نُشرت هذه المقالة لأول مرة في "بروجيكت سينديكيت" في تشرين الأول/أكتوبر 2007.
يعد الاكتئاب وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، رابع أسوأ مشكلة صحية بحساب عدد سنوات الصحة الجيدة التي يتسبب بضياعها، وعلى الأرجح أنه سيصل إلى المرتبة الثانية في 2020 بعد أمراض القلب، ومع ذلك لسنا حتى قريبين من علاجه أو الوقاية منه.
الدراسة التي قامت بها "صبا موسافي" ونُشرت في "لانسيت"، كشفت أيضًا أن للاكتئاب تأثيرًا على الصحة الجسدية للمصابين به أكبر من تأثير أمراض أخرى مزمنة كالذبحات الصدرية، السكري، التهاب المفاصل والربو. مع ذلك وفي نفس العدد من "لانسيت"، قدم كل من "جافين اندروز" و"نيكولاي تفيتو" الباحثان في جامعة "نيوساوث ويلز" تقريرًا يفيد بأن الأستراليين الذين يعانون من الاكتئاب يتلقون قدرًا أقل بكثير من الرعاية الصحية التي يتلقاها مرضى الربو والتهاب المفاصل. وينطبق الأمر على عدة تقارير من بلدان متقدمة عديدة.
في الدول النامية أيضًا يعد الاكتئاب عالي الكلفة
علاج الاكتئاب غالبًا ما ينجح إن لم يكن دائمًا، وبدونه لا يمكن لمن يعانون من الاكتئاب أن يحيوا بسعادة، أو يحققوا ذواتهم، وحتى على المدى القريب من المنطقي إنفاق المزيد على الاكتئاب.
لمزيد من القصص المشابهة على "الترا سودان":
أوضاع الصحة النفسية في السودان.. التفوق في الكارثة!
نساء الريف.. "الهجرة" بحثًا عن الصحة النفسية
وقد أجريت دراسة على (28) دولة أوروبية وجدت أن الإكتئاب كلفها (118) مليار يورو في عام 2004. ما يعادل واحد في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول معًا. وقدرت تكلفة علاج الإكتئاب منها بـ(9%) فقط من هذا المجموع الكبير، بينما القدر الأكبر من هذه التكلفة كان بسبب نقص الإنتاجية.
ريتشارد لايارد من مركز الأداء الاقتصادي بمدرسة لندن للاقتصاد، قال إن الأمراض العقلية هي أكبر مشكلة اجتماعية تواجه بريطانيا، حيث تكلفها نسبة (1.5) بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، فبينما يكلف العلاج حسب تقديراته (750) جنيهًا إسترلينيًا للمريض لأكثر من عامين، ستكون النتيجة في الغالب شهرًا إضافيًا من العمل بما يعادل ما قيمته (1880) جنيهًا إسترلينيًا. ويقف السيد لايارد في صف العلاج النفسي عوضًا عن العلاج الدوائي.
في الولايات المتحدة ذكر فريق من الباحثين بقيادة "فيليب وانغ" من المعهد الوطني للصحة العقلية في "روك فيل، ماريلاند"، نتائجًا مماثلة الشهر الماضي في مجلة "الجمعية الطبية الأمريكية". أجرى فريق وانغ تجربة عشوائية مضبوطة أظهرت أن فحص الاكتئاب للعثور على عمال يمكنهم أن يستفيدوا من العلاج كان أمرًا فعالًا من حيث الكلفة، فهو يخفض تكاليف التأمين الصحي لأصحاب العمل ويقلل من الغياب بداعي المرض، ويزيد من معدل الإنتاجية والمداومة.
في الدول النامية أيضًا يعد الاكتئاب عالي الكلفة، ففي الصين وبحسب دراسة أجريت مؤخرًا بواسطة "تيه- ويه هو" وزملائه بمجلة "الطب النفسي الاجتماعي والطب النفسي وعلم الأوبئة"، يكلف الاكتئاب (51) مليار يوان أو أكثر من ستة مليارات دولار في السنة بحسب سعر العملة في العام 2002، كما ذكر فريق بحث بقيادة "فيكرام باتيل" منذ سنوات قليلة بمجلة الطب البريطاني أن الاكتئاب شائع في زيمبابوي والذي يعرف بكلمة من لغات الشونا تعني "الإغراق في التفكير".
حول العالم، يقلل الكثير من العاملين بمجال الصحة من شأن الإصابة بالاكتئاب. الكثير منهم يفتقر إلى التدريب الكافي للتعرف على الأمراض العقلية، وبعضهم ليسوا على اضطلاع بأساليب العلاج الحديث، كما قد يفشل المرضى أيضًا في السعي خلف العلاج لأن الأمراض العقلية ما زالت تحمل نوعًا من وصمة العار التي تصعب الاعتراف به، بعكس الأمراض العضوية.
وقد تفاقمت المشكلة -في الولايات المتحدة على الأقل- بسبب رفض بعض سياسات التأمين الصحي لتغطية علاج الأمراض العقلية، لذا تعتبر موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي على قانون المساواة في الصحة العقلية الأخير خطوة هامة إلى الأمام. التشريع يوجب أن تتضمن خطط التأمين الصحي المقدمة من أرباب العمل تغطية علاج الأمراض العقلية بنفس مقدار تغطية الرعاية الصحية العامة -مع الأسف لن يقدم هذا التشريع شيئًا للـ(47) مليون أمريكي الذين لا يملكون تأمينًا صحيًا أصلًا".
اقرأ/ي أيضًا: البحث عن فيديو "رجل ودمدني"
الاكتئاب هو مأساة فردية تتكرر لأكثر من (100) مليون مرة في جميع أنحاء العالم، لذا فعلينا أن نفعل ما بوسعنا لعلاجه ما دمنا نستطيع، وربما السؤال الأكثر أهمية هو ما إذا كنا نستطيع أن نتعلم الوقاية منه. بعض أنواع الاكتئاب تبدو جينية، في هذه الحال العلاج الجيني قد يكون حلًا نهائيًا، ولكن معظم الأمراض العقلية تحدث بسبب عوامل أخرى محيطة، فربما نحتاج إلى التركيز على جوانب الحياة ذات التأثير الإيجابي على الصحة العقلية.
أظهرت العديد من الدراسات أن قضاء وقت في الاسترخاء مع العائلة والأصدقاء يؤثر على مدى سعادة الناس في حياتهم
العديد من الدراسات أظهرت مؤخرًا أن قضاء وقت في الاسترخاء مع العائلة والأصدقاء يؤثر على مدى سعادة الناس في حياتهم، بينما تسهم ساعات العمل الطويلة، وخاصة أوقات التنقل الطويلة، في التوتر والتعاسة. بالطبع سيظل من الممكن أن يكتئب أولئك الأشخاص المستقرون، وقد لا يصاب الأشخاص المرهقون والمتوترون به، ولكنها تظل فرضية معقولة أن يكون الأشخاص الأكثر سعادة أقل عرضة للاكتئاب.
لاسيل لوفول الذي ترأس حملة الرئيس ضد السرطان، كتب للرئيس جورج دبليو بوش في آب/أغسطس قائلًا: "بإمكاننا ويتوجب علينا تمكين الأفراد من اتخاذ القرارات الصحية، بانتهاج السياسات والتشريعات الملائمة". لو كان هذا صحيحًا بشأن تشجيع الوجبات الصحية ومحاربة التدخين؛ فهو ليس أقل صحة عندما يتعلق الأمر بخيارات نمط حياة داعم لصحة عقلية أفضل.
لا تستطيع الحكومات أن تجعل من السعادة قانونًا أو أن تجرّم الاكتئاب، لكن يمكن للسياسات العامة أن تلعب دورًا في التأكد من أن يمتلك الناس وقتًا كافيًا للاسترخاء مع الأصدقاء وأماكن للاسترخاء.
اقرأ/ي أيضًا