03-ديسمبر-2021

عمود الفن السوداني عبد الكريم الكابلي

"هزمتك ياموت الفنون جميعها، هزمتك ياموت الأغاني في بلاد الرافدين، مسلة المصري، مقبرة الفراعنة، النقوش على حجارة معبد، هزمتك وأنتصرت وأفلت من كمائنك الخلود؛ فاصنع بنا وأصنع بنفسك ماتريد"

"محمود درويش"

 

في ليلة عصيبة نقل لنا فيها عبر وسائل التواصل الاجتماعي سعد الكابلي نجل الأستاذ الكبير والملحن عبدالكريم الكابلي، خبر وفاته في صبيحة 3 كانون الأول/ديسمبر 2021، عن عمر يناهز (88) عامًا، أفناها في التراث السوداني والفن الأصيل.

 

 

الكابلي: الفن في حياتي ضرورة

بدأ الكابلي الغناء في عمر مبكر منذ الثامنة عشر، وكان يكتب ويلحن الأغاني ويغنيها في دائرة الأصدقاء والأهل فقط، وقد تعلم العزف على آلة العود وأتقنها وظل يدندن ويجول بها في جلسات على نطاق ضيق.

اقرأ/ي أيضًا: شيخ الناشرين السودانيين مودعًا في نوفمبر

أتته الفرصة العظيمة أول مرة في شباط/نوفمبر من العام 1960 عندما قدّم رائعة الشاعر تاج السر الحسن: "أنشودة آسيا وإفريقيا"، في حضور الرئيس جمال عبد الناصر، والذي كان الكابلي من مناصريه.

من بعدها انطلق الكابلي يجول بفنه كل بقاع العالم ينشر الألحان، وقد قال في حوار أجرته معه المذيعة رفيدة يس في فيلم وثائقي عن حياته: "الفن في حياتي ضرورة".

وقد قدم كل أطياف الشعب السوداني التعازي لأسرة الراحل الكبير، منهم رئيس الوزراء الانتقالي عبدالله حمدوك، والمذيعة رفيدة يس، ورئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير.

 

 

 

 

بداياته

نشأ الكابلي في بيئة فنية، فقد كان لوالده عبد العزيز الكابلي صالون ذو سمعة وصيت في مدينة بورتسودان يؤمه العديد من أصحاب الفن والمكانه منهم رئيس الوزراء الأسبق محمد أحمد المحجوب.

يقول الكابلي إن الفن يولد مع الإنسان في المقام الأول، ومنذ البدايات الأولى في المرحلة الثانوية أتقن العزف على آلة الصفارة، وقد كان الأستاذ صالح ضرار أول من اكتشف موهبة الكابلي أثناء تدريب مجموعة على بعض الأناشيد المدرسية الوطنية، فأصبح من الأساسيين في المجموعة منذ ذلك الوقت.

اقرأ/ي أيضًا: الموسيقى السودانية.. أحاديث عن الخماسية السمراء

غريب والغربة أقسى نضال

النضال الذي قاساه الكابلي الفنان في الغربة عن الوطن أقسى نضال، وغنى لها: "غريب .. والغربة أقسى نضال .. غريب .. والغربة سترة حال". وبالرغم من ذلك لم تخصم منه بل كانت دافعًا للاستمرار والعطاء، بالرغم من الجدل الكبير الذي ظهر بعد حصوله على الجنسية الأمريكية وكيف أن الكابلي قد نسي السودان، ولكن لم يشعر أحدًا من المقربين له أو محبيه ببعده، فقد يكون قد هاجر بجسده ولكن ما زالت أغانيه ووجدانه حيًا متواجدًا في السودان.

وقد صرّح كثيرًا في لقاءاته عن سعادته بنيل الجنسيه الأمريكية، لأن أمنيته الحقيقية هي الحصول على أكثر من (30) جنسية حتى يصبح مواطنًا عالميًا، ويشارك في كل بلد في الانتخاباته ويساهم بصوته، مع تمسكه بالجنسية السودانية.

وعند سفره للمملكة العربية السعودية وإحساسه بالبعد عن أهله وموطنه كتب الكابلي: "أدور حولك باحساسي .. ربيع بيغازل النوّار .. وأشيلك جوة أنفاسي .. عشان أطفي اشتياقي الحار".

لم يغنِ الكابلي لرئيس أو حاكم سوداني بعينه، بل وجّه كل غنائه للشعب والوطن

الوطن في أغنياته:

يُعتبر الكابلي من الفنانين الذين تغنوا بحب الوطن في مختلف المناسبات، ودعمه للثورات ونضال الشعوب، وعلى مر الحكومات على السودان لم يغنِ الكابلي لرئيس أو حاكم، بل وجه كل غنائه للشعب والوطن، ويقول الكابلي أن أي غناء يصدر من فنان سوداني بكلمات سودانية وألحان سودانية هو غناء للوطن، حتى وإن تغزل في المحبوب، فالمحبوب هو الوطن.

غنّى الكابلي قمر دورين، وأوبريت السودان، وعيدك يا بلادي، والسودان الجديد، وغيرها الكثير من الأغاني الوطنية المحفورة في وجدان الشعب السوداني.

الكابلي المؤرخ

لم يتوقف عطاء الكابلي على الغناء فقط، بل كان باحثًا في التراث الشعبي السوداني، وقد عُرف بفنان المثقفين بسبب غنائه للقصائد العربية القديمة والمعلقات، وصنع الغناء السوداني صناعة، عن طريق كتابته وتلحينه للمفردة السودانية الشعبية، وقد كانت رسالته منذ البدء رفع المستوى الفني، وقد أحب الغناء الشعبي القديم "غناء الشكارات" لما يحمله من مفردات جميلة وعميقة، فقد تغنى الكابلي بأغاني شهيرة عنه منها: "الشيخ سيروه"، والتي يستعرض فيها محاسن الشيخ وكرمه وهو يسير إلى عروسه.

قدّم الكابلي للوطن ما يزيد عن الخمسين عامًا من الفن الأصيل، والطرب العالي، والغناء المدفوع برغبة شديدة للانعتاق والحرية، حتى صار من أعمدة الفن السوداني، وضيف عزيز في مسامع السودانينن، ومحطات الراديو والتلفاز.

اقرأ/ي أيضًا

"الألم نفسه" على خشبة المسرح الوطني بالعاصمة المغربية الرباط

غوغل" يحتفل بالراحل الفيتوري في عيد ميلاده