26-نوفمبر-2019

معرض زهور الخريف (الجزيرة نت)

للورد عطر افتضاحه، وللعطر صوت صهيله في الدواخل حين ينادي عشاقه في مضمار الحب الكبير في فضاءات "الحديقة النباتية" بمنطقة المقرن بالعاصمة الخرطوم، وهي تحتضن "معرض الزهور السنوي" الذى يُفتتح كل عام في منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر. هذا العام المعرض في صهيله الـ(25)، الفوح الذي ينتشر كل عام في خواتيم السنة. في الصباحات البهية المبهجة والمساءات الشتوية الحالمة تتلقي الأسر السودانية "وسط الزهور" لتمارس اهتمامها وحبها للورود والزهور، حبًا ظل حاضرًا في المجتمع السوداني بالقرى البعيدة منه قبل المدن الكبيرة والحواضر، من حيث زراعة الزهور والورود داخل "الحيشان" وأمام أبواب البيوت، أو حتى الإهداءات بباقات الورود التي تحمل مئات المعاني وآلاف الرسائل في أشكالها وألوانها وتفتحها، يتم تبادلها بين الأصدقاء والعشاق والزملاء، تشترى من محال تنتشر في وسط الخرطوم تخصصت في بيعها، تسمى "المشاتل  الخضراء".

تنظم جمعية فلاحة البساتين السودانية المعرض منذ 1934 بشكل سنوي، مواصلة لنهج قديم درج على تنظيم معارض الزهور داخل قصر الحاكم العام البريطاني للسودان منذ 1930

وتنظم جمعية فلاحة البساتين السودانية المعرض منذ تأسيسها في 1934 بشكل سنوي راتب، مواصلة لنهج قديم درج على تنظيم معارض الزهور والورود داخل قصر الحاكم العام البريطاني منذ عام 1930، ولم تنقطع المعارض إلا لفترات قصيرة، ليبلغ عمر معارض الزهور في السودان (89) عامًا.

اقرأ/ي أيضًا: إيمانويل كيمبي.. توحيد الجنوبيين بالغناء

ثقافة وغناء وترويح

وتبقى للزهور مساحتها في الغناء والموسيقى السودانية، فقد احتلت في العديد من الأغنيات مكانتها التي تستحقها، وكُتب فيها ومجازات للحبيبات. والشاهد على أن علاقة السودانيين بالزهور والورد قديمة وراسخة، أنها ودائمًا ما تأتي مُقترنةً بالجمال والرمز للمحبوب، لكن تبقى ثقافة التواصل عبرها بشكل ملموس جد محدودة وضعيفة إلى حدٍّ كبيرٍ، وربما يعود ذلك إلى الطبيعة النفسية والمزاجية والمناخ الذي يجعل منها طقسًا موسميًا عابرًا، أو ربما يعود ذلك للصفة الغالبة على الشخصية السودانية وهي الزهد في الافصاح عن المشاعر وما يختلج في الدواخل. لكن مع ذلك فإنّ السوداني شديد الانفعال تجاه الجمال، تتفجّر بدواخله فيوض المشاعر لكنها تظل أسيرة نفسه ولا يبوح بها إلا رمزًا.

 صهيل الزهور

وأصبح معرض الزهور السنوي احتفالًا ومهرجانًا مُوسميًا ذا شهرة يؤمه الناس من كل  أطراف العاصمة، وتتجاوز أعداد من يزورون المعرض كل عام  (50) ألف زائر، المشرف على إدارة المعرض الأمين علي أفادنا أن هنالك برامج ثقافية وأدبية وموسيقية وغنائية مصحابة للمعرض، لها مساحاتها وهي وسائل لجذب الزوار والترويح عن النفس، تتضمن استضافة الفرق الغنائية التراثية وبعض الفنانين من أصحاب الجماهير الكبيرة، موضحًا أن المعرض يعمل وفقًا لأهداف جمعية فلاحة البساتين السودانية منذ نشأتها قبل ما يقارب (100) عام وهي أهداف تتعلق بنشر ثقافة الزهور والبستنة، وتقدم الجمعية خدمات الكهرباء والحراسة وكذلك خدمة ايجار المحلات بأسعار رمزية في المعرض، لأنّ الهدف هو مُساعدة مُنتجي النباتات والزهور، ولأنّ المسألة أصبحت تجارة عالمية. إلا أنها تعتبر ضعيفة في السودان نسبةً للظروف الاقتصادية.

وقال الأمين أنّ الأمر لا يقتصر على الزهور وحدها، بل هنالك جماليات أخرى تُشاركها في المعرض تتمثل في الفلكلور والمُقتنيات الأثرية وأشياء أخرى كثيرة، فالزائر للحديقة النباتية يقضي أروع الأوقات وهذا يبدو واضحًا من توافد الأُسر والأفراد والمجموعات والشباب بمُختلف أعمارهم إلى الحديقة النباتية، حيث أصبح معرض الزهور السنوي كرنفالًا ينتظره البعض بشغف كل عام، يخرجون منه محملين بباقات من السرور والفرح بعد قضاء يومٍ كامل لا مكان فيه للاكتئاب أو اليأس.

اقرأ/ي أيضًا: الجاز.. موسيقى الكفاح والحرية

أثر اللون والفوح

ولألوان الزهور أثرًا على الإنسان كما لفوحها القدرة على تحويل مزاجه إلى أفضل حالاته بحسب دراسات لباحثين في علم النفس، وهنا تأتي أهمية وتأثير اللون أيضًا علي النفس البشرية وانفعالاتها. فالنظر الي الزهور البيضاء مثلًا يبعث في النفس الراحة والسلام ويُبدِّد اليأس ويطرد الاكتئاب، بينما يتوتر الإنسان ويرتفع ضغط دمه عند النظر طويلًا إلى اللون الأحمر، ويبدو عليه القلق عند التمعن في اللون الأحمر لذلك ينصح مختصي الموضة بتقليل درجته ليصبح زهري مريح للعين. أما اللون البرتقالي للزهور فيرتبط بنظام المناعة لدى الإنسان ويزيد من القدرة المناعية لجسمه. واللون الأصفر يعمل على تنشيط خلايا الدماغ، أمّا الذين يربطونه بالموت أو الخوف فهم ليس لديهم أي دليل علمي على ذلك، واللون الأخضر مُفيدٌ للقلب ببعث الراحة والسرور وتخفف الألم، لذلك يلبس الأطباء هذا اللون حتى يشعر المريض بالراحة النفسية، واللون الأزرق هو بطبيعة الحال لون الخير والجمال، لذلك ثبت أنّ الزهور الزرقاء تُساعد على تخفيض ضغط الدم، والزهور البنفسجية ترتبط بالعواطف لأنّها تساعد على سكون الغضب، وبالتالي الاستقرار العاطفي، لذلك البنفسج من الألوان التي يرتاح لها الإنسان.

هندسة وتنسيقات جمالية

تقول متخصصة البستنة والزهور وتنسيق الحدائق وفاق الأمين التي تمتلك زاوية صممت لها هي بنفسها طريقة هندسية ملفتة للزائرين، تشكلت فيها الزهور بتناسقٍ "قوس قزحيٍ" جميل تقول لـ"الترا سودان" أن هندسة وتجميل وتنسيق عرض الزهور أو الحدائق عمل متقدم ومتطور دائمًا بحسب اختلاف الرؤية الفنية للمهتمين بهذا المجال، وهذا واضح هنا في المعرض حيث نجد العروض المختلفة في تنسيق الزهور أو شكل الحدائق الصغيرة وما يناسبها من زهور ظلية أو شمسية تتناسب مع البيئة السودانية. هنا في الحديقة النباتية تتجلى هذه الهندسة للمختصين ويتبارون في عرض مهاراتهم الفنية والابداعية في اختيار أنواع الزهور وتشكيلها وتنسيقها".

عارضة: هندسة وتجميل وتنسيق عرض الزهور أو الحدائق عمل متقدم ومتطور دائمًا بحسب اختلاف الرؤية الفنية للمهتمين بهذا المجال

وفي جولتنا بمعرض الزهور تنقلنا عبر المشاتل المختلفة واستمعنا لبعض منسقي الحدائق والبساتين واصحاب المشاتل، أغلبهم اجمعوا على أن حبهم للزهور والورود هو السبب الأول في تعاملهم استمرارهم بهذه المهنة. ويرى مُنسِّق الحدائق  الحاج عثمان أنّ تنسيق الزهور كانت هواية بالنسبة له، وأصبحت مهنة يكسب منها عيشه الآن. موضحًا أنّ تنسيق الزهور أصبح علمًا يدرس، وأنه هو نفسه أخذ دروسًا في ذلك. ويرى أغلب المشاركين في المعرض أنها فرصة للتعريف بمحالهم لبيع الشتول والزهور والورود.

هم يقدمون للزوار بطاقاتهم التعريفية وأماكن مشاتلهم ومعارضهم الدائمة، والزائر للمعرض يلاحظ كذلك مشاركة بعض الشركات الزراعية التي تقدم الخدمات لأصحاب المشاتل والحدائق من مستلزمات لزراعة الزهور من أصائص فخارية وبلاستيكية وحديدية وحاملاتها بأشكالها المختلفة المصنوعة بجماليات واضحة.

 

اقرأ/ي أيضًا

السينما.. وجه من وجوه المقاومة

"احتفالية النهر".. معرض للتشكيلي صلاح المر في الدوحة