22-يوليو-2019

أثارت تعليقات داليا إلياس جدلًا واسعًا (تويتر)

لا أريد أن أشغل الناس بموضوع سخيف، كنت أفكر طوال الوقت في هذه العبارة، وأنا أهم بالتعليق على مقطع فيديو للشاعرة السودانية داليا إلياس، بات هو الحديث الأكثر تداولًا في مجالس المدينة، وكانت داليا تتحدث عن الجنس، وخيبة النساء في الحصول على قدر من المتعة والإثارة، باتت ويا للهول، في الهمس الجهير، محور تعاسة المرأة، أو الممنوع المرغوب.

تحولت داليا إلياس نفسها إلى حالة معملية، عوض الانصراف إلى ما أثارته من احتياجات طبيعية للنساء عمومًا، وبات الكل يصوب على تجارب زواجها الثلاث، بصورة موغلة في الابتذال والشخصنة

لم تكن داليا في حاجة لتحطيم حاجز الخجل الأنثوي لتفصح عن أشياء معلومة بالضرورة، خصوصًا مع ازدهار سوق "العسل الملكي" ومتاجر المنشطات الجنسية، ولكن هنا لا يبدو الرجال الذين تعنيهم يبحثون عن "الفحولة الضائعة" لإمتاع زوجاتهم، أكثر من اقتناص وهم السعادة، وإثبات ما هو غير ممكن ومنطقي، في ما يخص الجنس الخارق.

قرأ/ي أيضًا: من يحتاج إلى الجنس أكثر.. الرجل أم المرأة؟

تحولت داليا إلياس نفسها إلى حالة معملية، عوض الانصراف إلى ما أثارته من احتياجات طبيعية للنساء عمومًا، وبات الكل يصوب على تجارب زواجها الثلاث، بصورة موغلة في الابتذال والشخصنة، وهو هروب مبالغ فيه، ومحاولة انتقام، من سيدة حاولت أن تتكلم بصراحة، ولربما تجرأت بما تمتلئ به الغرف المغلقة، والرغبات المكبوتة، رغم أن ما ذكرته شكوى دائمة للأطباء، وحاضرة بكثافة في المجالات العلمية، والاستشارات التلفزيونية، وحتى في الاعترافات الخاصة، وهو حديث النساء والنكات، في مغاليق حياتهن، ولكنه يوصم بالعيب، متى أثير في العلن.

في محضر الشكوى اليومي من التعاسة الجنسية وافتقار العلاقة الحميمة لذروة الحب، لا يمكن وصم طرف بالتقصير، والأنانية، وتحميله المسؤولية لوحده، لأن هنا العلاقة مشتركة، والمفترض من الطرفين أن يمارسا دورًا نشطًا ومتساويًا، بحيث أن "لا تعني لا" وبالمقابل نعم تعني أن تحصل المرأة على كل ما تريده دون حرج، سيما وأن الحرج يعود بالأساس لطبيعة الثقافة والتربية، التي لا تسمح مطلقًا بتطوير تقاليد الممارسة الجنسية، ولا تستطيع المرأة تحديدًا أن تطلب الرجل عندما ترغب فيه، والأغرب من ذلك أن حصة العلوم في مدارسنا، لم تفارق درس "علامات البلوغ الظاهرة، دون شرح يفسد المنهج الغبي في التعاطي مع موضوع الجنس، عطفًا على جريمة الخفاض الفرعوني، التي تغض الحكومات الطرف عنها لضمان تأييد المجتمعات المحافظة لها، وهى جريمة موغلة في العذاب والحرمان، لدرجة استئصال شأفة الحياة.

إنه لأمر غريب فعلًا أن يدرج الجنس في السودان وكثير من البلاد العربية ضمن المسكوت عنه، ويوصم كل شخص يكتب أو يتحدث عنه بأنه "قليل أدب" وفي نفس الوقت تحطم الأرقام القياسية في التعاطي مع القصص الممنوعة، والأفلام الإباحية، إلى درجة أن مؤشر البحث غوقل يمنحك خيارات المواقع غير المحجوبة دون أن تطلبها، كما لو أنه متآمر وشريك في الإغواء بصورة ساخرة.

في رواية "موسم الهجرة للشمال" حاول الكاتب العظيم، الطيب صالح، التعبير عن المشكلة نفسها بطريقته البارعة، وكانت الرواية حافلة أيضًا بالدلالات السياسية، أي فكرة الصراع بين الحضارات، أنثى الغرب وفحل الشرق، فقدم بطله مصطفى سعيد في ثوب الفحل الأفريقي الذي تتلوّى في طقوس صلواته العربيدة المهيجة، نساء الغرب، جين مورس وآن همند وإيزابيلا سيمور، وبقية "الطرائد" التي اخترق ابن النيل عوالمها بفحش وقسوة، مرورًا أيضًا بشخصية "بنت مجذوب" المرأة المزواجة التي تحضر مجالس الرجال لتتحدث بالجنس وتحلف بالطلاق وتخلع الأزواج واحدًا بعد الآخر، ما يعني أنه دائمًا كانت هنالك نساء يفصحن بجرأة عما يدور في عوالمهن الخفية، حتى أن وزارة الثقافة السودانية حظرت نشر ودخول الرواية لسنوات طويلة.

ثمة خلط كبير في شكوى النساء، داليا وغريماتها، من الرجال الذين يفشلون في منح السعادة لرفيقاتهم، فهل المشكلة في عدم القدرة على الانتصاب، أو ما يعرف بالقذف السريع، أم أنهم يواجهون حالة من البرود لا يستطيعون حيالها تفسير المطلوب منهم بالضبط؟ وهنا تبدو المشكلة متوهمة، يسهل التغلب عليها، بعد فهمها، والتدرب على حيل وألاعيب جنسية متاحة، حتى لا يبدو توصيف حالة المعاشرة بين الأزواج، أشبه بأخرس يطلب من كفيف وصف الطريق الذي يريد أن يمشي فيه، وتظهر الفكرة المبتذلة المحرجة عن امرأة غير ملبّاة جنسيًا تفجّر غضبًا مدمّرًا.

صحيح هنالك مبالغات حول الجنس الخارق يبذلها الرجال عادة، وتجار الأعشاب البلدية، وقد رسختها أيضًا الأفلام الإباحية، حول طول فترة العلاقة، والتفاعل الهيستيري الناجم من المعاشرة السادية، ليس بالضرورة أن تحدث في الواقع، بذات التصورات المشاعة، فالأمر في النهاية تعبير عن متعة قصيرة، وقدرات بشرية محدودة، تختلف من شخص إلى آخر، وفقًا للحالة المزاجية والاستعداد النفسي، وربما لا تتعدى إحدى عشرة دقيقة، أو أقل من ذلك بكثير.

إحدى عشرة دقيقة، كما بدت في أشهر روايات باولو كويلو الذي أفلح في تصوير عالم الجنس، من خلال بطلته ماريا، التي كتبت في رقائقها السرية عن "سهرة هادئة؟ ألا ترين يا ماريا أنك تبالغين؟".  ليست سهرة فى الحقيقة، بل إنها خمسة وأربعون دقيقة. واذا اقتطعنا من حسابنا الوقت الذى يستغرقه التعري والمداعبات التى تصطنع الحنان وتبادل بعض العبارات المستهلكة وارتداء الملابس من جديد، فإن هذا الوقت يقتصر على إحدى عشر دقيقة فقط لا غير، "إحدى عشر دقيقة تشكل المحور الذى يدور حوله العالم".

ومن أجل تلك الدقائق المعدودة، تنشأ وتزدهر صناعة العطور وأدوات الزينة ودور الأزياء ومستحضرات التجميل والمبتكرات الطبية والرياضية لتنحيف الجسد، وتصدر المجلات وتصور الأفلام الإباحية، وألاعيب الجنس، وتطرح كافة أنواع المهيجات، والطلح، و"زبدة الشية" لمنح الجسد رقة وشهوانية، ويتزوج الناس تقريبًا، فهل نقبل بعد كل هذا بعلاقة فاشلة، تفضي إلى الطلاق، أو معايشة البؤس والنكد والشقاء؟

اقرأ/ي أيضًا: الأخوات السلفيات.. الجنس الشرعي دربك إلى الجنة! 

قرأت عديد المرافعات الذكورية، ممن أغضبهم التشهير بهم في معرض فيديو داليا، وتعاملوا مع الاتهام بنقص الفحولة، بتعميمٍ مُخل، وإهانة بالغة، وجرت على تدويناتهم لوم أيضًا للنساء بفقدان الجاذبية والإغراء، والتقصير في خدمة دقائق المتعة الجنسية، كما لو أنهم أرادوا القول إن "الفياجرا هي المرأة نفسها".

وبالتالي فإن الذين يستخدمون العسل الملكي أو المنشطات الجنسية الأخرى، ليس هذا مرده قلة الرجولة، أبدًا، وإنما تجريب أشكال مضحكة من الخدع السينمائية، وكسر قوالب ملل المعاشرة، ومحاولة اختراق الحدود اللاممكنة في الحياة، والبحث عن طرق جديدة لتناغم الخيال والجسد، أكثر من كونه معضلة تستوجب إضاءة الشارة الحمراء، والبكاء على موت هرمون التستسترون.