فور إعلان وزير العدل نصر الدين عبد البارئ التعديلات القانونية على مواد الردة عن الدين الإسلامي وتعديل مادة عقوبة شاربي الخمر بالإباحة لغير المسلمين، صعدت الجماعات السلفية من هجومها على الحكومة الانتقالية ووصفتها باليسارية والعلمانية فهل تصمد الحكومة أمام هجمات السلفيين؟
حاول وزير العدل الأسبق في 2016 إبان عهد نظام عمر البشير إجراء تعديلات على مادة الردة عن الدين الإسلامي على خلفية تداعيات محاكمة فتاة تدعى مريم يحيى شغلت قضيتها الرأي العام المحلي والعالمي عندما أتهمت بالردة عن الإسلام واقتيدت إلى مجمع محاكم الحاج يوسف شمال الخرطوم، حتى شطبت الدعوى بتدخل من نظام البشير الذي تعرض لضغوط خارجية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ثم هاجرت السيدة وزوجها إلى أوروبا تاركة السودان تحت وطأة النظام المتشدد في المواد المتعلقة بالدين والمجتمع.
نجا وزير العدل الأسبق عوض حسن نور من هجمات السلفيين بالوساطة التي قادها مسؤولون حكوميون في النظام السابق لإصلاح العلاقة بين الطرفين
لم ينجو عوض نور وزير العدل الأسبق من محاكم التفتيش التي تقيمها الجماعات السلفية حتى تدخلت وساطة قادها مسؤولون في النظام البائد لإصلاح الأمر بين الطرفين نسبة للهجوم الذي تعرض له من منابر المساجد ووسائل الإعلام التي سخرتها هذه الجماعات للوصول إلى الرأي العام للتأثير الديني عليه.
اقرأ/ي أيضًا: محمد ضياء الدين لـ"ألترا سودان": لسنا مسؤولين عن فوضى المواصلات
وتأتي هذه التعديلات الجديدة التي اقرها وزير العدل نصر الدين عبد الباري لإصلاح المنظومة العدلية التي حددت ملامحها الوثيقة الدستورية، وبحسب الوزير، بدأ إعداد مشروع كامل لإصلاح المنظومة العدلية للوصول إلى الحكم المدني الديمقراطي غير أن الجدل الدائر أثار قلق البعض من تهديد هذه التعديلات لمستقبل الحكومة الانتقالية، سيما دعوة القيادي في حزب المؤتمر الوطني المحلول والقيادي الإسلامي عبد الحي يوسف الذي كتب على تويتر مقدمًا الدعوة إلى من أسماهم شرفاء الجيش للإطاحة بالحكومة الانتقالية.
تيار التعديلات القانونية يستند أيضًا إلى أن هذه التعديلات كانت تحظى بالموافقة داخل النظام الحاكم السابق والذي كان يخشى من التيارات السلفية لكن جرأة الحكومة الانتقالية المستندة إلى الثورة الشعبية هي التي دفعت لتنفيذ التعديلات.
ويقول مدافعون عن هذه التعديلات وهم من تيارات ليبرالية أن "القرآن نفسه يحتوي (200) آية تدعو الى المساواة في الأديان وعدم إقامة حد الردة عن المتهم بالردة عن الدين الإسلامي".
وزير العدل وضع أيضًا تعديلًا أثار جدلًا كبيرًا على منصات التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بمادة الدعارة حيث عمل على التدقيق في وصف مرتكب واقعة الدعارة من خلال تحديد المكان نفسه وأشار في مقابلة تلفزيونية السبت الماضي إلى أن المادة المعدلة كانت فضفاضة جدًا وغير دقيقة وأن المادة الجديدة أعطت مزيدًا من التعريف لممارس الدعارة خارج الإطار الشرعي وللمكان نفسه الذي تدار فيه، عما إذا كان يقدم مثل هذه الخدمات وتعرض إلى شكاوى مكررة.
أما الداعية السلفي محمد عبد الكريم، فقد هاجم هو الآخر الحكومة الانتقالية بسبب التعديلات القانونية على مواد الردة عن الدين الإسلامي والتي وصفها وزير العدل بأنها تهدد السلم الاجتماعي بنشر التكفير في المجتمع بصورة كبيرة وتعريض حياة الأشخاص إلى الخطر، وأن واجبه يحتم عليه حماية المواطنين، كما دعا عبد البارئ النيابات إلى ملاحقة التكفيريين بفتح بلاغات ضدهم إذا ما جاهروا بتكفير الأشخاص.
الداعية السلفي عبد الكريم الداعية صب جام غضبه على الحكومة الانتقالية ودعاها للتراجع عن هذه التعديلات، ويعد عبد الكريم احد أبرز قادة مسيرة مناهضة الحكومة الانتقالية وتطرق في خطاب ألقاه في أيار/مايو 2019 في مسيرة لتيارات إسلامية أمام القصر الرئاسي بالتزامن مع الاعتصام المدني أمام القيادة العامة، إلى إشراكهم في إدارة مستقبل البلاد والحكومة الانتقالية، ولاحقًا تحالف مع جماعات إسلامية تعارض الحكومة الانتقالية.
ووجهت الحكومة الانتقالية ولجنة تفكيك النظام ضربة موجعة للجماعات السلفية التي تتخذ من قناة طيبة منبرًا إعلاميًا بمصادرتها لصالح حكومة السودان في كانون الثاني/يناير 2020، حيث يتهم مالكها السابق عبد الحي يوسف بتلقي أموال من النظام السابق تقدر بـ(5) مليون دولار من الرئيس المخلوع، الذي أقر بذلك أثناء جلسات محاكمته في آب/أغسطس 2019، قال إنه منحها للداعية عبد الحي يوسف لتأسيس القناة.
وخرجت مقاطع فيديو سربت في شباط/فبراير الماضي أظهرت القيادي في النظام البائد علي عثمان محمد طه، وهو يعترف بدعم قناة طيبة بشكل رسمي من أموال الدولة لحماية مصالح الإسلاميين في الحكم.
اقرأ/ي أيضًا: وزارة الطاقة توقع عقوبات ضد شركتي ماثيو ونوافل لتوزيع المواد البترولية
القوى الحزبية التي تشكل قوى التغيير الحاضنة السياسية للحكومة نفسها غير مرحبة بالتعديلات القانونية الجديدة، فقد حذر عبد المحمود أبو القيادي بطائفة الأنصار وحزب الأمة من أن التعديلات قد تؤدي إلى الانقسام السياسي.
وفي أيار/مايو الماضي أعلن محمد ناجي الأصم رفضه مطلب طرحته حركة الحلو في مفاوضات السلام في جوبا في شباط/فبراير الماضي بإقرار النظام العلماني في السودان شرطًا لتوقيع سلام بالأحرف الأولى، وعلل الأصم رفضه للمطلب بالذهاب إلى المؤتمر الدستوري الذي يختص بهذا الشأن وهو ذات الرأي الذي يشاركه فيه زعيم حزب الأمة الصادق المهدي، وتظهر هذه المواقف عدم وجود دعم سياسي داخل التحالف الحاكم للحكومة الانتقالية في التعديلات القانونية، غير أن المدافعين عن التعديلات يعتقدون أن الحاضنة السياسية هي مجرد واجهة إعلامية وغير مؤثرة في صناعة القرار الحكومي لأنها تعاني من ضعف بائن وخلافات يصعب حلها.
التعديلات القانونية تستهدف المجتمع الدولي إذ أن عودة السودان إلى النظام العالمي تتطلب اتساقًا مع معايير حقوق الإنسان
ويعد الأصم واحدًا من القيادات الشابة المحسوبة على تيار الليبراليين الصاعد حديثًا في قوى الثورة والوافد الجديد إلى النادي السياسي القديم، لكن رغم ذلك لم يبد حماسه للعلمانية وربما هي تقاطعات سياسية أكثر من كونه موقف مبدئي.
وفي خطوة متوقعة أعلنت جماعات إسلامية مناهضة التعديلات القانونية بالتظاهر يوم الجمعة عقب الصلاة من مساجد رئيسية بالعاصمة تشمل المسجد الكبير بالخرطوم ومسجد عبد الحي بضاحية جبرة إلى جانب مساجد أخرى.
ويشدد مناهضو التعديلات القانونية على إلغاءها والتراجع عنها فيما ترفض الجماعات الليبرالية مناهضة هذه القرارات وتقول أن ثلاثين عامًا من قهر النظام البائد كانت كافية لعدم العودة إلى الوراء.
ويوضح الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية خليفة عبد الله لـ"ألترا سودان" أن التعديلات الأخيرة غير مؤثرة اجتماعيًا، كونها تعديلات محافظة، لكن الجماعات الإسلامية تستخدمها لأغراض سياسية لشن حرب شعواء على الحكومة.
وتستهدف التعديلات القانونية الأخيرة المجتمع الدولي الذي ينصح السودان بالعودة إلى النظام العالمي عقب سقوط نظام المخلوع الملاحق بتهم الإرهاب وإيواء الجماعات المتطرفة في تسعينيات القرن الماضي، بالتخلص من الهوس الديني وكفالة الحريات الدينية والاجتماعية.
اقرأ/ي أيضًا
جنوب السودان: مقتل وكيل نيابة مدينة ملكال على يد مسلحين مجهولين
مباحثات سد النهضة تختتم أعمالها بإحراز تقدم طفيف في القضايا الفنية