عندما فتحت مصر حدودها مع السودان في معبر وادي حلفا شمالي البلاد، تدفق آلاف السودانيين في الأيام الأولى للحرب عبر الحدود فرارًا من الحرب التي اشتعلت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف نيسان/أبريل الماضي.
وئام هي ضمن النساء اللائي تجاوزن الإجراءات في مكاتب سلطات الهجرة من البلدين بسهولة مع أطفالها ووصلت القاهرة، وعبر سمسار سوداني عثرت على شقة سكنية في منطقة عابدين في العاصمة المصرية بقيمة (10) آلاف جنيه مصري، ما يعادل (400) دولار أمريكي.
عقب اندلاع القتال بين الجيش والدعم السريع فر آلاف السودانيين إلى مصر عبر الطريق البري شمال البلاد
تعرضت وئام لمضايقات من السمسار الذي حصل على توكيل من مالك الشقة، وكادت أن تغادر مصر عائدة إلى السودان، لكن عن طريق صديقتها عثرت على شقة في منطقة أخرى حسب ما ذكرت لـ"الترا سودان"، بسعر أقل لكن في منطقة بعيدة عن تجمعات السودانيين في القاهرة.
تقول إن الأهم بالنسبة لها توفر الخدمات والمياه والتعليم لأطفالها، وهي غير مضطرة للتمسك بالسكن في مناطق بعينها يفضلها السودانيون.
عقب اندلاع القتال بين الجيش والدعم السريع سيما في العاصمة السودانية فر آلاف السودانيين إلى مصر عبر الطريق البري شمال البلاد، وقدمت السلطات المصرية بموجب اتفاق "الحريات الأربع" الموقع بين البلدين منذ العام 2004، تسهيلات في خدمات التأشيرة باعتماد الاتفاقية والاستمرار في استثناء النساء والأطفال والرجال فوق الـ(50) عامًا من التأشيرة، واعتماد الجوازات المنتهية الصلاحية.
ويواصل السودانيون التدفق إلى مصر منذ ثلاثة أشهر دون توقف أو نقصان في عدد الفارين، حسب ما قال مجاهد من مدينة وادي حلفا شمال السودان.
وأضاف مجاهد: "الطلبات على التأشيرات زادت عقب عطلة عيد الأضحى، وقد تكون موجة جديدة من اللجوء خاصة مع تطاول أمد الحرب".
فيما تقول الباحثة في قضايا الهجرة واللاجئين أميرة أحمد لـ"الترا سودان"، إن العديد من السودانيين يقيمون في مناطق بعينها في العاصمة المصرية، وبعد الحرب في السودان ارتفعت الإيجارات هناك من (200) دولار للشقة إلى ( 500) و(700) دولار، وهذا مبلغ مرتفع عن المعتاد.
وقالت الباحثة في قضايا الهجرة واللجوء أميرة أحمد إن مصر قامت بتعديل في قانون الاستثمار العقاري بالتزامن مع وصول الآلاف من السودانيين الفارين من الحرب، إذ يتعين على الأجانب الذين يريدون شراء العقارات -ويشمل ذلك السودانيين- تحويل تكلفة الشراء عبر البنوك بالدولار الأمريكي من خارج مصر.
ولفتت أميرة أحمد إلى أن مصر في الشهر الماضي عطلت اتفاق الحريات الأربع مع السودان، والذي كان يشمل حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك.
وأدت الحرب في السودان إلى لجوء نحو ربع مليون سوداني إلى مصر، إضافة إلى أربعة ملايين سوداني يقيمون هناك منذ سنوات، بينما تشكك بعض الاحصائيات في هذا الرقم. وتقول إن السودانيين في مصر لا يتجاوز عددهم (2.5) مليون شخص.
حصل عاطف (37 عامًا) على شقة صغيرة وسط القاهرة بقيمة إيجار شهري بلغ (400) دولار. ويعتمد على تحويلات شقيقه من الخليج، لكن عندما يتعين عليه إرسال الأطفال إلى المدارس وشراء مواد البقالة يجد أن مصروفه لا يكفي لتغطية السكن والمعيشة والتعليم.
يقول لـ"الترا سودان" إن خياره سيكون العودة إلى السودان، وإذا توقفت الحرب لن يتردد في ذلك، لأنه يملك منزلًا في العاصمة الخرطوم ولا يمكنه تحمل نفقات شهرية تصل إلى (400) دولار شهريًا.
تستبعد الباحثة في قضايا الهجرة واللجوء أميرة أحمد تحمل السودانيين الظروف الاقتصادية وارتفاع أسعار المساكن في مصر، وتشير إلى طلبات اللجوء إلى أوروبا أو دول أخرى التي تلقتها المفوضية، والتي تقدم المساعدات والحماية للاجئين السودانيين.
ويؤكد المحلل والكاتب الصحفي المصري سيد مصطفى في تعليق لـ"الترا سودان" وجود ارتفاع كبير في إيجار العقارات في مصر، ويعزو ذلك إلى "تمركز" السودانيين في تجمعات بعينها بالتالي ظهور سماسرة يقومون باستغلال حاجة الباحثين عن السكن في تلك المناطق دون منحهم بدائل تناسب وضعهم المالي.
محلل وكاتب صحفي مصري: وضع السودانيين في مصر لا يقتصر على إيجار السكن فقط؛ بل يمتد إلى ارتفاع تكلفة المعيشة في المناطق التي يقطنون فيها
ويقول مصطفى إن وضع السودانيين في مصر لا يقتصر على إيجار السكن فقط؛ بل يمتد إلى ارتفاع تكلفة المعيشة في المناطق التي يقطنون فيها، وأيضًًا المصريون يشتكون من نفس الوضع في هذه المناطق.
ويشير سيد مصطفى إلى أن التمسك بالإقامة في منطقة بعينها يجعل السماسرة يستغلون هذا الخيار المحدود مثل مناطق "الفيصل" و"ميدان الأوبرا" و"المعادي" و"العاشر من رمضان"، لأنهم يعتمدون على ترشيحات الأقارب المتواجدين في تلك المناطق.