17-أكتوبر-2019

سيارات الدعم السريع للنقل العام!

خرجت قوات الدعم السريع التي يقودها الفريق محمد حمدان دقلو الشهير بـ (حميدتي) عضو المجلس السيادي الانتقالي، بثوب جديد في محاولة لتنظيف البزة العسكرية التي تلطخت بالدماء، سواء دماء المدنيين في مناطق الحروب بدارفور وجنوب كردفان، أو دماء المتظاهرين السلميين وضحايا مجزرة فض اعتصام القيادة العامة. تقدم قوات حميدتي نفسها هذه الأيام في ثوب المنقذ للموقف، في مواجهة أزمة المواصلات العامة التي ما تزال تتفاقم، بسبب قلة مواعين النقل العام الداخلي بالعاصمة الخرطوم، حيث أطلقت تلك القوات مبادرة لحل أزمة المواصلات الخانقة في الخرطوم، بإخراج مئات السيارات (بكاسي) مكشوفة الظهر ماركة (Toyota)  تمتلكها تلك القوات، لنقل المواطنين المصطفين في الطرقات الرئيسية منها والفرعية مجانًا، لمكان العمل أو لأحيائهم السكنية أو لأي محطة يود المواطنون الذهاب إليها.

اقرأ/ي أيضًا: جنوب كردفان والسيانيد.. القصة الكاملة لصناعة الموت والدمار

محاولة لتحسين صورة بشعة

يحاول الرجل وقواته المتفلتة، أن يجدوا في أزمة المواصلات العامة وسيلة لتلميع صورتهم أمام المواطنين السودانيين

رسمت السنوات الماضية ومجزرة فض الاعتصام من أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية، صورة بشعة في أذهان عديد السودانيين وغير السودانيين لقائد قوات الدعم السريع "حميدتي" المتهمة قواته بارتكاب العديد من المجازر، منذ تأسيسها على يد رأس النظام المخلوع عمر البشير. إلا أن عملية فض اعتصام القيادة العامة في 3 حزيران/يونيو من هذا العام، كانت هي أكثر المشاهد قربًا من ذاكرة المواطنين السودانيين، إذ ما يزال ذوو شهداء تلك المجزرة يذرفون الدموع على فلذات أكبادهم، وأسر المفقودين في بحث عن بناتهم وأبنائهم. أما الجرحى فمعظمهم في رحلة استشفاء وجروحهم طرية. بينما يحاول الرجل وقواته المتفلتة، أن يجدوا في أزمة المواصلات العامة وسيلة لتحسين صورتهم أمام المواطنين السودانيين، وكسب ود بعض الدول، مثل الاتحاد الأوروبي الذي أوقف الدعم عن تلك القوات تموز/يوليو الماضي، بعد أن كان يمول عملياتها التي تستهدف مكافحة الهجرة غير الشرعية عبر السودان.

يتحرك حميدتي منذ فترة ليست بالقريبة، عقب الإطاحة بالمخلوع البشير، ومجيئه نائبًا لرئيس المجلس العسكري الذي خلف البشير، في الظهور إعلاميًا كمن يقوم بتقديم الخدمات المجتمعية عبر مبادرات تطلقها قواته، لكن تلك المبادرات لم تجد الزخم الإعلام الكافي مثل مبادرة حل أزمة المواصلات العامة، حيث تقدم الرجل منذ مجيئه جزءًا من السلطة الانتقالية بالمبادرة السودانية للسلم والمصالحة، وحملة مكافحة نواقل الأمراض، والحملة العلاجية بمعسكر أبوذر للنازحين، ومشاريع قرى الاستقرار وإعادة التوطين بولايات دارفور، بجانب مبادرة تقديم المساعدات لمتضرري السيول والفيضانات بعدد من المناطق داخل وخارج الخرطوم. كل هذه التحركات التي يقوم بها الرجل، جاءت بمبادرة ذاتية وخارج الأطر الرسمية للمؤسسة العسكرية السودانية، التي يفترض أن يكون هو وقواته جزءًا منها، لكن أيًا من ذلك لم يحدث، فكل تلك المبادرات وخطوات الرجل التي يخطوها، تشير إلى أنه من العسير عليه التخلص من شخصية أمير الحرب التي لبسها في الدفاع عن النظام البائد قبل التخلي عنه في اللحظات الأخيرة، حيث تختلط شخصية أمير الحرب لدى الفريق حميدتي بشخصية الزعيم القبلي، لتقدم خليطًا معقدًا وعصيًا على التفكيك، يصعب معه فهم مرامي الرجل ودوافعه وراء كل تلك المبادرات، هل يعمل على تحسين صورته السيئة في أذهان السودانيين، أم أنه يطمح لحكمهم بتقديم نفسه كقائد سياسي خير ورجل دولة لقيادة المرحلة القادمة؟

سجل حافل بالانتهاكات واتهامات بارتكاب جرائم ضد مدنيين

"حميدتي" المتهم مع الرئيس المخلوع عمر البشير وآخرين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور عقب اشتعال الحرب هناك عام 2003، بدأت الاتهامات تلاحقه مع قواته من وقت لآخر منذ ذلك الوقت ووصولًا إلى مجزرة فض اعتصام القيادة العامة منتصف هذا العام، وقبلها أحداث الثامن من رمضان بميدان الاعتصام. كل ذلك خصم من رصيد الرجل الذي تولى منصب عضو بالمجلس السيادي الانتقالي في الحكومة الحالية، بعد الاتفاق الذي توصل له طرفا التفاوض (المجلس العسكري-قوى إعلان الحرية والتغيير) يوم 17 آب/أغسطس.

اقرأ/ي أيضًا: طلب لرفع الحصانة عن عسكريي السيادي يثير الجدل في السودان

جدل حول المبادرة

أثارت مبادرة قوات الدعم السريع بتخصيص المئات من السيارات للإسهام في حل أزمة المواصلات بولاية الخرطوم، جدلًا كثيفًا في مواقع التواصل الاجتماعي بين مشيدٍ ومؤيد للخطوة ورافضٍ مستهجنٍ لها. يقول خالد الحسين (موظف) لـ "الترا سودان" أن المبادرة جاءت في وقتها بسبب معاناة المواطنين اليومية في الوصول إلى أماكن عملهم والعودة إلى منازلهم، مشيرًا إلى أن عدم وجود مواصلات استفاد منه من أسماهم بضعاف النفوس من أصحاب المركبات العامة بزيادة سعر تذكرة الباصات أضعافًا مضاعفة. بحسب قوله.

 

"يجب أن لا ننسى ذلك، هناك شهداء سقطوا برصاص تلك القوات، علينا أن نتذكر على الدوام هذا الأمر .. ولا مساومة في ذلك"

فيما هاجم عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي هذه الخطوة، واعتبروها خطوة انتهازية لتجميل صورة "حميدتي" ومحاولة لمحو سجل انتهاكات قواته من ذاكرة السودانيين. ففي تدوينة على فيسبوك نبه "قصي مصطفي" إلى المجازر التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بدارفور وميدان الاعتصام بالقيادة العامة، قائلًا :"يجب أن لا ننسى ذلك، هناك شهداء سقطوا برصاص تلك القوات، علينا أن نتذكر على الدوام هذا الأمر .. ولا مساومة في ذلك"، مطالبًا المواطنين بعدم الاستجابة لمبادرات الدعم السريع، أو استغلال سياراتهم وأن على الحكومة توفير مركبات لنقل المواطنين.

حلول آنية ومحض تخدير للمواطن

يقول المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين الطبيب أمجد فريد أن هناك أزمة حقيقية في المواصلات ناتجة من الانهيار الاقتصادي، وظلت حكومة المخلوع عمر البشير تطرح حلولًا تخديرية وفوقية دون البحث عن حلول جذرية تخاطب أسباب المشكلة، وهذا يشابه منهج قوات الدعم السريع في تعاطيهم مع أزمة المواصلات، عبر تخصيص سياراتهم لنقل المواطنين. هذا ليس من دور قوات الدعم السريع أو أي قوات عسكرية أخرى، فهي ليست منوطًا بها معالجة الأزمة إلا في حالة الانتهاء من أدوارها الموكلة لها، وهذا يعتبر منهجًا مشوهًا لحل المشكلات التي يعاني منها المواطن السوداني.

"هناك مؤسسات تابعة للدولة من صميم مهامها حل مثل تلك المشكلات، ولا داعي لأن تستثمر فيها قوات الدعم السريع"

يمضي فريد مفسرًا أزمة المواصلات بأنها مشكلة حقيقية تحتاج إلى إعادة النظر في خطوط المواصلات، وتعرفة التذكرة للراكب، بجانب هيكلة الشركة العامة للمواصلات ولاية الخرطوم، وأضاف لـ"الترا سودان": "هناك مؤسسات تابعة للدولة من صميم مهامها حل مثل تلك المشكلات، ولا داعي لأن تستثمر فيها قوات الدعم السريع، لأن دورها الحقيقي حماية المواطنين وحدود الدولة، وليس حل مشكلة المواصلات، وعلى كل القوات النظامية أن تلتزم بتنفيذ مهامها الموكلة إليها". ووصف المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين ما تقوم به قوات "حميدتي" بأنه محاولة دعاية لها ولقائدها وحملة لـ"تحسين صورتها"، وهو أمر غير مقبول، لأن المبادرة خلقت حالة استقطاب في الشارع بين مؤيد ورافض للخطوة، مطالبًا إياها بالحفاظ على دورها المحدد وعدم الجنوح منه، مضيفًا "لا داعي للتسويق والدعاية والخلط بين المهام، عليها أن تلتزم بأداء دورها فقط".

اقرأ/ي أيضًا: الصحة تعلن رسميًا تفشي "حمى الوادي المتصدع" وتتعهد بالقضاء عليها

وكانت قوات الدعم السريع قد نشرت على صفحتها بـ"فيسبوك" رقمًا أطلقت عليه مركز النداء العاجل للطوارئ المختلفة، ويتلقى المركز اتصالات بغرض التواصل، ويعمل هذا المركز على مدار الساعة لتلبية نداءات الطوارئ المختلفة، كما يتلقى بلاغات متعلقة بانتحال صفة أفراد الدعم السريع. وذكر أحد موظفي المركز فضل حجب اسمه، لـ"الترا سودان"، أن الهدف من المركز هو تلقى الشكاوى والبلاغات المتعلقة بمنسوبي قوات الدعم السريع، والتواصل مع المواطنين لحل المشكلات التي تواجههم لأن هذا المركز للعلاقات العامة.

أما صمت الحكومة تجاه تحركات "حميدتي" فيفتح الباب أمام سؤال يعد منطقيًا عند الكثيرين: هل الجهاز التنفيذي راضٍ عن تلك التحركات أم أن هناك نقاشًا داخل مؤسسات الحكم لوضع الرجل ضمن حجمه الحقيقي ومهامه الرسمية واختصاصاته فقط؟ وفي الأثناء خرج رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في حديث سابق له عن أزمة المواصلات، متعهدًا بالحل، بينما أعلن والي الخرطوم الفريق أحمد عابدون اعتزام الولاية صيانة الطرق ومداخل ومخارج المواصلات وإزالة التشوهات في الطرقات العامة، بجانب تخفيض رسوم الترخيص للمركبات العاملة في مجال نقل الركاب، ووضع ملصقات توضح مساراتها لمنع الفوضى في النقل، مشيرًا إلى وصول (390) حافلة من خارج البلاد خلال الأسابيع المقبلة، كما أن القطار المحلي  لنقل الركاب داخل العاصمة سيبدأ العمل في شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

وزير الصحة يصدر قرارات إقالة وتعيين بالمجلس الطبي

بينها إعفاء وكيل الوزارة وتحسين الرواتب.. حزمة قرارات لاحتواء غضب المعلمين