منذ أن أطلقت الرصاصة الأولى في سماء العاصمة الخرطوم في منتصف نيسان/أبريل الماضي، تعطلت عجلة الاقتصاد في البلاد بشكل شبه كامل، حيث تعتبر الخرطوم القلب النابض لاقتصاد السودان. وتعرضت مئات الشركات والمصانع إلى عمليات سلب ونهب وتخريب قضت على الأخضر واليابس فيها بحسب شهود عيان، هذا بجانب توقفها عن العمل لما يزيد عن الثلاثة أشهر جراء الاقتتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، الأمر الذي أدى إلى تدهور الاقتصاد السوداني وعزوف عدد من المستثمرين السودانيين والأجانب عن مواصلة نشاطهم بالبلاد.
في ظل هذه الأزمة بدأت أصوات تنادي بضرورة توزيع الحركة الاقتصادية وعدم اقتصارها على العاصمة فقط
وفي ظل هذه الأزمة بدأت أصوات تنادي بضرورة توزيع الحركة الاقتصادية وعدم اقتصارها على العاصمة فقط، فيما انتقلت بعض الأنشطة التجارية والمشاريع الصغيرة إلى الولايات مع حركة النزوح الكبيرة التي شهدتها الخرطوم، فهل ستعيد هذه الحرب توزيع خارطة الاستثمار في السودان؟
استراتيجيات جديدة
تحت شعار "الجزيرة بوابة السودان للاستثمار" اختتمت أمس الأول فعاليات ملتقى رجال المال والأعمال بولاية الجزيرة. والي الجزيرة المكلف اسماعيل عوض الله العاقب لدى مخاطبته الجلسة الختامية للملتقى، قال إنه من الضروري إعادة النظر في توزيع الحركة الاقتصادية للبلاد وعدم تمركزها في العاصمة، داعيًا في حديثه رجال الأعمال إلى وضع استراتيجيات جديدة للاستثمار والابتعاد عن سياسة الموقع الجغرافي الواحد.
وكشف الأستاذ إسماعيل عن جهود كبيرة تقوم بها حكومة الولاية في جانب العمل على تطوير البنى التحتية من ناحية مجالات الطاقة البديلة والتي من شأنها أن تحدث طفرة في مجال الصناعة بالولاية، إضافة إلى تعزيز العمل بنظام النافذة الواحدة فيما يخص إجراءات الاستثمار. والجدير بالذكر أن الملتقى استهدف إبراز الفرص الاستثمارية المتاحة بولاية الجزيرة، فيما نوقشت ورقة علمية بعنوان الموارد الاقتصادية وفرص الاستثمار بولاية الجزيرة بحسب ما جاء في وكالة السودان للأنباء.
ازدهار النشاط التجاري
"أصبحت المدينة أكثر حياة، والشوارع مكتظة بالمشاريع التجارية الصغيرة والمتوسطة"، هكذا وصف المواطن محمد أحمد مدينة مدني حاضرة ولاية الجزيرة والتي استقبلت أكبر عدد من النازحين وصل إلى نحو ثلاثة ملايين بحسب تصريح صحفي لوالي الجزيرة. ويضيف محمد أن الشوارع امتلأت بالباعة المتجولين، وامتلأت الأسواق بالعديد من البضائع الجديدة على أهالي المنطقة. والجدير بالذكر أن الصفحات الرسمية لعدد من المطاعم والمحال التجارية ذات الصيت بالخرطوم أعلنت عن افتتاح فروع جديدة لها في عدد من الولايات عقب اندلاع الحرب بالخرطوم وتوقف نشاطها بشكل مفاجئ.
وقد لحقت مدينة شندي أيضًا بالطفرة التي تزامنت مع حرب الخرطوم وانتقال عدد من محالها التجارية إلى الولايات، حيث يقول عباس سيدأحمد لـ"الترا سودان" وهو أحد أبناء شندي، إنه سعيد جدًا بما وصلت إليه المدينة من انتعاش في النشاط التجاري بشكل ملحوظ. وليس ذلك فحسب بل أصبحت الشوارع أكثر اكتظاظًا بالمارة، ويضيف أنه يعمل بائعًا للخضروات، حيث أصبح يبيع ضعف الكمية التي كان يبيعها في السابق بسبب الاكتظاظ السكاني، إضافة إلى ظهور عدد من النشاطات التي لم تظهر من قبل في المدينة، مضيفًا أن عدد من النساء القادمات من الخرطوم يقمن بصناعة الصابون في المنازل بعد شحه وارتفاع سعره في الأسواق بأسعار في متناول اليد وبجودة وصفها بـ"الجيدة".
آفاق رحبة
يقول محمد عمر الخبير الاقتصادي لـ"الترا سودان" إن الحرب الدائرة في الخرطوم وحسب القراءات التي يراها للمشهد الاقتصادي بالبلاد ستقوم بتوزيع الاستثمارات والمشاريع التي كانت مكدسة في الوسط، في محاولة لإعادة توزيع الخارطة الاقتصادية وفتح آفاق جديدة للمستثمرين وأصحاب الأعمال، مما يؤدي إلى خلق أنشطة جديدة في الولايات وفتح مشاريع من شأنها أن توفر فرص عمل تستوعب الشباب وتخفف من الهجرات التي تمت عبر سنوات من الأطراف إلى المركز بسبب نقص الخدمات وشح فرص العمل. مؤكدًا أنه حتى وبعد أنتهاء الحرب الدائرة في الخرطوم والتي يرى من وجهة نظره أنها باتت قريبة، ستظل حركة المستثمرين تنتقل من المركز شيئًا فشيئًا.
خبير اقتصادي: في حال استقرار الأوضاع بالخرطوم حتى ولو بشكل نسبي، سيقوم بعض المستثمرين بنقل مصانعهم التي لم تتضرر آلياتها إلى مختلف ولايات السودان
ويضيف عمر في حديثه لـ"الترا سودان"، أن المستثمرين يمكن أن ينقسموا إلى نوعين: مستثمرون يمتلكون رؤوس أموال ضخمة وهؤلاء من المرجح أن ينقلوا مشروعاتهم للعمل خارج البلاد، بينما يظل المستثمر ذا رأس المال المتوسط يزاول نشاطه بالبلاد، متوقعًا أن أعمالهم ستنمو وتزدهر في وقت قصير. وقال إنه وفي حال استقرار الأوضاع بالخرطوم حتى ولو بشكل نسبي، سيقوم بعض المستثمرين بنقل مصانعهم التي لم تتضرر آلياتها إلى مختلف ولايات السودان، مرحبًا بالطرح الجديد الذي قدمه ملتقى رجال المال والأعمال بولاية الجزيرة. ودعا في حديثه لإقامة مثل هذه المبادرات في مختلف الولايات لجذب المستثمرين.
ويذكر أن عددًا من الشركات أوقفت نشاطها بالبلاد، بينما علقت أخرى أعمالها إلى أجل غير مسمى، لتترك الاقتصاد السوداني يعاني من تخبط مستمر. ويعود ذلك بحسب خبراء إلى غياب التوزيع الأمثل لحركة الاستثمار في مختلف أنحاء البلاد، والتي كانت تعتمد على الخرطوم بشكل أساسي. مؤكدين أن هذه الحرب قد تكون فرصة جيدة لإنعاش ولايات السودان الأخرى.