لم يحصل العاملون في القطاع العام على الرواتب منذ ثلاثة أشهر في السودان، وسط غياب اليقين بشأن حل حكومي لهذه الأزمة التي حولت العمال إلى طبقة معسرة وتعاني من الوضع المعيشي المكلف.
وتتراوح الأجور في القطاع العام في السودان بين (45) – (60) ألف جنيه في المتوسط، ومع ذلك تقول وزارة المالية إنها عاجزة عن سداد الرواتب للشهر الثالث.
تحتاج وزارة المالية في السودان إلى نحو (200) مليار جنيه شهريًا لتغطية رواتب العمال في القطاع العام، ومع تراكم الشهور فإنها بحاجة إلى (600) مليار جنيه
وأدى تراكم الشهور في ظل عدم صرف الأجور إلى زيادة العجز لدى وزارة المالية، فبينما تدفع شهريًا نحو (200) مليار جنيه تعويضات للعاملين وفق الموازنة المالية السنوية، فإنها ستضطر إلى دفع نحو (600) مليار جنيه في وقت تعاني فيه الخزانة العامة من نقص كبير في الإيرادات الضريبية جراء توقف النشاط الاقتصادي في البلاد بسبب النزاع المسلح منذ منتصف نيسان/أبريل الماضي.
ونقلت وسائل إعلام تصريحات عن وزير المالية والتخطيط الاقتصادي جبريل إبراهيم قال فيها إن من ضمن الخيارات طباعة النقود خارج البلاد، وقد تستغرق العملية ستة أشهر أو البحث عن خيارات داخلية.
وحملت الجبهة النقابية التي تعد تحالفًا بين النقابات في القطاع الحكومي مسؤولية تأخير الرواتب لوزارة المالية، وطالبتها بالعمل على حل الأزمة، كما طالبت بحماية العاملين في القطاع الخاص من التشريد وذلك وفقًا لبيان لها اليوم.
قبل اندلاع الحرب بأشهر قليلة واجهت الحكومة عجزًا في سداد الرواتب بنسبة (25%) لقلة الإيرادات مع عزوف قطاع التجارة والأعمال عن دفع الضرائب احتجاجًا على رفع الرسوم الضريبية، إلى جانب الركود الذي ضرب الأسواق المحلية في السودان نتيجة ارتفاع سعر الصرف، مما انعكس على أسعار السلع والخدمات.
إيهاب يعمل في وحدة حكومية بمدينة ود مدني التي تستضيف نحو (1.5) مليون شخص وصلوا من العاصمة الخرطوم عقب اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في منتصف نيسان/أبريل الماضي، يقول لـ"الترا سودان" إنه عاجز تمامًا عن تدبير شؤونه المعيشية مع عائلته، ولولا أنه يقيم في منزل عائلته لطرد من مسكنه بسبب عدم دفع الإيجار.
لجأ إيهاب إلى الاستدانة من الأصدقاء لثلاثة أشهر، وحتى إذا حصل على الراتب فإنه سيسد ديونه المالية، ومع ذلك يعرب عن أمله في حدوث انفراج في قضية الرواتب.
واتهم إيهاب وزارة المالية بعدم الوضوح مع العاملين في الدولة، وقال إنها عاجزة عن حل الأزمة، ولذلك فهو يرى أن على قائد الجيش الذي يمسك بزمام السلطة أن يكلف وزيرًا جديدًا بمهام وزارة المالية.
وأرسل مراسل "الترا سودان" استفسارات إلى مكتب الإعلام بوزارة المالية الاتحادية للرد عليها بخصوص أزمة الرواتب وآخر التطورات بشأنها، لكنه لم يحصل على رد.
وقال الخبير الاقتصادي محمد إبراهيم لـ"الترا سودان" إن عجز الحكومة عن سداد رواتب العاملين في القطاع العام بدأ منذ شهور قبل الحرب بسبب نقص إيرادات الضرائب والإجراءات الاقتصادية التي ترتبت على انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021 وفقدان السودان نحو أربعة مليارات دولار من تعهدات المجتمع الدولي.
ويعزو الخبير الاقتصادي عجز وزارة المالية عن سداد الرواتب أيضًا إلى تقديم الأهداف الأمنية والعسكرية على الأهداف المعيشية لمئات الآلاف من العمال في القطاع العام.
ويوضح محمد إبراهيم أن السودان في السنوات الأخيرة قبل سقوط النظام وبعده، لم يعرف الاستقرار الاقتصادي، عازيًا الأمر إلى هروب رؤوس الأموال لأسباب أمنية واقتصادية وقضايا مرتبطة بالفساد، وفقد الاقتصاد السوداني ما لا يقل عن (10) مليارات دولار خلال هذه الفترة، ولم تعد الدولة قادرة على إدارة الشأن الاقتصادي وفق خطط "الحوكمة والإدارة الرشيدة" – بحسب تحليله.
وتحتاج وزارة المالية إلى نحو (200) مليار جنيه لسداد رواتب العمال في القطاع الحكومي، ومع تراكم الشهور فإنها بحاجة إلى (600) مليار جنيه، ويشكل هذا العجز موازنة الدولة الكلية لعام واحد.
ويرى الخبير الاقتصادي محمد إبراهيم أن الحل يكمن في لجوء وزارة المالية إلى طباعة النقود خارج البلاد وهو "قرار سياسي"، إذ ينبغي للسودان الحصول على قرض عاجل من دولة صديقة لأن الطباعة مع عدم التغطية بالنقد الأجنبي أو الذهب سيشعل سعر الصرف – وفقًا لهذا الخبير.
وعزا مصدر مسؤول من وزارة المالية الاتحادية في حديث لـ"الترا سودان" أزمة الأجور الشهرية إلى عدم تشغيل المقاصة في البنك المركزي علاوةً على نقص الإيرادات الضريبية وانعدامها تمامًا في الشهرين الأخيرين بسبب الحرب.
وأقر هذا المسؤول بأن نظام تحويل الرواتب الشهرية يبدأ بالمصادقة على صرف الموازنة المالية، ومن هناك إلى إدارة الخزانة بوزارة المالية ثم إلى بنك السودان الذي يغذي حسابات الوحدات الحكومية في مختلف البنوك. وأضاف: "هذا النظام متوقف حاليًا بسبب عدم تشغيل المقاصة في بنك السودان، وهناك اجتماعات مشتركة بين المركزي ووزارة المالية باستمرار لحل أزمة الرواتب".