إيمانويل مارك كيمبي يكاد يكون هو فنان جنوب السودان الأول ومغني الثورة الشعبية للتحرير بقيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان في العام 2005. جاءت تسميته بهذا الاسم لأن معظم أغنياته اتخذت طابعًا سياسيًا يحث فيها سكان الجنوب والمناطق المهمشة الأخرى على النضال المسلح ومقاومة أنظمة الظلم المركزية، فأسر قلوب الشباب بأغنياته ذات الإيقاعات الموغلة في أسلوب الريقي مع استصحاب الإيقاعات المحلية لجنوب السودان.
بعد اشتداد الحرب الأهلية الثانية التي اندلعت في أيار/مايو 1983 نزح إيمانويل كيمبي إلى شمال السودان
نشأ إيمانويل كيمبي في أسرة فنية عريقة تشربت أصول الموسيقى والغناء ومعانيها منذ فترات مبكرة، وهو المولود في يوم 9 كانون الثاني/يناير 1969، بمدينة واو بمنطقة غرب بحر الغزال، لأسرة فنية عريقة، فجده كيمبي ميلي كان مغنيًا شعبيًا لقبيلة بايا المشهورة بالكريش، ووالداه كانا مرنمين في فرقة الترانيم برعاية القديسة مريم بمدينة واو نفسها.
اقرأ/ي أيضًا: السينما.. وجه من وجوه المقاومة
وبعد اشتداد الحرب الأهلية الثانية التي اندلعت في أيار/مايو 1983 نزح إيمانويل كيمبي إلى شمال السودان كغيره من المواطنين الجنوبيين الذين أجبرتهم الحرب على ترك ديارهم، ليواصل دراسته في المدارس السودانية في العام 1988، وحينما وجد البؤس والمعاناة الكبيرة التي يعيشها الجنوبيين في أطراف العاصمة السودان في مدن الصفيح ومعسكرات اللاجئين، قرر مواصلة الغناء للتعبير عن معاناة مجتمعه. يحكي إيمانويل كيمبي عن تلك التجربة قائلا: "في تلك الظروف أتاني الاحساس بمخاطبة أهلي، حيث كنت أذهب وأقضي عطلة نهاية الأسبوع في أحياء النازحين في معسكرات مايو ودار السلام وكرتون كسلا في أطراف العاصمة السودانية الخرطوم، وهناك التقيت بمجموعة شباب موهوبين، وقمنا بتكوين فرقة موسيقية بغرض تقديم حفلات ترفيهية للنازحين، بالإضافة إلى توصيل رسالة تعريفية عن الآثار الاجتماعية للحرب عن طريق الموسيقى". فكانت فرقة لوانقا في العام 1987 والتي صارت من أفضل المجموعات الغنائية السودانية التي تستخدم الايقاعات الإفريقية المحلية ومزيج من اللغات المعروفة في جنوب السودان (عربي جوبا، لغة البلندا، لغة الدينكا وغيرها)
يقول إيمانويل كيمبي في حديث مع الترا سودان: "في الخرطوم حدثت لي مشكلة مع جهاز الأمن بسبب أغنية "شين شين" التي تحكي قصة معاناة الحرب بالنسبة للمواطن من جنوب السودان وما يتعرضون له من سياسات تمييزية تمارسها عليهم حكومة الإنقاذ في العاصمة الخرطوم وبقية مناطق السودان الأخرى التي يتواجد بها النازحون، وتم اعتقالي لمدة (29) يومًا، وبمساعدة بعض الأخوة استطعت الهرب حيث توجهت أواخر أيام العام 1995 إلى مدينة حلفا وخشم القربة في شرق السودان، ثم سافرت إلى إثيوبيا بسبب تلك المضايقات الأمنية".
اقرأ/ي أيضًا: تكريم فيلم من جنوب السودان في مهرجان "سيليكون فالي" للأفلام الأفريقية
وبمجرد وصوله إلي الأراضي الإثيوبية، أعلن كيمبي رسميًا انضمامه لثوار الحركة الشعبية لتحرير السودان، كما واصل نشاطه الفني بجانب القيام بإحياء العديد من الحفلات الغنائية في مناطق تواجد قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان الزراع العسكري للحركة، قبل أن يغادر مهاجرًا إلي الولايات المتحدة الأمريكية بموجب برنامج إعادة التوطين في 1998.
امتازت التجربة الغنائية للفنان إيمانويل كيمبي بالتركيز على الرسائل السياسية التي تحملها أغانيه، والتي يقول أنه اختبرها ووعي أهميتها منذ الصغر، ويمضي إلى القول: "في بداية بث إذاعة الحركة الشعبية كنت أداوم على سماعها على الرغم من صغر سني، بعدها انتابني شعور بأنني يمكن أن أقدم شيئًا مفيدًا في المستقبل، تغنيت بغرض الإصلاح السياسي والاجتماعي والديني، لذلك كانت أشهر أغنياتي تقول "يا رفيق إذا كنت قادمًا .. فهات السلاح أيضًا معك.
التقى إيمانويل كيمبي برئيس الحركة الشعبية الراحل جون قرنق في 2003 بالعاصمة الأمريكية حيث أوصاه بأن يجعل من الموسيقي سلاحًا فعالًا في التجربة النضالية.
منحته تجربة الوجود في أمريكا الفرصة بتسويق القضية السياسية لشعب جنوب السودان وسكان الهامش في دارفور وجبال النوبة وأقصي شمال السودان، فكانت أغنياته بمثابة التعريف بعمق القضية السودانية، وتعزيز فرص الضغط علي الحكومة السودانية من أجل تحقيق السلام مع متمردي الحركة الشعبية التي كان يعبر عنها الفنان ايمانويل كيمبي، فغنى لأهوال الحرب في ألبومه الأول "شين شين" الذي يحكي سوءات الحرب الأهلية، وغنى للسلام في ألبومه المشهور (سلبريت)، والذي يغني فيه أغنية مطلعها يقول: "لقد أصبح الصبح .. أشرقت الشمس .. ولن يبكي أحدًا بعد اليوم"، في إشارة إل توقيع اتفاق للسلام الشامل بين الحكومة والمتمردين في 2005.
استمرت التجربة الفنية لكيمبي حتي بعد استقلال جنوب السودان، وصار واحدًا من الرموز الفنية الرائدة في الدولة الجديدة
استمرت التجربة الفنية لكيمبي حتي بعد استقلال جنوب السودان، وصار واحدًا من الرموز الفنية الرائدة في الدولة الجديدة فهو ملهم جيل الشباب وذاكرة الغناء الثوري في جنوب السودان، برغم امتداحه لتلك النضالات العديدة إلا أن كيمبي مثله كالكثيرين من أبناء جنوب السودان، لم يكن راضيًا عن مستوى الأداء العام للحكومة ونقص الخدمات وتفشي الفساد وسط ثوار الأمس، ليصف كل ذلك في أغنيته ذائعة الصيت "آكلو براو" وتعني بعربي جوبا "الذين يأكلون لوحدهم" في إشارة للفساد والمحسوبية والقبلية، وبعد اندلاع الحرب الأخيرة في العام 2013 لم يجد الفنان ايمانويل كيمبي طريقًا آخر للتعبير سوى مطالبة شعب جنوب السودان وقياداته بالوحدة والتعاضد في آخر أغنياته الجديدة "دعونا نبني بلدنا سويًا".
اقرأ/ي أيضًا
معرض الخرطوم للكتاب.. قلة في الإصدارات الجديدة وضعف في الإقبال