في كانون الثاني/يناير 2015 أجاز برلمان النظام البائد قانونًا يسمح للمواطنين والصحافة بحق الحصول على المعلومة من المؤسسات الحكومية، ورغم أن التشريع المجاز منح أولوية إنشاء مفوضية حق الحصول على المعلومة لمحاسبة المسؤولين حال رفضهم التعاون مع الصحفيين، لكنه بقي حبرًا على ورق منذ ذلك الوقت.
وفي حقبة الحكومة الانتقالية التي جاءت وفقًا لترتيبات سياسية أقرتها الثورة الشعبية، لا يزال الصحافيون والمواطنون يواجهون مشكلة في الحصول على المعلومات، إلى درجة أن الشائعات حلت بديلًا للمعلومات التي بحوزة المؤسسات الرسمية المنوط بها تقديم الرواية الحقيقية نظرًا لأجهزة التقصي التي تملكها، إلى جانب تصديها للأزمات التي دائمًا ما تثار حولها الشائعات والأسئلة.
وزير الإعلام: هناك قصور واضح ونعترف بوجود مشكلة في الحصول على المعلومات لأن الوزارات لا تزال في مرحلة تأسيس مكاتب الإعلام الموروثة من العهد البائد
الأمر الثاني والأكثر فداحة في نظر الصحفيين وخبراء الإعلام، أن الإنجازات التي حققتها الثورة لم تنعكس على وسائل الإعلام لتمليكها إلى الشعب، وباتت الصورة السلبية هي التي تسود عن الحكومة الانتقالية.
اقرأ/ي أيضًا: انخفاض إنتاج البترول في جنوب السودان بسبب فيروس كورونا
وفي هذا الصدد يقر وزير الإعلام فيصل محمد صالح، في حديثٍ لـ:"ألترا سودان"، بوجود مشكلة تواجه مكاتب الإعلام بالوزارات الحكومية لأنها موروثة منذ العهد البائد.
وقال صالح: "طلبنا تعيين مكاتب جديدة للإعلام من صحفيين لهم خبرة ودراية بمطلوبات الصحافة، وبعض الوزارات نفذت الإصلاحات المطلوبة فيما يتعلق بتأسيس مكاتبها الصحفية".
لكن الخبير الإعلامي حيدر المكاشفي، يعتقد في حديثٍ لـ"ألترا سودان"، أن الحكومة الانتقالية تأخرت جدًا في رفع مستوى الوزارات إلى تطلعات الثورة التي تبحث عن المعلومات لأنها سلاحٌ بين طرفين، أحدهما يسعى إلى تثبيت الفترة الانتقالية وإقامة الحكم المدني والطرف الثاني الذي يسعى إلى تقويضها بسلاح الشائعات، وبالتالي لا بد من توفير المعلومات للرأي العام، مشيرًا إلى أن معلومات هائلة بحوزة الأجهزة الحكومية عندما يطلبها الصحافيون توصد أمامهم الأبواب.
ليس بمقدور الصحافيين في الوقت الراهن التقصي عن قضية تشغل الرأي العام، وعندما يلجأ الصحافيون إلى الوزارات المعنية بتقديم الخدمات؛ مثل وزارة الطاقة، للإستفسار عن قطوعات الكهرباء، لا يجدون إجابات، ويرفض أغلب المسؤولين الرد على الأسئلة.
وتتجاهل غالبية الوزارات والمؤسسات الحكومية تصميم مواقع خاصة بها على شبكة الإنترنت لتزويد الرأي العام بالمعلومات والبيانات، فمثلًا بعض المؤسسات تمتلك مواقع إلكترونية، لكن التحديث لا يتم بصورة دورية، كما إن معلوماتها قديمة جدًا في بعض الأحيان لم تجري عليها تحديث لسنوات.
ويكشف وزير الإعلام فيصل محمد صالح لـ"ألترا سودان"، عن رغبة الحكومة في إجراء تعديلات على قانون حق الحصول على المعلومات، وذلك ضمن مساعي وزارة الإعلام لتمليك المعلومات للصحافة والرأي العام.
اقرأ/ي أيضًا: التربية والتعليم تعلن موعد امتحانات الشهادة بعد التشاور مع الخارجية والأرصاد
ويشير صالح إلى أن القانون سيرافقه بند محاسبة المؤسسة الحكومية التي ترفض الإدلاء بالمعلومات للصحفيين، إلى جانب الإسراع في إنشاء مفوضية حق الحصول على المعلومة لمحاسبة المؤسسات الحكومية التي تخفي المعلومات.
المكاشفي: القانون ليس حلًا جذريًا لمشكلة حجب المعلومات ولا بد من تغيير عقلية المسؤولين تجاه الصحافة
وتابع صالح: "القانون الذي نحن بصدد تعديله سيعاقب المؤسسة الحكومية التي تمتنع عن نشر المعلومات وتمليكها للصحفيين بواسطة مفوضية حق الحصول على المعلومة".
غير أن الخبير الإعلامي حيدر المكاشفي، يعبر عن قلقه من أن المسؤولين الحكوميين ليسوا على استعداد لتنفيذ قانون حق الحصول على المعلومة، لأن أغلبهم لديه اعتقاد بعدم جدوى تمليك المعلومات للصحافة، تجنبًا للمشاكل والمحاسبة أو إخفاءً لفشلها في تقديم الخدمات إلى المواطنين.
ويرهن المكاشفي تغيير ما أسماه "عقلية المسؤولين" بأهمية الإفراج عن المعلومات للصحفيين بالمبادرة من أنفسهم، أي من المسؤولين بالاتصال بالمؤسسات الصحفية وتمليكها المعلومات بصورة دورية، موضحًا أن العديد من القوانين الجيدة لا تنفذ عادة وتوضع جانبًا.
ويعزو وزير الإعلام فيصل محمد صالح، عدم تمليك المؤسسات الحكومية المعلومات؛ إلى ضعف مكاتبها الإعلامية، مشيرًا إلى أن القانون المنتظر إجازته قريبًا، سيكون دافعًا لهذه المؤسسات في التواصل مع أجهزة الإعلام والصحفيين، ومن حق الصحفي اللجوء إلى مفوضية حق الحصول على المعلومة لتقديم شكوى في المؤسسة التي تحجب عنه المعلومات.
اقرأ/ي أيضًا: أهداف ثورية للبيع.. الحكومة الانتقالية في مجلس حقوق الإنسان
ويعتقد وزير الإعلام، أن أداء مكاتب الإعلام بصورتها القديمة في العهد البائد لم يعد مقبولًا في الوقت الراهن، خاصة الرد على استفسارات الصحفيين بعد وقت طويل، لافتًا إلى أهمية الإسراع في الرد على أسئلة وسائل الإعلام وبصورة منظمة ومرنة في عملية التواصل بين الطرفين.
فيصل محمد صالح: "هناك صحافيون عملوا في الثورة بشكلٍ دؤوب لكنهم لاحقًا لم يعودوا إلى مهنة الصحافة، ربما التحقوا بالمنظمات أو تحولوا إلى نشطاء"
ويضيف صالح: "نعترف بوجود تقصير في بعض الوزارات فيما يتعلق بالأداء الإعلامي".
وسأل "ألترا سودان"، وزير الإعلام فيصل محمد صالح عن عدم نشر المعلومات حول الإنجازات التي حدثت بعد الثورة في بعض المجالات، وكيف لم تجد حظها من النشر الإعلامي وعما إذا كان هناك تقصير من المؤسسات الحكومية؟
فأجاب صالح قائلًا: "الصحافة هي التي تعكس الإنجازات بالتقصي والبحث عنها وليست الحكومة، وهناك صحافيون عملوا في الثورة بشكلٍ دؤوب لكنهم لاحقًا لم يعودوا إلى مهنة الصحافة، ربما التحقوا بالمنظمات أو تحولوا إلى نشطاء وتركوا الصحافة، وبالتالي فقدت الثورة الصحفيين من هذه الفئة التي كانت تعول عليهم لعكس الإنجازات على وسائل الاعلام".
كما يحمل صالح، المنصات الاجتماعية مثل فيسبوك وواتس آب التأثير السيئ على الوضع الإعلامي والرأي العام، وذلك عبر نشر معلومات مضللة في بعض الأحيان وعدم تقصي الصحفيين عنها ونشرها كما هي.
ويرى صالح، أن حل وإصلاح أزمة إخفاء وحجب المعلومات عن الصحافة في التشريعات الجديدة التي في طريقها إلى "المشرعين المؤقتين"، علاوة على إنشاء مفوضية حق الحصول على المعلومة وتأسيس مكاتب إعلامية للمؤسسات الحكومية وتكوين نقابة الصحفيين لتوقيع ميثاق الشرف والتعاون في مجالات التدريب.
فيما يدعو الخبير الإعلامي حيدر المكاشفي إلى إدخال التعامل الحضاري للمسؤولين تجاه الصحافة، مستنكرًا حادثة اعتقال الصحفي علي الدالي وطاقم تصوير مكتب قناة روسيا اليوم الأحد الماضي عقب اتصال مسؤول بمحطة الشجرة بالخرطوم بقوات الدعم السريع، وصعوبة الوصول إلى وزارة الإعلام للإفراج عن الصحفيين في نفس الوقت.
اقرأ/ي أيضًا: مقترح لإلغاء امتحانات الشهادة نهائيًا.. والقرّاي: لا يمكن تنفيذه إلا بعد قرون
ويؤكد المكاشفي على ضرورة محاسبة هذه الأفعال بواسطة الحكومة نفسها، أي مكتب رئيس الوزراء، وإسداء النصائح له بالتعاون مع الصحفيين وتمليك المعلومات للرأي العام طالما كان في موقع عام وليس خاص.
المكاشفي: "الشائعات هي البديل للمعلومة الحقيقية"
ويشير المكاشفي إلى أهمية تصنيف المعلومات التي تملك إلى الرأي العام، لأن هناك معلومات متعلقة بالأمن القومي لا يمكن نشرها، غير أن المكاشفي يحمل الصحفيين جزءًا من الأزمة بالاستسلام إلى الرقابة الذاتية التي نتجت عن الرقابة الأمنية التي كان يستخدمها النظام البائد ضد الصحفيين.
ويضيف المكاشفي: "نحن بحاجة إلى تغيير سلوك المسؤولين وحثهم على التعامل مع الصحافة، ومن الأفضل أن تبدأ الحكومة من أعلى مستوياتها حتى تضرب مثلًا في تمليك المعلومات إلى الصحافة، وذلك لأن الشائعات هي البديل للمعلومة الحقيقية".
اقرأ/ي أيضًا