في خطوة كبيرة ومهمة وتعد انتصارًا كبيرًا في ملف رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب؛ أعلنت الحكومة السودانية في بيان صحفي أصدرته وزارة العدل الخميس الماضي، أنها توصلت إلى تسوية مالية مع أسر ضحايا العمل الإرهابي الذي استهدف المدمرة البحرية الأمريكية "كول" في أكتوبر من العام 2000.
بعد التفجيرات بسنوات، ادعى أقرباء الضحايا أمام محكمة فدرالية أمريكية أن تنظيم القاعدة ما كان ليستطيع تنفيذ الهجوم دون مساعدة من مسؤولين في الحكومة السودانية
وكانت محكمة فدرالية أمريكية قد قررت في العام 2007 ضمن حيثيات القضية التي رفعها أقرباء الضحايا، أن حكومة السودان مسؤولة مسؤولية مباشرة عن الهجوم الإرهابي، وفرضت عليها دفع تعويضات مالية لأسر الضحايا.
اقرأ/ي أيضًا: مفاوضات سد النهضة.. ترامب "يضغط" والخرطوم تستضيف اجتماع "خطّة الملء"
الهجوم على كول
في صباح الخميس، الثاني عشر من تشرين/أكتوبر من العام 2000، وبينما المدمرة الأمريكية تتزود بالوقود في ميناء عدن ضمن جدول أعمالها الروتيني، اقترب منها قارب صغير يحمل انتحاريين وشحنة من المتفجرات المجهزة خصيصًا لإحداث أكبر أضرار ممكنة في جسد المركبة. نجح المهاجمون في تفجير مركبهم في المنطقة بين الميناء والقطعة البحرية. أودى الانفجار والصدمة الناتجة عنه بحياة سبعة عشر من الطاقم وجرح تسعة وثلاثين آخرين، بعد أن أحدث فجوة كبيرة على جسد المدمرة. تم إجلاء المصابين بعدها مباشرة ونجح الطاقم في التحكم في فيضان المياه لداخل المركبة، لتنجو المدمرة من الغرق في الميناء اليمني.
أعلن بعدها تنظيم القاعدة مسؤوليته عن العملية، والتي تعتبر الأكبر والأكثر شهرة ضمن سلسلة الهجمات التي صارت تعرف فيما بعد باسم هجمات الألفية، والتي كانت من تخطيط وتنفيذ التنظيم.
بعدها بسنوات، ادعى أقرباء الضحايا أمام محكمة فدرالية أمريكية أن تنظيم القاعدة ما كان ليستطيع تنفيذ الهجوم دون مساعدة من مسؤولين في الحكومة السودانية، الأمر الذي أيده قاضي المحكمة روبرت دومار، وقضى بتعويضات مالية على الحكومة السودانية، والتي صرحت بدورها أنها بصدد استئناف الحكم، الأمر الذي لم يحدث أبدًا طوال عهد النظام البائد.
تعد قضية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب من أهم القضايا بالنسبة للحكومة الانتقالية السودانية وضمن أولوياتها العاجلة في ملفاتها الخارجية. وكان رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، قد قام بزيارة رسمية للولايات المتحدة في ديسمبر الماضي، عقب دعوة رسمية وجهت له من الإدارة الأمريكية لمناقشة ذلك الملف ضمن ملفات ساخنة أخرى. تباحث حمدوك في زيارته مع مختلف إدارات الحكومة الأمريكية بالإضافة لبعض المؤسسات الدولية وممثلين للسودانيين الأمريكان. صرح بعدها رئيس الوزراء أن الزيارة نجحت في تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث تم ترفيع التمثيل الدبلوماسي الأمريكي في السودان لدرجة تبادل السفراء، وهي خطوة مهمة في اتجاه تطبيع العلاقات بين البلدين. وأضاف أن جولته في الولايات المتحدة الأمريكية حققت اختراقات مهمة في ملف رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، إلا أن من أهم شروط الإدارة الأمريكية لتحقيق ذلك الهدف، هو دفع التعويضات المالية لضحايا العمليات الإرهابية التي تُحمِّل فيها الولايات المتحدة نظام الإنقاذ البائد المسؤولية.
وكان حمدوك قد أكد في مؤتمره الصحفي بمطار الخرطوم بعد الزيارة التي وصفها مراقبون بالتاريخية، استعداد الحكومة السودانية لدفع التعويضات في سبيل رفع اسم السودان من القائمة التي تمنع تدفق المساعدات والقروض، بالإضافة لوقوفها حجر عثرة أمام عودة السودان للساحة الدولية وتطبيع وضعه في المجتمع الدولي والمؤسسات العالمية.
بدا حمدوك متفائلًا بعد تلك الزيارة التي وصفها ب"الناجحة بكل المقاييس"، خصوصًا مع ما رشح عن وصول الحكومة لتفاهمات بخصوص تسويات مع أسر ضحايا العمليات الارهابية، باعتبار أن شرط التعويضات كان الشرط الأخير في قائمة المطالب الأمريكية لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
هذه الخطوات أكدها الاختراق المهم والكبير الذي حققته الزيارة الأخيرة لوزير العدل بالحكومة الإنتقالية نصرالدين عبدالباري والبيان الذي كشفت فيه وزارته أنها توصلت لتسوية مالية مع أسر الضحايا، تقدر قيمتها بثلاثين مليون دولار، مع تأكيد عدم مسؤولية السودان عن العملية الإرهابية في نص التسوية، الأمر الذي يبشر باقتراب إغلاق هذا الملف مرة واحدة وإلى الأبد.
اقرأ/ي أيضًا: انعقاد مؤتمر أصدقاء السودان والتزام بالمساهمة لتحقيق انتقال ديمقراطي ناجح
موقف الحكومة الأمريكية
من الواضح أن الإدارة الأمريكية، تستخدم قائمة الدول الراعية للإرهاب كأداة للضغط السياسي والحرب الاقتصادية على الدول التي تُدرج في القائمة. ولن تعمل أمريكا على إزالة دولة منها إلا بعد أن تحقق هي أقصى استفادة ممكنة من ورقة الضغط هذه لمصالحها الداخلية والخارجية.
يقول المثل السوداني "الكضاب وصلوا الباب" و يبدو أن هذه المقولة تختصر نهج حكومة حمدوك في التعاطي مع هذا الملف الصعب، خصوصًا مع وجود إدارة الرئيس الأمريكي المثير للجدل دونالد ترامب
وهو ما نراه في موقفها المتعنِّت والمتناقض تجاه السودان بعد الثورة؛ فقد كان السودانيون يحسبون أن الولايات المتحدة التي تدعي أنها تدعم التحول الديمقراطي والانتقال السياسي في السودان، كانوا يحسبون أنها لن تتردد ولو للحظة في رفع اسم السودان من القائمة بعد اسقاط نظام المؤتمر الوطني. ولكن، يبدو أن الأمور لا تسير بهذه الطريقة بالنسبة لأمريكا، وستواصل ممارسة تعنتها حتى تصبح التكلفة السياسية لابقاء السودان في القائمة أعلى من رفع اسمه منها، وهو ما نستشفه من امتناع المسؤولين الأمريكيين عن التصريح بخصوص التسوية الأخيرة.
يقول المثل السوداني "الكضاب وصلوا الباب" و يبدو أن هذه المقولة تختصر نهج حكومة حمدوك في التعاطي مع هذا الملف الصعب، خصوصًا مع وجود إدارة الرئيس الأمريكي المثير للجدل دونالد ترامب في سدة الحكم، واقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
اقرأ/ي أيضًا:
رئيس الوزراء في واشنطن.. مساران إيجابيان أمام السودان لتجاوز العقوبات
مستقبل شباب الإسلاميين بعد الثورة.. أشباح الماضي تطارد الجيل الجديد