22-أكتوبر-2015

شاب سوداني يتأرجح على مدفع دبابة في كردفان 2012 (Getty)

ما الذي يفعله الشباب في السودان، داخل أروقة أحزاب تعبد تاريخها، وتحكمها عقول شائخة تهوِّم خارج زمنهم الآني، من دون أدنى فرصة ليتقدموا فيها إلى صفوف اتخاذ القرار دون وصاية؟ 

ما يثير الدهشة هو انضمام الشباب، وهم يفورون رغبة في التغيير وتوقًا للديمقراطية، إلى حزب يحكمه "زعيمٌ حتى الموت"

يساورني هذا التساؤل وأنا أرى شبابًا ذوي قدرات عالية يضيعون في مماشي كيانات قديمة ومريضة، تحكمها الأسطورة والتقديس، دينيًا كان أم "ثوريًا"، فلا فرق كبير بين حزب يستند على طائفة دينية صوفيَّة ويدور حول أسرة مقدسة، مثل "الاتحادي الديمقراطي"، و"الأمة القومي"، أو حزب يُفترض فيه "التجاوز" مثل "الشيوعي" المحنَّط حول أفكارٍ أرثوذكسية وقيادة لم تخرج من حقبة الستينيات بعد، ناهيك عن أحزاب فلسفتها مبنية أصلًا على تقديس الفرد، مثل "البعث العربي الاشتراكي" و"الناصري". بل حتى الكيانات التي أنشئت لتكون "قوى حديثة" أصابتها العدوى فصارت كسيحةً طاردةً للشباب الذين قامت بهم ولهم- كما تقول دعايتها.

إن حزبًا يحكمه "زعيمٌ حتى الموت" في سن الصادق المهدي أو محمد عثمان الميرغني؛ مع احتمالية عالية لتوريث أبنائه الحزب والمفاهيم ذاتها؛ يثير الدهشة انضمام شباب إليه، وهم يفورون رغبة في التغيير وتوقًا للديمقراطية ولتصفيةِ فسادٍ عتيق! فلا شيء يشير إلى صلاحية حزب كهذا للعب دور "راعي الديمقراطية" أو "الساعي إلى التغيير". فلا الديمقراطية هي التي تسيِّره، ولا التغيير يمثل فلسفةً يهتدي بها في هياكله.

من تجربتي الشخصية، تتعامل الأحزاب مع شبابها، في أحسن الأحوال، كبيادق الشطرنج، والويل للبيدق الذي يفكر في الاعتراض أو مراجعة الأوامر، أو حتى فهم اللعبة، فوجودهم لا يعدو أن يكون "مكياج" تحاول به الأحزاب إخفاء تجاعيد الشيخوخة، أو منشِّطًا مؤقتًا لإخفاء تصلُّب شرايينها وعطب أجهزتها الداخلية، وفي ما عدا هذا، لا يُقرَّب من الشباب غير الممسوخين نُسخًا أخرى من الزعيم وتفكيره، في حالة أشبه بـ"العمالة الداخلية".

ستظل كل تحركات الأحزاب التقليدية السودانية محكومة، في رأيي، بركاكة تجعلها خارج التأثير، فلا خطابها عاد صالحًا، ولا آلياتها السلحفائية تماشي ركض الأحداث، ولا مفاهيمها المغبرَّة صالحة للهضم في زمن يدين بالشك والضجر. لذا تبدو محاولة بعض الشباب الانضمام إليها علَّهم يصيرون قطع غيار تدير الماكينات المعطلة، فتتحرك إلى الأمام؛ محض أحلام تهدر قواهم بدل استثمارها في اجتراح طرق جديدة تتفق وأهدافهم التي هي بالتأكيد ليست أهداف أولئك الأجداد وأحزابهم الأسرية.

يعلمنا التاريخ أن الرهان الذي لا يخيب هو الرهان على الشباب، ليس بمعنى صغار السن فقط، بل الشباب كفعل خالص، كأداة تقع مكان القلب في حركة التغيير الحتمية، فتصير متسقة مع إيقاع التاريخ دون نشاز ولا كبح من حالمين بالخلود وعيش أزمانهم وأزمان غيرهم وكأن ليس سواهم يصلح أن يُرى.

فلنلاحظ أن الهبّات والثورات التي اندلعت في السودان خلال العقدين الماضيين أشعلها شبابٌ، وهم وقودها، دون الخضوع إلى "رمز" ما، في عمر أجدادهم، فهل يكفي هذا للدلالة على ضمور التشكيلات التقليدية القديمة، وأن فعل التغيير يقتضي خروج الشباب من أزمان الأحزاب الميتة إلى كياناتهم الخاصة المعبِّرة عنهم وعن زمنهم، بدلًا من إهدار طاقاتهم في محاولة نفخ الروح في جثة تسمى "حزبًا تاريخيًا"؟ بالنسبة لي هذا يكفي تمامًا.

اقرأ/ي للكاتب:

فصول من قصة أيلول السوداني الدامي

أنا مع حصار بلادي!