29-يناير-2024
 شاحنة بوكس في رحلتها عبر الصحراء إلى مصر

تحف رحلة الهجرة إلى مصر عبر الصحراء العديد من المخاطر (الترا سودان)

عبر الصحراء شمال البلاد، أوجد أبناء السودان لأنفسهم ملاذًا جديدًا من الحرب في رحلات التهريب عبر الحدود إلى مصر، خاصة في أعقاب فرض قيود على تأشيرة الدخول لدولة مصر منذ أيار/مايو من العام الماضي، والتي كان يعتبرها البعض بمثابة منجى لهم. وبعد أن أكملت الحرب شهرها التاسع دون أن تضع مولودها، تبدو الأوضاع أكثر ضبابية والحلول قد لا تكون مجدية للكثيرين ممن فقدوا حيواتهم وذكرياتهم في المدن التي تبدو أكثر تضررًا من الحرب، بمن فيهم ياسر النور الذي كان أحد المهاجرين السودانيين في الرحلات التي تحفها المخاطر إلى مصر، إذ يقول لـ"الترا سودان" أنه بدأ رحلته من مدينة عطبرة ، مؤكدًا أنه بات ليلة كاملة في الصحراء مع أسرته التي بها ثلاثة أطفال قرر من أجلهم الدخول إلى مصر بطريقة غير شرعية حتى يلتحق أبناءه بصفوف الدراسة.

رحلات التهريب كما يطلق عليها في السودان، تبدو مشاقها أقل من مدينة حلفا الواقعة أقصى الشمال في السودان مع الحدود المصرية بحسب شهادات مسافرين

رحلات التهريب كما يطلق عليها في السودان، تبدو مشاقها أقل من مدينة حلفا الواقعة أقصى الشمال في السودان مع الحدود المصرية بحسب شهادات مسافرين، إذ يؤكد سائق أحد سيارات الـ"بوكس" التي تقل المسافرين أن رحلة التهريب عبر الحدود تبدأ من حلفا إلى مدينة أسوان جنوبي مصر، وتستغرق سبع ساعات. بل أنه يدخل المسافرين إلى المدينة بسيارة واحدة، وذلك عكس ما شاع عن رحلات التهريب، والتي تقوم بتبديل المسافرين في الحدود المصرية بسيارة أخرى بلوحات من جمهورية مصر العربية، ويقودها أحد السائقين ممن يحملون الجنسية المصرية، فيما تستغرق الرحلة من يوم إلى يومين في غالب الأحيان. ويضيف هذا السائق أن هذا الطريق المختصر يكلف المسافرين مبلغ وقدره (400,000) جنيه سوداني، فيما تبلغ تكلفة السفر بالطريق الطويل الذي تحفه المخاطر مبلغ (200,000) جنيه سوداني للفرد الواحد.

شبكات محكمة

في أعقاب الوصول إلى أسوان وعند "الكسارات" يبدأ القلق يتسلل إلى نفوس المهاجرين، وذلك بعد أن يطلق سائقو "التكاتك" هناك عباراتهم المعهودة بصوت مرتفع، والتي لا يبدو أن صداها له وقع جيد على من قرر أن يسافر في هذه الهجرات المخيفة التي تحفها المخاطر، وهم يلاحقون السيارات التي تقل المهاجرين يمينًا ويسارًا محاولين إيهامهم بأن السلطات المصرية قد نشرت أفراد الشرطة من أجل القبض عليهم، وذلك في محاولة منهم لإقناع المهاجرين أن يستأجروا مركباتهم منهم من دون تفكير. وبحسب شهادات، فإن الكثير ممن انصاعوا لهذه الإرهاصات فقدوا هواتفهم وممتلكاتهم الثمينة جراء الوقوع في أيدي العصابات. 

بينما يؤكد سائق البوكس لـ"الترا سودان"، أن رحلاتهم تتميز بالأمان المطلق، وأنهم يمتلكون شبكات محكمة في مصر والسودان حتى يؤمنوا وصول الرحلات بسلام دون التعرض للعصابات أو عمليات الاحتجاز.

وفي السياق، يؤكد شهود عيان أن هنالك عدد مقدر من السودانيين ممن دخلوا للأراضي المصرية بطرق غير شرعية تم إلقاء القبض وترحيلهم إلى مدينة حلفا، بينما قضى البعض فترات طويلة في سجن أبو سمبل وغيره من السجون المصرية قبل الترحيل بحسب منشورات في مواقع التوصل الاجتماعي. وفي المقابل نجح الآلاف في الحصول على البطاقة الصفراء من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والتي تضمن لهم إقامة آمنة في دولة مصر دون التعرض للترحيل أو الاحتجاز لمدة تصل حتى (18) شهرًا قابلة للتجديد.

عمليات احتيال

بدأت تنزيل محمد برفقة أسرتها رحلتها من مدينة مدني بعد أن قضت أربعين يومًا تعاني من الحرب وويلاتها، وتقول لـ"الترا سودان" إن قوات الدعم السريع قامت بسرقة سيارة زوجها ومقتنيات المنزل المكون من طابقين. بعد هذه الحادثة قررت تنزيل أن تغادر برفقة أسرتها إلى مدينة دنقلا ومن ثم إلى حلفا حيث ستكون نقطة الانطلاق إلى مصر. وعلى غير العادة تؤكد تنزيل أنها مرت بنقاط تفتيش كثيرة في الولايات بحيث تقارب عدد نقاط التفتيش في حلفا وحدها الخمس نقاط، مؤكدة أن ذلك جعل السفر أكثر مشقة وإرهاقًا.

وتضيف أنهم كانوا قد اتفقوا مع أحد السائقين الذي ينشط في أعمال الهجرات غير الشرعية، مشترطين عليه أنهم لا يملكون محل إقامة في مدينة حلفا، بينما أكد لهم أن الرحلة ستكون في نفس يوم وصولهم للمدينة مساءًا، بينما سيقوم باستقبالهم في منزله إلى ذلك الحين. مضت الساعات ثقالًا بعد وصولهم إلى منزل المهرب والذي لم يجدوه فيه، واستقبلهم أحد إخوته وزوجته ووالدته بحسب تنزيل التي  أكدت أنهم كانوا في انتظار انطلاق الرحلة، إلا أن زوجته جهزت لهم غرفة بملحقاتها من أجل المبيت في المنزل وقامت بجميع الخدمات المطلوبة، وفي صباح اليوم التالي اتصل عليهم المهرب وأكد لهم أن الرحلة ستكون جاهزة عند المساء، طالبًا منهم دفع مستحقات الرحلة والتي لم تنطلق بعد!

وتفيد تنزيل أن تكاليف الرحلة تبلغ (1,000,000) جنيه سوداني لأسرة مكونة من أربعة أفراد. وتضيف أنهم شعروا بالقلق إزاء هذا الوضع ورفضوا أن يسلموه المبلغ المالي إلا عندما يحين موعد انطلاق  الرحلة، الأمر الذي أثار غضبه بشكل كبير واحتد معهم في الحديث، مما أسفر عن مغادرتهم منزله في ساعات الصباح الأولى نتيجة لإساءته معاملتهم. وأكدت أنه عقب مغادرتهم لمنزله أرسل لهم عددًا من رسائل التهديد، وطالبهم بمبلغ مالي قدره (150,000) جنيه لقاء إقامتهم في منزله ليوم وليلة. ويبلغ متوسط سعر الإقامة في فنادق حلفا لليوم الواحد  (20,000) جنيه سوداني.

اكتظاظ كبير تشهده المفوضية السامية للأمم المتحدة بدولة مصر

وبالرغم من أن ياسر اختار الطريق الطويل من مدينة عطبرة للوصول إلى مصر، إلا أن رحلته  كانت موفقة، ووصل إلى الأراضي المصرية بسلام، الأمر الذي سيمكنه من إلحاق أبناءه بالمدارس من أجل اللحاق بركب التعليم، وذلك بعد أن أضاعت الحرب العام الدراسي بالسودان. إلا أن خالد اصطدم بواقع مرير جراء الاكتظاظ الكبير الذي تشهده المفوضية السامية للأمم المتحدة بدولة مصر، ولم يوفق في حجز موعد قريب يمكنه من عمل الإجراءات اللازمة من أجل الحصول على الكرت الأصفر الذي ربما يمكنه من إلحاق أبنائه بالمدارس، وبالرغم من وصوله في كانون الثاني/ يناير الجاري إلى أن موعده حدد في بداية أيار/ مايو القادم، ليوقن أن أبناءه سيجلسون بالمنزل ثلاثة أشهر أخرى خارج منظومة التعليم.

بانر الترا سودان