08-أغسطس-2022
التعدين الأهلي

ملف الذهب في السودان

في رحلتي للبحث عن خبايا ملف الذهب في السودان، طرقت عدة أبواب لمزيد من الموثوقية حول المعلومات التي استطعت الوصول إليها، لكن قبل ذلك لا بد من الوقوف عند النهج الذي كان يتبعه نظام المخلوع في إدارة الملف بكل عشوائية على الرغم من القوانين الدولية الصارمة والاتفاقيات التي تلزم الدول والشركات بدفع شروط جزائية بمبالغ طائلة حال الإخلال بالاتفاق المبرم بين الطرفين.

البشير استثنى شركة روسية ومنحها حق معالجة مخلفات الذهب "الكرتة" وهذا أحد الملفات التي لم يتم التطرق إليها

هل تعلم عزيزي القارئ أن المخلوع عمر البشير ورّط البلاد في استثناءات لإحدى شركات التعدين الأجنبية لم تمنح من قبل لأي شركة بكرم حاتمي كأنما البلاد ضيعة في يده، وهذا أحد الملفات التي لم يتم التطرق إليها حتى الآن ولم يتم تشكيل لجنة تحقيق على أسوأ الفروض للدفع بهذا الملف الخطير إلى سوح المحاكم.

وفقًا للقانون، يُمنع منح الشركات الأجنبية الحق في معالجة مخلفات الذهب المعروفة محليًا بـ"الكرتة" ويقتصر ذلك فقط على الشركات المحلية وفقًا لشروط محددة، ولكن عمر البشير منح هذا الحق إلى شركة (ميري قولد) الروسية لتصبح الشركة الأجنبية الوحيدة التي تتمتع بحق معالجة مخلفات الذهب، ولم يقف الاستثناء عند هذا الحد بل تعداه إلى الإعفاء من كل الرسوم الخاصة بمربع الامتياز، وما تزال الحكومة عاجزة عن معالجة هذا الاستثناء لارتباطه باتفاقيات دولية.

https://t.me/ultrasudan

ووفقًا للشروط المعمول بها في وزارة المعادن -حسب المعلومات التي استطعت الحصول عليها- فإن أي شركة امتياز يفترض أن تدفع (66) ألف يورو لمصلحة الحكومة على النحو التالي: (20) ألف يورو حافزًا للتوقيع (بونص)، و(30) ألف يورو كدعم فني، وستة آلاف يورو رسومًا للحكومة، بالإضافة إلى رسوم الإيجار بواقع (10) ألف يورو لكل كيلومتر مربع، إلى جانب نسبة الحكومة من الإنتاج.

ولم يتسنّ لي التأكد مما إذا كان الإعفاء الذي منحه البشير لشركة (ميري قولد) يشمل هذه الرسوم أيضًا أم أنه يقتصر فقط على نصيب الدولة من الإنتاج الذي يتراوح ما بين (20% – 30%) من إنتاج الذهب، حسب ما كان معمولًا به في عهد البشير.

وحدثني أحد العاملين في الوزارة عن تفاصيل اجتماعهم مع وفد الشركة الروسية عقب انتصار ثورة ديسمبر وكيف كانت ردة الفعل عندما تمت مناقشتهم في التفاصيل المنصوص عليها في الاتفاق، وعندما بدأ المسؤولين في الوزارة بمساءلتهم عن الاستثناءات التي أقروا بها تمامًا، لكن ما أن طالب ممثلو الوزارة بمراجعة العقد حتى غضب الروس ورفضوا ذلك وضربوا المنضدة التي أمامهم، وعندما أصر ممثلو الحكومة على المراجعة وافقوا على المراجعة لكنهم اشترطوا موافقة القوات المسلحة على ذلك.

ملف الذهب -عزيزي القارئ- أحد الملفات الشائكة التي تستوجب من الجميع تداركه قبل فوات الأوان، وعلمت أن وزارة التعدين قامت بتوحيد نسبة نصيب الحكومة في إنتاج شركات الامتياز بـ(30%) لكل شركات الامتياز، كما لا يفوتني ذكر محصلة الإنتاج التي ظلت تشتريها الشركة الروسية منذ العام 2018 عقب دخولها في الإنتاج من مخلفات التعدين عالية التركيز في منطقة العبيدية بأكثر من ضعف ثمنها. وبحسب الذين تحدثت إليهم تشتري الشركة شحنة العربة الواحدة المعروفة بـ(القلاب) بما يفوق المليون جنيه سوداني، في وقت تشتري فيه الشركات الأخرى ذات الشحنة بما يتراوح ما بين (200 – 300) ألف جنيه سوداني.

وهنا لا بد من الإشارة إلى حديث قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو إبان حكومة رئيس الوزراء المستقيل عبدالله حمدوك وقد حوى معلومات مهمة كشفت عن إنتاج الذهب وطريقة تصديره إلى الخارج بعيدًا عن أعين الدولة بقوله: "هناك شركات تنتج في الأسبوع أكثر من (300) كيلو جرام، من يراقبها؟ ألم تقولوا إنكم جئتم لتغيروا الفساد؟ هذه ثورة تغيير ولكنها لم تغير شيئًا. أنا قبضت عليهم من أول يوم، أحضرتها طائرة هنا إلى مطار الخرطوم، مشمعة، من هناك تأتي إلى المطار وتغادر، ولكن أفرجوا عنها وقالوا إن هناك اتفاقًا". وهذا ما أكدته شبكة "سي إن إن" في التحقيق الذي تحدثت فيه عن تهريب الذهب إلى روسيا.

وحديث حميدتي هنا يتناقض مع حديث المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك أردول الذي أكد فيه عدم وجود تصديق رسمي من الدولة لتصدير الذهب إلى روسيا، فماذا نسمي هذا النوع من التصدير عزيزي القارئ؟

نواصل في الحلقة القادمة كشف المزيد عن ملف الذهب في السودان.