26-يناير-2020

شركة "بلاك شيلد" (الموقع الرسمي للشركة)

قال عدد من الشباب السودانيين وبعض الأسر السودانية أنهم وقعوا ضحية لخطة مخادعة بدأت بوعد توفير وظائف بمجال الحراسات الأمنية في دولة الإمارات العربية المتحدة، ليفاجأ من تم التعاقد معهم وتسفيرهم لدولة للإمارات بنقلهم إلى معسكرات تدريب عسكري على الحدود الإماراتية السعودية.

قال "دفع الله" وهو أحد الناجين، أنه سافر برفقة آخرين عبر تذكرة سفر جماعية دون إجراء أي كشف طبي أو استخراج شهادة الخدمة الوطنية أو حتى إجراء "الفيش والتشبيه" الذي تقوم به المباحث لمنع سفر معتادي الإجرام والمطلوبين للعدالة

شبهة تورط جهات رسمية سودانية

وكشف أحد ضحايا الشركة المزعومة العائدين من معسكرات التدريب بالإمارات "الفرزدق دفع الله" عن تفاصيل مثيرة بخصوص التعاقد للعمل كحراس أمن استجابة للوظائف التي طرحت من قبل شركة "بلاك شيلد" للخدمات الأمنية، وهي شركة إماراتية، تعمل على استقطاب شباب سودانيين بواسطة وكالة للسفر والسياحة بالخرطوم. وقال "دفع الله" في حديثه لـ"الترا سودان" أنه سافر برفقة آخرين عبر تذكرة سفر جماعية دون إجراء أي كشف طبي أو استخراج شهادة الخدمة الوطنية أو حتى إجراء "الفيش والتشبيه" الذي تقوم به المباحث لمنع سفر ذوي السوابق والقيود الأمنية. وهو ما يشير إلى احتمال تورط جهات رسمية في السماح بسفر المجموعة دون أن تكمل إجراءات السفر الرسمية المطلوبة لمغادرة السودانيين عبر المطارات والمعابر إلى أي دولة أخرى.

بعض المتدربين من السودانيين بمعسكرات التدريب بالإمارارت

اقرأ/ي أيضًا: خطّة لإنعاش "سودانير" عبر شراء "8" طائرات من إيرباص

وقال "دفع الله" أنهم حين وصولهم للإمارات كان في استقبالهم مناديب شركة "بلاك شيلد" قاموا بسحب جوازاتهم وإقاماتهم ثم اصطحبوهم لمعسكر "غياتي" على الحدود الإماراتية السعودية، حيث مكث به الفرزدق عشرة أيام فقط قبل أن يتم ترحيله إلى مطار الخرطوم الدولي من حبس عسكري رسمي يحرسه جنود "كركون".

ضغط نفسي وعزل عن العالم

ويحكي الشاب السوداني "دفع الله" أنه والمجموعة التي سافرت معه، تفاجأوا بوصولهم إلى معسكر تدريب عسكري ولس مقر الشركة الأمنية المزعومة، حيث كانت في انتظارهم دفعة سابقة جاءت بذات الطريقة يشرف على تدريبها بحسب "دفع الله" ضابط سوداني بالمعاش برتبة رائد، كان يخدم سابقًا بأحد القوات النظامية بالسودان، وكان الضابط هو المسؤول الأول بالمعسكر، وقد جاء هو الآخر أيضًا دون الإجراءات المعهودة للسفر وعبر استثناء كما حدث مع الفرزدق ومجموعته. وأضاف "دفع الله" أنه والمجموعة التي رافقته، تعرضوا للضغط النفسي الحاد خلال التدريب بجانب إجراءات تأمين مشددة شملت جمع الهواتف من الجميع بجانب عزلهم تمامًا عن العالم الخارجي ومنعهم الخروج من المعسكر تحت أي ظرفٍ كان ومنعهم من التواصل مع ذويهم أو التصوير لأنهم بمنطقة عسكرية طوال مدة التدريب، والذي تتراوح مدته من شهر لثلاثة وربما ستة أشهر. وقال "دفع الله" أنه انزعج جدًا من واقعة حدثت له في المعسكر وتكررت، حيث استيقظ مرة من النوم بعد يوم منهك من التدريب ليجد أحد المشرفين وهو يقوم بأخذ صورٍ له، وتكررت تلك الحادثة معه ومع بقية المتدربين، فضلًا عن تسجيل جلسات المتدربين العادية كاملة.

يشير "دفع الله" لمحادثة قصيرة جرت بينه وبين أحد عمال المطبخ الآسيويين، ذكر له فيها أن قوات "الدعم السريع" كانت تتواجد باستمرار في المعسكر من قبل.

معسكرات تدريب شبيهة بالسجون

إضافة إلى وصف المعسكر بالمريب نسبة لتكرار المواقف التي تستدعي التساؤل بحسب تعبيره، يشير "دفع الله" لمحادثة قصيرة جرت بينه وبين أحد عمال المطبخ الآسيويين، ذكر له فيها تواجد أن قوات "الدعم السريع" كانت تتواجد باستمرار في المعسكر من قبل، بالإضافة لمنعهم بتاتًا الاقتراب من مخزن الأسلحة ذي الحراسة المشددة في حين كان يتم سؤاله مرارًا عن إمكانيته في التعامل مع الأسلحة الثقيلة واستمرار الرائد بترديد عبارة "الجيش ما بقع في عهدي" خلال الجلسات التنويرية للمتدربين بالمعسكر. وذكر "دفع الله" أن المعسكر مزود بأجهزة رصد واكتشاف قوية للهواتف المحمولة، كما ذكر تجاوز السلطات التي تدير المعسكر لصحة الأوراق الثبوتية الخاصة ببعض المتدربين، فقد كان من بينهم أطفال من "مواليد 2002" قائلًا "نحنا عشان سودانيين، بنمشي الأمور".

اقرأ/ي أيضًا: بعد حرق كنيسة مرتين في أقل من شهر.. السلطات تتعهّد بحماية الحريات الدينية

وقال "دفع الله" إنه عندما لم يطمئن قلبه للأمر توجه فورًا للرائد مطالبًا بالعودة إلى السودان قبل أن يفاجئه الأخير برفضه الطلب ما لم يكن يعاني مرضًا معديًا، يضيف، "كنا معزولين تمامًا عن العالم الخارجي، وليست لدينا أبسط الاحتياجات الآدمية للمعيشة اليومية، كل ما كنا نحصل عليه هو الأكل والشرب".

مع نفاد التموين الذي أحضره المتقدمون للوظيفة على أساس أن التدريب يستغرق (30) يومًا فقط لا غير كما قيل لهم، استسلم أغلبيتهم للتهديد حال طلبهم مغادرة المعسكر، وقبلوا بعرض القتال ضمن مليشيات في اليمن أو ليبيا، وختم "دفع الله" حديثه لـ"الترا سودان" بأنه صدم عندما تم تسليمه عقدًا عند للمعسكر كانت ضمن بنوده الإشارة لعقد أولي لم يتم من الأساس معه أو أي أحد مع زملائه.

القضية تثير الرأي العام

على صعيد آخر، انتشر مقطع مصور على مواقع التواصل الاجتماعي يتحدث فيه شقيق أحد الذين تقدموا لوظيفة حارس أمني لمستشفى أو أي مؤسسة داخل دولة الإمارات بحسب العقودات المطروحة من مكتب "الأميرة" للاستقدام الخارجي والتي يظهر عليها ختما سفارة السودان في أبوظبي والجهات الرسمية الإماراتية، مطالبًا الحكومة الانتقالية بضرورة التدخل وإعادة شقيقه وبقية الشباب السودانيين إلى موطنهم، موضحًا سوء حال أسرته وقلقهم على شقيقه الذي تفاجأ عند وصوله للإمارات بنقله لمعسكر تدريب أيضًا، حيث كانت الإجابة على أي سؤال منه أنه سيتلقى تدريبًا كافيًا لمساعدته في عمله هو ومن معه، مع انتباه الأسرة وقلقها على تقطع تواصل شقيقه معهم طيلة الثلاثة أشهر الماضية وهو داخل المعسكر أخبرهم الابن أنهم تم تخييرهم بأن "يا تمشوا اليمن يا تمشوا ليبيا مساندة للجيش الإماراتي"، مؤكدا رضوخ (240) شابًا سودانيًا للذهاب لإحدى البلدين مقابل إغراءات مالية ورفض (150) بما فيهم شقيقه. ليتم فصلهم بمعسكر آخر مع إجبارهم على ارتداء زي الدعم السريع ونقلهم لمكان غير معلوم "لدواع أمنية" على حد تعبيره.

 

اقرأ/ي أيضًا: مباحثات الخرطوم.. اللجان الفنية تفشل في التوصل لاتفاق بشأن الملء

ويذكر "أمجد البصيري" الذي وصلته عدة رسائل من ذوي بعض المسافرين قائلًا، كان هو أول من تحدث على وسائل التواصل الاجتماعي عن الأمر، وقال "وصلتني شكوى من إحدى المواطنات تفيد بسفر أخيها لنفس الوظيفة وانقطاعه عنهم. حتى تمكن أخيرًا من التواصل معهم ليخبرهم بتواجده في معسكر حربي مع إجباره على الاختيار تحت التهديد بين الذهاب إلى ليبيا أو اليمن لحراسة منشآت تابعة للشركة بأماكن عامة في البلدين.

أسر سودانية تنتظر تخليص أبنائها

ومع انتظار أسر الشباب الذين رفضوا العرض لعدم تطابق الخيارات المطروحة مع الوظيفة المذكورة في أصل العقد، وفقدان الأسر الاتصال مع أبنائها، يتزايد قلقها على مصير بنيها. يشير "البصيري" إلى تزايد المتسائلين من أسر الشباب الذين سافروا أو قدموا لنفس الوظائف عن مصير أبنائهم، فضلًا عن عودة العشرات من الشباب بعد اكتشافهم عملية الخداع، متحايلين بافتعال المشاكل والشجارات داخل المعسكر، زاد من قلق الأسر التي تنتظر عودة أبنائها أو سماع أخبار عنهم. ووفقًا لذلك كتب "البصيري" منشورًا بالخصوص تزايدت فيه التعليقات وحتى أن منسوبين لشركات سودانية متورطة في العملية تداخلوا وعلقوا فيه.

وقال الناجي "دفع الله" لـ"الترا سودان" أن أسر الشباب المفقود الاتصال بهم والمحتجزين حاليًا بمعسكرات تدريب بالإمارات ستنظم وقفة احتجاجية اليوم الأحد بالخرطوم للضغط على الحكومة السودانية استعادتهم من قبضة الإمارات. وبحسب "دفع الله" فإن كثيرًا من الأسر التي تواصلت معه ترفض اشتراك أبنائها للقتال كمرتزقة ضد شعوب المنطقة.

يقول "البصيري" وهو ناشط بمواقع التواصل الاجتماعي، أنه وصلته رسالة من أحد المتقدمين للوظائف المعنية بدولة الإمارات، ولديه قريب يعمل بالجيش، أخبره بالفرصة محذرًا إياه من عدم إضاعة ماله إن لم يريد بالفعل الالتزام بتدريب عسكري لثلاثة أشهر مع تقاضي أجر مجزي

وأضاف البصيري"أنه وصلته رسالة من أحد المتقدمين للوظائف المعنية بدولة الإمارات، ولديه قريب يعمل بالجيش، أخبره بالفرصة محذرًا إياه من عدم إضاعة ماله إن لم يرد بالفعل الالتزام بتدريب عسكري لثلاثة أشهر مع تقاضي أجر مجزٍ، وأوضح "البصيري" أن المتقدمين للوظيفة قاموا بإنشاء "قروب" على "واتس آب" للتواصل مع المتواجدين داخل المعسكر الذين علقوا بأنه المسألة "جيش عديل" وليست حراسات أمنية. بالإضافة لتأكيد أحدهم تبعية المعسكر لقوات "الدعم السريع" مع تولي بعض من قدامى ضباط الجيش السودانيين الإشراف والتدريب على أسلحة ثقيلة بزي عسكري.

الإمارات والتعامل مع المرتزقة

ويذكر أن تقريرًا أمميًا قد صدر سابقًا من فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا، يتهم السودان ضمن دول أعضاء في الأمم المتحدة قامت بخرق منظومة حظر الأسلحة المفروضة على الأراضي الليبية بإرسال ألف جندي من قوات الدعم السريع إلى الشرق الليبي لحماية بنغازي وتمكين اللواء المتقاعد "خليفة حفتر" من الهجوم على طرابلس في تموز/يوليو الماضي، بينما نفت القوات المسلحة السودانية في تصريح لها وجود أي قوات سودانية بصورة رسمية للقتال في ليبيا.

ولم يتسن لـ"الترا سودان" سؤال قوات الدعم السريع التي كانت تقاتل ضمن صفوف الإمارات والسعودية في الحرب باليمن، عن علمها باستخدام لباسها الرسمي لقوات مرتزقة أخرى. لصعوبة معرفة الجهات المسؤولة رسميًا بالسودان عن مليشيات الدعم السريع، ومواقع إدارتها.

 

اقرأ/ي أيضًا

السيادي: "المركزي" مستقل وتدهور الأمن في أبيي مسؤولية القوات الدولية

حادثة تفجير "الغرانيد".. الغموض سيد الموقف