20-فبراير-2022

لو كنت تسير في شارع منزلك مرفوع الرأس بتعابير منبسطة؛ كم من المارة سيبتسم لك أو يحييك بطريقة أو بأخرى؟

الابتسامة ممارسة عالمية، مع ذلك فإن الاستعداد للتبسم في وجه الغرباء يختلف بحسب الثقافة، في أستراليا مثلا حيث الانفتاح مع الغرباء والتعامل الودي معهم ليس أمرًا نادرًا؛ لجأت مدينة بورت فيليب -وهي منطقة تغطي بعضًا من خليج ضواحي ملبورن- للمتطوعين لمعرفة كم مرة يبتسم الناس في وجه الغرباء في الشارع، ثم قامت بوضع علامات مرورية في الشارع تشبه علامات تحديد السرعة، ولكنها تخبر المشاة أنهم مثلًا في منطقة حدود الابتسامة فيها تبلغ (10) ابتسامات في الساعة.

التبسم يدفع الناس للشعور بالتواصل والأمان أكثر

كلام فارغ؟ مضيعة لأموال دافعي الضرائب؟ تقول جانيت بوليثو عمدة بورت فيليب حينها، إن وضع هذه الإشارات هي محاولة لدفع الناس للابتسام أو قول التحية الأسترالية المتداولة: "طاب يومك"، لكل من الجيران والغرباء أثناء التنزه في الشارع. وأضافت العمدة أن التبسم يدفع الناس للشعور بالتواصل والأمان أكثر، فيقل الخوف من الجريمة، وهو عنصر مهم في نوعية الحياة في العديد من الأحياء.

للمزيد من المواضيع المشابهة على "الترا سودان":

مترجم| التكلفة العالية للشعور بالإحباط

"كاروشي".. الموت تحت ضغط العمل في اليابان 

في جهود مشابهة لجعل مقيميها يتعرفون على بعضهم البعض، قامت حكومة المدينة أيضًا بإقامة حفلات في الشارع، تترك تفاصيل إقامتها للسكان، لكن تقدم لهم النصائح التنظيمية، وتعيرهم الشوايات ومظلات الشمس، وتغطي التأمين على الممتلكات العامة. حيث الكثير ممن عاشوا في نفس الشارع لسنوات طويلة؛ يلتقون ببعضهم للمرة الأولى في حفلات الشارع.

كل هذا هو جزء من برنامج أكبر يسعى لقياس مدى التغيير في حياة المدينة، مما يمكِّن مجلس المدينة من معرفة ما إذا كان يقود المجتمع في الاتجاه المطلوب، حيث يرغب المجلس في أن يجعل من بورت فيليب مجتمعًا مستدامًا، ليس فقط بالمعنى الجغرافي، ولكن أيضًا من حيث العدالة الاجتماعية، الجدوى الاقتصادية والحيوية الثقافية.

بورت فيليب جادة في قضية المواطنة العالمية، فبدلًا من رؤية ملكية سيارة خاصة كعلامة على الازدهار؛ تشجع المدينة على خفض عدد السيارات الخاصة وزيادة استخدام وسائل النقل العام كدليل على التقدم في الحد من انبعاثات غازات الدفيئة، وفي نفس الوقت تشجيع نمط حياة صحي يكون فيه الناس ميالين أكثر للمشي أو ركوب الدراجة. كما تسعى المدينة أيضًا إلى تصميم مبانٍ جديدة أكثر كفاءة في استخدام الطاقة.

بعض الحكومات المحلية ترى أن دورها ينحصر في توفير الخدمات الأساسية، كجمع القمامة، حراسة الطرق، وبالتأكيد جمع الضرائب لتأمين هذه الخدمات. وأخرى تدعم الاقتصاد في المنطقة، وذلك من خلال تشجيع الصناعة للانتقال إلى المنطقة، وبالتالي زيادة فرص العمل والقاعدة الضريبية المحلية. بينما تتبنى مدينة بورت فيليب رؤية أوسع وأطول مدى: تريد المدينة لهؤلاء الذين سيعيشون فيها بعد الجيل الحالي، أن يحظو بنفس فرص الحياة الجيدة التي يحظى بها السكان الحاليون. ولحماية نوعية الحياة هذه، يتوجب على حكومة المدينة أن تكون قادرة على قياس جميع الجوانب المتنوعة التي تساهم فيها، والمودة هي واحدة من هذه الجوانب.

بالنسبة للعديد من الحكومات سواء كانت وطنية أو محلية، يعتبر منع الجريمة أولوية أهم بكثير من تشجيع الصداقة والتعاون بين الناس، ولكن كما يوضح البروفيسور بمدرسة لندن للاقتصاد بروفيسور ريتشارد لينارد في كتابه الأخير "السعادة: دروس من علم جديد"، فإن تعزيز الصداقة غالبًا سهل وغير مكلف، وله عائد أكبر في جعل الناس أكثر سعادة؛ إذًا لم لا تسعى السياسات العامة للتركيز على هذا الأمر كهدف لها؟ 

إن تجربة إيجابية صغيرة جدًا يمكنها ليس فقط أن تجعل الناس يقدِّرون أنفسهم أكثر؛ ولكن أيضًا تجعلهم أكثر ميلًا لمساعدة الآخرين. في سبعينات القرن الماضي قام عالما النفس الأمريكيين أليس أيسن وبولا ليفين بعمل تجربة يجد فيها بعض الأشخاص الذين تم اختيارهم بصورة عشوائية عملة من فئة العشرة سنتات أثناء إجرائهم لمكالمة هاتفية من هاتف عمومي، وضعت من قبل المتصل السابق، بينما لم يجد البعض الآخر أي شيء. وفي كل الحالات تم إعطائهم الفرصة لمساعدة امرأة على التقاط ملف أوراق تُسقطه أمامهم.

اقرأ/ي أيضًا: "قوة الكلب".. غوص في تخليع الذكورة

أيسين وليفن ادعوا أن من بين الـ(16) الذين وجدوا العملة؛ (14) قاموا بمساعدة المرأة، بينما قام واحد فقط من بين الـ(25) الذين لم يجدوا العملة، بمساعدة المرأة. دراسة أخرى وجدت نفس الاختلاف في مدى الاستعداد لإرسال رسالة بريدية منسية في كشك الهاتف، أولئك الذين وجدوا العملة كانوا غالبا ما يرسلون الرسالة.

المزاج الجيد يجعل الناس يقدرون ذواتهم أكثر ويميلون أكثر لمساعدة الغير

وبالرغم من تشكيك دراسات لاحقة في وجود هذا الاختلاف الدرامي، ما زال هناك احتمال صغير في أن المزاج الجيد يجعل الناس يقدرون ذواتهم أكثر ويميلون أكثر لمساعدة الغير، يسمي النفسانيون هذا الأمر بـ"وهج حسن النية". فلم لا نتخذ خطوات صغيرة يمكنها أن تنتج وهجًا كهذا ونجعلها جزءًا من دور الحكومات؟

إن هذا أحد معايير نجاح الأمر: على مدى العام ونصف، ارتفعت نسبة من قد يبتسمون لك في بورت فيليب من 8% الى 10%.


من "بروجيكت سينديكيت" 16 نيسان/أبريل 2007

اقرأ/ي أيضًا

أيوب.. محطة إنسانية للثوار قبل "القصر"

حوار| آن الصافي تحكي عن "المسائل" والسرد السوداني