25-أكتوبر-2019

مستشفى كسلا التعليمي (الجزير مباشرة)

من نافذة غرفة المرضى بمستشفى كسلا شرقي السودان، يمكن مشاهدة المجاري المائية المنفجرة من المراحيض وعلى مقربة منها مطعم استثماري داخل المشفى يقدم الوجبات، يصطف المرافقو ن للمرضى لشراء الطعام وكأنهم عجزوا عن فعل أي شيء جراء تدهور يحيط بهم من كل جانب.

عندما حصدت الحميات العام الماضي حياة العشرات وأصيب 11 ألف شخص في مدينة كسلا، كانت حكومة الوالي المعزول آدم جماع تلاحق الصحافة لكشفها معلومات عن الوباء، فهي ترى أن الصحفيين يقومون بإفشاء معلومات تهدد الأمن القومي.

لم تنفذ الحكومة خطة مكافحة الأوبة على الأرض رغم تحذيرات خبراء الصحة في الوكالات الدولية

وعادت مدينة كسلا التي تبعد 700 كلم شرق العاصمة السودانية الخرطوم، مرة أخرى إلى موجة الحميات وربما وضعت السلطات الصحية المحلية في هذه المدينة "استيطان الفيروسات" في طي النسيان، ولم تنفذ خطة مكافحة الأوبئة على الأرض رغم تحذيرات خبراء الصحة في الوكالات الدولية من أن عدم القضاء على الفيروسات يقود إلى خمولها فقط، حيث ستعود مع أول موسم أمطار.

اقرأ/ي أيضًا: حل إدارة العلاقات العامة بوحدة تنفيذ السدود

تصاعدت الدعوات الشعبية بالمدينة للتظاهرات والمطالبة بإقالة طواقم وزارة الصحة بولاية كسلا والتي تعتبر امتدادًا لنظام الرئيس المعزول، حيث تدار مدينة كسلا بذات الطاقم الحكومي الذي شهد حميات العام الماضي، ووقف مكتوفًا ما أدى إلى تجدد الوباء هذا العام. يجري ذلك في ظل عدم حدوث تغييرات جذرية الولايات التي تعاني من الوبائيات وشح الأدوية والمحاليل الوريدية، وهو اعتراف أدلى به أيضًا القيادي في قوى التغيير وهي المظلة السياسية للحكومة الانتقالية، عمر الدقير، الذي انتقد تدهور الأوضاع الصحية في كسلا وطالب بالإسراع في تكليف مدنيين لإدارة الولايات. جدير بالذكر أن هذه الفيروسات مستوطنة في التربة وتعود مع ظهور المستنقعات المائية بفعل الأمطار وأفادت معلومات من كسلا وفاة طفلة مساء يوم الأربعاء متأثرة بالحمى.

وقالت مصادر طبية أن جهاز عزل الصفائح الدموية بمستشفى كسلا متعطل، الأمر الذي يحول دون إحراز تقدم في علاج المرضى، مشيرة إلى عدم استجابة مسؤولي الصحة لحل الأزمة وعدم التحرك لاتخاذ إجراءات استباقية. وعانت كسلا التي تتزايد نسبة الفقر بين سكانها، في السنوات الأخيرة من سوء الإدارة والفساد على خلفية ولاة عينهم الرئيس المخلوع.

شهادات أهل الولاية

تقول ملاذ محمد عثمان وهي طالبة بجامعة كسلا أن "الحكومات التي تعاقبت على الولاية كانت فاسدة جدًا لدرجة بيع آلاف الأفدنة الزراعية والهروب بعائداتها" موضحة أن مسؤولين متورطين في صفقات الأراضي لم يقدموا للمحاكمة. وتدهور الرعاية الصحية لا ينفصل عن الفساد لأنه من الطبيعي أن تتفشى الحميات في مناطق تعاني من الفساد الإداري والمالي وتلوث البيئة واستيطان الفيروسيات.

الحكومة المحلية التي جاءت بعد الإطاحة بنظام البشير لم تستبق موسم الأمطار بتدابير وقائية للقضاء على الفيروسات المستوطنة بجانب عدم اتخاذ إجراءات سياسية بتعيين كفاءات في مجالات صحة البيئة والصحة البشرية.

وتضيف ملاذ (23 عامًا) "أن ثمة صفقة بين العسكريين والمدنيين لترك حكم الولايات للعسكريين بالتالي نتوقع تدهور الأوضاع".

وترى مسؤولة بمحلية كسلا فضلت حجب اسمها أن "التعيينات على أساس الولاء السياسي ومضايقة الكفاءات وإخضاعهم للتحقيقات إذا ما حاولوا تقديم وجهة نظرهم، أو نقلهم إلى مناطق الشدة في الأطراف لقتل أي طموحات للإصلاح، كل هذه الإجراءات أقعدت الخدمة الصحية بالولاية". وتضيف "أحمد يوسف وآدم جماع اللذان حكما الولاية على التوالي، دمرا المنطقة بشكل ممنهج ومارسا فسادًا ترتقي تهمته إلى عقوبة لسنوات".

ورغم محاولات وزارة الصحة الاتحادية التدخل بشكل مباشر لمكافحة الوبائيات بالولاية، إلا أن المسؤولين الذين يديرون القطاعات الصحية من الطب الوقائي، إلى مدير الصحة مرورًا بمدير المشفى الحكومي، فشلوا في التصدي للحميات وعجزوا عن تقديم خطة واضحة منذ العام الماضي لإخلاء المنطقة من الوبائيات.

مديرة الطب الوقائي بولاية كسلا في إجابتها العام الماضي عن سؤال حول تفشي الحميات قالت: "أنها غير مسؤولة عن ما حدث" لأنها كانت تقضي عطلتها السنوية. أصبحت هذه التصريحات مثار تندر من المسؤولة الحاصلة على بكالوريوس العلوم ودبلوم الصحة العامة، والتي جاءت للوظيفة بفعل التعيينات السياسية كما تقول مسؤولة لـ"ألترا سودان ".

ويقول مواطنو مدينة كسلا أنهم نادرًا ما يشاهدون فرق المكاتب الصحية تجوب الأحياء لنظافتها، أو العمل في مكافحة نواقل المرض، وفقًا للطرق الفنية المعمول بها في سنوات ماضية قبل انهيار الخدمات الصحية.

اقرأ/ي أيضًا: نقل رئيس المكتب التنفيذي للنائب العام السابق في ظروف غريبة

يقول حسين إدريس (55 عامًا) وهو ضابط صحة، أحاله نظام البشير للتقاعد الإجباري لعدم ولائه للحزب الحاكم أن "عدم إصحاح البيئة يهدد حياة الآلاف في مدينة كسلا، التي كانت الوجهة السياحية الأولى للسودانيين لكنها في السنوات الأخيرة تحولت إلى حاضنة للحميات والوبائيات بسبب الفساد السياسي والإداري والمالي". ويضيف أن"غالبية مسؤولي الإدارات والوزارت في كسلا من طبقة محددة تتداول هذه المناصب ثلاثين عامًا فيما بينها لا يغادرونها إلا ليعودوا مرة أخرى، وأغلبهم غير مؤهلين عينوا لولائهم السياسي فقط، بالتالي متوقع أن يحدث انهيار لصحة البيئة".

مئات الوظائف في صحة البيئة والرعاية الصحية ومكافحة النواقل عينوا فيها عمال لا علاقة لهم بالوظيفة، ويعملون في أقسام أخرى

ويؤكد حسين أن المحليات غير جديرة بتولي إدارة صحة البيئة والإشراف العام على الرعاية الصحية الأولية، لأنها لا تهتم بهذه القطاعات سوى في حدود جباياتها ورسومها. ويتابع حسين "مئات الوظائف في صحة البيئة والرعاية الصحية ومكافحة النواقل عين فيها عمال لا علاقة لهم بالوظيفة، ويعملون في أقسام أخرى ويشغلون هذه الوظائف باعتبارها مدخلا للخدمة".

وتقاوم الجماعات السياسية المسيطرة على ولاية كسلا الإجراءات الإصلاحية مسنودة بالطبقة المسيطرة على مقاليد الأمور، وبدا واضحًا أن ثمة انسجامًا بينهم، فيما تظهر الحكومة الانتقالية ارتباكًا واضحًا في ملف تعيين مدنيين حكامًا للولايات، تارة بالحديث عن تأجيله إلى ما بعد السلام مع الحركات المسلحة، وتارة أخرى بالتصريح عن أهمية تكليف ولاة مدنيين.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

وزير الصحة يصدر قرارات إقالة وتعيين بالمجلس الطبي

بينها إعفاء وكيل الوزارة وتحسين الرواتب.. حزمة قرارات لاحتواء غضب المعلمين