01-أغسطس-2023
التسويق الهرمي

(BBC)

في السنوات الأخيرة في السودان بدأت ظاهرة شركات التسويق الشبكي تختفي شيئًا فشيئًا، وما أن احتدم الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منتصف نيسان/أبريل الماضي، حتى بدأت شركات التسويق الهرمي تطفو إلى السطح مجددًا، في ظل فقدان الآلاف في الخرطوم وعدد من ولايات غرب السودان لوظائفهم، ليبحثوا عن أمل جديد في العثور على مصادر رزق جديدة تقيهم وأسرهم من براثن الحاجة والعوز، وذلك بعد الارتفاع الجنوني في قيمة استئجار المنازل والذي شهدته جميع ولايات السودان دون استثناء، بينما لحق بها ارتفاع في أسعار المواد الاستهلاكية، لتصبح البلاد بيئة خصبة لمثل هذه الشركات لممارسة نشاطها.

إعلانات توظيف وهمية

تقول المتخصصة في مجال التسويق  سلمى محمد لـ"الترا سودان"، إن حكايتها ابتدأت من خلال إعلان لوظائف في مجال التسويق والدعاية والإعلان والبيع المباشر إضافة إلى مجال الاستثمار مرفق معه رقم للتواصل على "واتساب". وتضيف سلمى أنها أرسلت في الرقم المخصص لاستقبال الرسائل واستفسرت عن طبيعة العمل، كما جرت العادة على أن يكون التسويق مكتبي أو ميداني، فكانت إجابة الشخص المتخصص أن فرص التوظيف ستكون مكتبية، الأمر الذي بعث فيها الأمل من جديد بعد أن فقدت وظيفتها بسبب الحرب الدائرة في العاصمة.

مواطن: هذه الشركات تقوم ببيع منتجات لا فائدة منها

وأشارت في حديثها لـ"الترا سودان" إلى أن الشخص الذي قام بالتعامل معها قد حولها لمسؤول آخر، مشددًا في حديثه معها على ضرورة إخبار المسؤول الآخر أنها من طرفه بعد أن لقنها اسمه، وعندما ذهبت إلى مقر الشركة وجدت نفسها بقاعة ضخمة ممتلئة بعدد من الكراسي البلاستيكية، ومثبت على أحد أطرافها شاشة للعروض التقديمية، بينما كانت الجدران ممتلئة بإعلانات الجوائز القيمة والتي تصل إلى  (500) دولار أمريكي. وكما درجت عليه هذه الشركات تعتمد دائمًا على شاب جميل المظهر، يرتدي ملابس من أجود الماركات العالمية ليقوم باستقبال العملاء المحتملين للشركة، فيما يبتدئ بشرح حيثيات الانضمام للشركة.

وقالت سلمى إنها هذه المرة لم تتركه يكمل حديثه حول طريقة الانضمام للشركة، معللة ذلك بأنها لم تكن المرة الأولى لها، فلديها تاريخ مع رواد التسويق الهرمي منذ أن كانت في العاصمة الخرطوم، وانسحبت من مقرهم بهدوء.

منتجات لا فائدة لها

يقول المواطن محمد يحيى لـ"الترا سودان" إن هذه الشركات تقوم ببيع منتجات لا فائدة منها، ولا يمكنك الحكم عليها من حيث جودتها، حيث تستهدف هذه المنتجات في بعض الأحيان أمراض لم يتوصل الطب إلى حلول لها حتى الآن، مثل علاجات الأمراض المزمنة كالضغط والسكري وغيرها.

ويضيف محمد أن هذه الشركات لا تعمل أبدًا على التجارة في الأنشطة المعروفة كالسيارات والأجهزة الكهربائية والتي يستطيع المشتري أن يبت بشكل واضح في جودتها، إنما تعتمد بشكل أساسي على هشاشة معرفة للمتلقي والذي قد يكون مواطنًا ذو مستوى تعليمي محدود ليشتري منتجًا ربما يكون سببًا في وفاته بشكل غير مباشر؛ لأنه لا يقدم علاجًا ناجعًا لأي مرض.

https://t.me/ultrasudan

وشدد محمد على ضرورة وضع قوانين صارمة لردع هذه الشركات وفحص منتجاتها والتأكد من جودتها وفعاليتها، مشيرًا إلى دور قانون حماية المستهلك في هذا الشأن، فيما يلعب الإعلام دورًا مهمًا في توعية المجتمع من مثل هذه الشركات.

صعوبات اجتماعية

يقول الخبير الاجتماعي محمد الهادي لـ"الترا سودان" إن الأشخاص الذين ينخرطون في العمل مع هذه الشركات يعانون فيما بعد من صعوبات اجتماعية، فبحسب شهادات أن هذه الشركات يختفي القائمون عليها من المشهد بشكل مفاجئ، أو يختفي الموقع الإلكتروني الذي يحسب نقاط المشترك في هذه المؤسسة، ليجد الشخص نفسه في مواجهة الأشخاص الذين استقطبهم للعمل بالشركة، فهو حلقة الوصل بينهم وبين هذه المؤسسات الضبابية، وبما أن هذه الشركات تعتمد وبشكل أساسي على التسويق في دائرة المعارف، يجد الشخص نفسه يواجه العديد من الاتهامات بينما تنهار سمعته الطيبة وسط أهله وأصدقائه، ويفقد مصداقيته بشكل كامل.

ويضيف الهادي بأن لرجال الدين نظرة سالبة في هذا النوع من التسويق، كونه يعمل على عدد من الأوجه منها دفع الأموال من دون مقابل، أو دفعها مقابل منتجات لا نفع لها، الأمر الذي يجعله غير جائز.

في ظل انعدام فرص التوظيف يظن البعض أن هذه الشركات قد تكون بمثابة الملاذ الأخير

وفي ظل انعدام فرص التوظيف يظن البعض أن هذه الشركات قد تكون بمثابة الملاذ الأخير، خصوصًا لفئة الطلاب والخريجين الجدد، والذين يسهل إيقاعهم في فخ التسويق الشبكي بسهولة،  وذلك نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، والتي من شأنها أن تزج بهؤلاء الشباب للركض خلف سراب هذه الشركات ووعودها لهم بالوصول إلى الثراء الفاحش.