العسكرية تعزز من الانتشار في هذه المنطقة.
ويقول المحتجون من مدينة أم درمان إن عبور الجسر ليس غاية بل الغاية "إيصال الرسالة" بتنحي الحكم العسكري عن السلطة وتسليمها كاملة إلى حكومة مدنية ثورية تنقذ الاقتصاد وتبرم السلام الجذري وتسيطر على الموارد المنتجة محليًا من الدول الإقليمية.
وحاول "الترا سودان" الحصول على تعليق من مسؤول حكومي بولاية الخرطوم بخصوص الاحتجاجات، لكن الاتصالات تعذرت بسبب اعتذار المسؤولين عن الإدلاء بأي تصريح للإعلام في هذا الوقت.
أما في الخرطوم كان الوضع مختلفًا فالاحتجاجات بدأت من محطة باشدار بحي الديم جنوب العاصمة ثم تحرك آلاف المحتجين نحو القصر وتمكنوا من الوصول إلى محطة شروني ولم يتراجعوا على الرغم من إطلاق عبوات الغاز من القوات الأمنية التي تمركزت جنوب معمل ستاك ولاحقًا تراجعت القوات إلى تقاطع السيد عبدالرحمن مع شارع القصر ثم تقدمت المواكب إلى الأمام حتى وصلت حدود شارع البلدية مع القصر، وهناك حاولت القوات الأمنية إبعاد المحتجين عن محيط القصر لكن تزايد أعداد المحتجين أجبر القوات على التراجع.
وصل الآلاف إلى القصر بعد ساعتين من المحاولات والكر والفر وكان واضحًا أن لجان المقاومة بمدينة الخرطوم اكتفت بهذه الرسالة وطلبت من المتظاهرين مغادرة محيط القصر في تمام الساعة الخامسة بالتوقيت المحلي، واستجابت الغالبية لهذا النداء لكن رغم ذلك طاردتهم القوات الأمنية إلى محطة شروني وأطلقت عليهم قنابل الغاز، وشكا العديد من المتظاهرين من تعرضهم لنهب الهواتف والمقتنيات الشخصية من قوات ترتدي أزياء نظامية.
واستخدمت السلطات مياه زرقاء من شاحنة تتبع للشرطة وشاهد مراسل "الترا سودان" رش مياه زرقاء في شارع القصر بكثافة عالية، كما كان يتم رش المحتجين بهذه المياه.
وذكر مسعفون طبيون أن المستشفيات في الخرطوم استقبلت نحو (174) مصابًا بالاختناق من الغاز وإصابات بالرصاص، بينها ثلاث حالات خطرة بحسب لجنة أطباء السودان المركزية.
اقرأ/ي أيضًا: الترويكا الرباعية تدين العنف والاغتصابات في فض موكب 19 ديسمبر
أيضًا تحدث محامون عن وضع العشرات في أقسام الشرطة، ولا يزال محامون يحاولون تقديم العون القانوني لهم، وبينما أفرج عن بعضهم إلا أن جزءًا منهم لا يزال قيد التحريات والاحتجاز.
جولات جديدة الشهر القادم قد تضيق الخناق على السلطة
وينوه محامون إلى أن طريقة إلقاء القبض على المتظاهرين مهينة لكرامة الأشخاص لأن القوات العسكرية تعتدي عليهم بالضرب المبرح قبل أن تنقلهم إلى أقسام الشرطة.
ولم تكن الاحتجاجات تقتصر على مواكب 25 كانون الأول/ديسمبر بل ضرب الثوار موعدًا جديدًا الخميس القادم في 30 كانون الأول/ديسمبر بحسب هتافات المتظاهرين أثناء مغادرتهم محيط القصر مساء السبت.
ويبدو أن قادة الحراك وضعوا جولة جديدة الشهر القادم والتي تشهد دعوات للتظاهر أكثر من الشهر السابق، ما يعني أن لجان المقاومة تعتزم تضييق الخناق على العسكريين فيما يبدو وضع رئيس الوزراء أكثر غموضًا مع استقالة لوح بها الأسبوع الماضي إذا لم يحدث انفراج سياسي.
ويقول مراقبون إن تنسيقيات لجان المقاومة بحاجة إلى "خطوة اضافية" بالعمل السياسي جنبًا إلى جنب مع الحراك الشعبي الواسع، وتقديم خارطة طريق للفترة القادمة.
اقرأ/ي أيضًا
عودة مئات من ضحايا الهجرة غير الشرعية السودانيين من ليبيا
الحرية والتغيير تدعو إلى تأسيس وثيقة دستورية جديدة وتطالب بموقف واضح من مصر