04-أغسطس-2022
دولار

الدولار الجمركي

طبقت هيئة الجمارك زيادةً في "الدولار الجمركي" من (455) إلى (564) جنيهًا للدولار - وفقًا لوسائل إعلام محلية. وتخوف عددٌ من المراقبين من مفاقمة هذه الزيادة لمعاناة المواطنين، وعدّها خبراء واقتصاديون تجليًا لفشل الدولة في حل المشكلة الاقتصادية، فيما حذر آخرون إلى من تأثيرها السلبي في الاقتصاد بزيادة معدلات التضخم المرتفعة سلفًا.

محلل اقتصادي: إدارة الحكومة لملف الجمارك عمومًا اتسمت بالفوضى من دون أي رؤية إستراتيجية

وقالت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي إن ما تم تداوله بشأن زيادة الدولار الجمركي "غير صحيح وفيه كثير من اللبس والخلط".

ونفى الناطق الرسمي باسم وزارة المالية الدكتور أحمد الشريف محمد في بيانٍ اطلع عليه "الترا سودان" صدور أيّ قرار من الوزارة بزيادة "الدولار الجمركي". وأضاف: "سعر الدولار لدى الجمارك يتحرك مع التغير في سعر الصرف وفقًا لسياسات بنك السودان المتبعة في هذا الشأن".

ومن جانبها قالت هيئة الجمارك إنه ومنذ الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة في يونيو 2021 "لم يعد هناك ما يسمى بالدولار الجمركي". وأضافت في توضيحٍ اطلع عليه "الترا سودان" أنها تعمل بمؤشر أسعار بنك السودان المركزي للعملات الأجنبية لغرض تحصيل الرسوم الجمركية "تنفيذًا لسياسات الدولة الاقتصادية".

وأفادت هيئة الجمارك بأن ما تم تطبيقه في مطلع آب/ أغسطس الجاري (من دون أن تسمّيه) كان "وفقًا لسياسات الدولة الاقتصادية ومؤشر أسعار العملات الأجنبية لبنك السودان المركزي".

https://t.me/ultrasudan

سرد تاريخي

وفي شباط/ فبراير 2021، أعلن البنك المركزي السوداني عن توحيد سعر صرف عملته المحلية الجنيه (تعويم جزئي) أمام الدولار والنقد الأجنبي في محاولة للقضاء على "الاختلالات الاقتصادية والنقدية".

وخفض المركزي السوداني السعر "التأشيري" لعملته من (55) جنيهًا للدولار إلى (375) جنيهًا في أول أيام القرار وبعد نحو أكثر من شهر من التطبيق استقر سعر الصرف عند متوسط (380) جنيهًا. وفي آذار/ مارس من العام نفسه أعلنت الحكومة الانتقالية عن زيادة الدولار الجمركي من (15) إلى (20) جنيهًا سودانيًا أي بنسبة (33%).

وفي الأول من نيسان/ أبريل 2021، طبقت هيئة الجمارك زيادةً أخرى على قيمة الدولار الجمركي بنسبة (40%) ليصبح (28) جنيهًا بدلًا عن (20) جنيهًا. وفي حزيران/ يونيو من العام نفسه فرضت الحكومة زيادات كبيرة على الدولار الجمركي ليرتفع من (28) جنيهًا إلى (445) جنيهًا للدولار. ولم تتوقف الزيادة عند هذا الحد، فقد أعلنت الحكومة في أيار/ مايو 2022 عن زيادة جمركية جديدة على عدد من السلع لتغطية عجز الإيرادات في الموازنة العامة، وأبقت على سعر الدولار الجمركي من دون تعديل عند مبلغ (445) جنيهًا سودانيًا.

كذب حكومي

يقول المحلل الاقتصادي محمد المصباح لـ"الترا سودان" إن الحكومة حين حررت سعر الصرف في حزيران/ يونيو 2021 عند سعر (350) جنيهًا للدولار، كان يفترض منذ تلك اللحظة أن يتم تعديل الدولار الجمركي في أنظمة الجمارك دوريًا (يوميًا أو أسبوعيًا) حسب سعر الدولار الذي يعلنه البنك المركزي، وهو ما "لم يحدث" - طبقًا للمصباح.

ويضيف المصباح: "قامت الجمارك بتثبيت سعر الدولار الجمركي في حين استمر سعر الصرف الحقيقي في الازدياد لمدة من الزمن، وانتبهت الحكومة إلى ذلك مع إعداد الموازنة الجديدة وإجازتها في مطلع العام الحالي فزادت الدولار الجمركي فجأةً من (350) إلى (445) جنيهًا لزيادة الإيرادات بالعملة المحلية".

ولفت المصباح إلى أن الحكومة لم تحرك سعر صرف الدولار الجمركي بالتزامن مع زيادته في السوق مرةً أخرى وكررت الخطأ نفسه. وعلى الرغم من أن السعر ارتفع منذ كانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير من العام الحالي وظل في مستواه الحالي عند حدود (565) إلا أن الحكومة لم تزده إلا "فجأةً أيضًا" خلال هذا الأسبوع في الأول من آب/ أغسطس الجاري.

وفيما تنكر الحكومة وجود "دولارٍ جمركيٍ" من الأساس منذ يونيو 2021، وتزعم أنها تأخذ بسعر البنك المركزي، يتهمها المصباح بـ"الكذب"، ويؤكد أنها لم تلتزم بسعر الدولار في البنك المركزي طوال الفترة السابقة.

وعن أثر زيادة الدولار الجمركي (زيادة تقييم الدولار في الجمارك) يقول المصباح إنها ستؤدي إلى زيادة الجمارك على كل السلع المستوردة بنحو (27%) وإلى زيادة السلع غير المستوردة بنسبة أقل بطريقة غير مباشرة.

غياب الرؤية

ويرى المصباح أن إدارة الحكومة لملف الجمارك عمومًا "اتسمت بالفوضى من دون أي رؤية إستراتيجية". إذ كانت المالية تزيد الجمارك على بعض السلع "بصورة عشوائية تمامًا" -طبقًا للمصباح- ومن دون اعتبارٍ لمرونة السلع وعلاقاتها المتداخلة بهدف زيادة الإيرادات فقط. ويقول المصباح إن هذا النهج سيؤدي إلى "نتيجة عكسية في الإيرادات" نفسها، ويتوقّع أن تنخفض بدلًا عن الارتفاع نتيجةً لانخفاض حجم الاستيراد بمعدل يفوق الارتفاع في التعرفة الجمركية للسلعة المعينة، بالإضافة إلى الآثار الجانبية على الحركة الاقتصادية والإنتاج المحلي.

خبير اقتصادي: زيادة الدولار الجمركي ستؤدي إلى نتائج عكسية وتفاقم معاناة المواطن الحياتية

فشل ومعاناة

يقول الخبير الاقتصادي هيثم فتحي في حديثه لـ"الترا سودان" إن قرار زيادة سعر الدولار الجمركي محاولة من الحكومة لمعالجة تعدد أسعار الصرف للعملات الأجنبية خاصةً الدولار، موضحًا أن الهدف من الزيادة هو "توحيد سعر صرف الدولار" في السودان وزيادة الإيرادات الحكومية. ويوضّح قائلًا: "ألغي الدولار الجمركي كمصطلح، ولكن تمضي الحكومة في اتجاه توحيد سعر صرف الدولار الآن".

وأشار فتحي إلى أن الخطوة أتت في إطار التزامات الحكومة مع صندوق البنك الدولي بإعادة هيكلة المالية بالدولة وتقليص نسبة العجز في المالية العامة للدولة كجزء من الإصلاحات التي تم الاتفاق عليها مع الصندوق.

وأوضح فتحي أن هذه الزيادة ستؤدي إلى "مفاقمة المعاناة الحياتية للمواطن"، مبينًا أن القرار سيؤدي إلى استيراد بضائع "أقل جودة" لتقليل تكلفة الاستيراد إلى جانب زيادة أسعار المواد المستوردة عمومًا، متهمًا الحكومة بالعمل على "توسيع دائرة التهريب" بكل أنواعه، ولافتًا إلى أنها سبب في العزوف عن الاستيراد ما يؤثر في إيرادات الدولة – طبقًا لفتحي. وتابع: "بالإضافة إلى الاختلال في تدفق المواد الغذائية في ظل الظروف الحالية وانخفاض قيمة الجنيه السوداني".

ويقول فتحي إن هذه الزيادة ستكون عكسية ولن تحقق الإيرادات التي رفع من أجلها الدولار الجمركي، لافتًا إلى ما قال إنه "فشل واضح" من الحكومة في حل مشاكل الصادر والوارد. ويضيف أن القرار سيؤدي أيضًا إلى "زيادة كبيرة في أسعار جميع السلع وتراجع في الإنتاج" ما سينعكس على "معاناة المواطن" – على حد قوله.

أما بالنسبة إلى تطبيق الدول الأخرى زيادة سعر الدولار على طريقة السودان، يقول الدكتور هيثم فتحي إن جمهورية مصر أقدمت على ذلك في عام 2017، أما بقية الدول فقد جعلت الدولار "عملة حرة".

دعوات لوقف الاستيراد

واحتجاجًا على ما أسمته "زيادة سعر الصرف للعملات الأجنبية في النظام الجمركي"، دعت الغرفة القومية للمستوردين منسوبيها كافة إلى وقف الاستيراد وعدم سداد الرسوم الجمركية والضريبية وأي رسوم حكومية أخرى لثلاثة أيام ابتداءً من الأحد المقبل.

وتأسّف بيانٌ لغرفة المستوردين على هذه القرارات ووصفها بـ"الارتجالية والجائرة وغير المدروسة"، لافتًا إلى أنهم لم يُشركوا فيها على الرغم من أنهم "طرف أصيل" في هذه القرارات - على حد تعبير البيان.

وأشار البيان إلى التطورات والزيادات التي طرأت على القطاع الخاص وخاصةً قطاع الاستيراد، لافتًا إلى ما ترتب عليها من وقف "شبه كامل" للاستيراد ما انعكس على إيرادات الدولة ومعيشة المواطن - طبقًا للبيان.

تضخم وكساد

ويذهب الخبير الاقتصادي عبدالله الرمادي في حديثه لـ"الترا سودان" إلى أن على وزارة المالية تعديل قيمة الدولار الجمركي بين الفينة والأخرى، موضحًا أن الزيادة فرضها "الوضع الحالي"، ومضيفًا: "على الوزارة تثبيت السعر في فترة معينة ليتمكن المستورد من جرد حساباته". وتابع الرمادي: "واقع الحال يفرض على وزارة المالية أن تعدل السعر بما هو سائد في ظل معدلات التضخم التي بلغت (200%)".

وأوضح الرمادي أن السودان ثاني دولة في العالم من حيث ارتفاع معدلات التضخم. وأشار إلى أن القوة الشرائية للعملة تتآكل في مثل هذه الظروف وأن المبالغ التي ورّدتها وزارة المالية في فترة معينة فقدت قوتها الشرائية – على حد قوله.

ولفت الرمادي إلى أن رفع سعر الدولار الجمركي "ضروري" حتى يواكب ما أسماه "السعر الواقعي"، لكنه رجع وقال إنه سيؤثر سلبًا في الاقتصاد ويؤدي إلى زيادة سعر البضائع المستوردة ويفاقم مشكلة التضخم ويزيد من معاناة المواطنين ويصعّب عليهم شراء السلع.

أما فيما يخص زيادة الدولار الجمركي في السودان مقابل تطبيق الزيادة في الدول الأخرى، يقول الرمادي إن لكل دولة لها ظروفها الخاصة، لافتًا إلى أن السودان يمر بظروف متأزمة من الناحية الاقتصادية والسياسية والأمنية. ويضيف: "الأمر يمضي نحو الأسوأ". ويتابع قائلًا: "دخلنا الآن مرحلة الكساد الاقتصادي، وهذا آخر مراحله".

عبء إضافي

وقال مبارك الفاضل المهدي رئيس حزب الأمة إن زيادة الدولار الجمركي "لن تزيد من إيرادات الدولة"، موضحًا أنها قلصت الواردات ما أدى إلى "نقص كبير في إيرادات الدولة من الجمارك".

المهدي: هذه الزيادات ستضع عبئًا إضافيًا كبيرًا على كاهل الشعب من دون مردود إيجابي على الاقتصاد

وأضاف مبارك في تغريدة له على تويتر: "هذه الزيادات ترفع الأسعار بنسبة كبيرة لا تقل عن (50%) ما يضع عبئًا إضافيًا كبيرًا على كاهل الشعب من دون مردود إيجابي على الاقتصاد".

وتابع المهدي في تغريدته قائلًا إن هذه الزيادات مع الامتناع عن تمويل الإنتاج الزراعي والصناعي وعدم شراء القمح من المزارعين يؤكد أن وزير المالية ومحافظ البنك المركزي قد "ضلوا الطريق" - على حد تعبيره.