19-أكتوبر-2022
محتج يحمل علم السودان

تتواصل الاحتجاجات الجماهيرية التي ترفع شعارات اللاءات الثلاث "لا تفاوض لا شراكة ولا شرعية" (Getty)

يبدو أن الرؤية التى طرحتها قوى الحرية والتغيير "مجموعة المجلس المركزي" أول أمس الاثنين، لحل الأزمة السياسية في السودان، لم تجد قبولًا كبيرًا وسط القوى الثورية، رغم تضمينها بعض الشعارات التي ترفعها لجان المقاومة بالطرقات، وتمسكها بـ"إسقاط الانقلاب".

وقد نصت الرؤية على الإصلاح الأمني والعسكري وتكوين جيش موحد، وتنقية الجيش من عناصر النظام البائد، ومراجعة النشاط الاقتصادي للمؤسسة العسكرية، وتأسيس "علاقة صحية بين المدنيين والعسكريين".

أعلنت لجان مقاومة ومجموعات ثورية تقود الاحتجاجات لـ"الترا سودان"، رفضها للرؤية التي طرحتها قوى الحرية والتغيير لحل الأزمة

كذلك شملت رؤية الحرية والتغيير على ضرورة إصلاح جهاز المخابرات والشرطة وتتبيعهما للحكومة التنفيذية، بجانب اختيار رئيس وزراء مدني بواسطة "قوى الثورة"، وتشكيل مجلس تشريعي من لجان المقاومة وقوى الثورة وأسر الشهداء والنازحين، والقوى السياسية وأطراف العملية السلمية الموقعة على اتفاق جوبا.

ومن الواضح أن هناك نقاط اتفاق بين رؤية الحرية والتغيير ومطالب لجان المقاومة، ولكن هي كافية لوقف هدير الشارع؟

رفض قاطع

وأعلن المتحدث باسم مجموعة "غاضبون بلا حدود" كريم النور، رفضهم القاطع لمسودة الحرية والتغيير المطروحة، ويقول في حديث لـ"الترا سودان"، إن الرؤية بها تضارب في البند الذي نص على تكوين جيش وطني موحد بينما تسمح للدعم السريع بالانضمام إلى مجلس الأمن والدفاع. ويضيف: "اعترفت المسودة بالدعم السريع كجزء من القوات النظامية، بعكس لجان المقاومة التي  ترفع شعار حلها"، بحسب تعبيره. 

وعن بند اختيار رئيس للوزراء، يقول النور إن هذا البند عمل على إقصاء لجان المقاومة لعدم مشاركتها في صياغة دستور نقابة المحامين، ويضيف: "من الخطأ إجازة دستور دون مجلس تشريعي".

وأشار المتحدث باسم مجموعة "غاضبون بلا حدود"، إلى أن رؤية قوى الحرية والتغيير، اعترفت بقيادات الانقلاب، ورضخت للجلوس معهم وتمثيلهم في الدولة، وتجاوزت قواعد لجان المقاومة في الخرطوم والولايات، وعملت على استبعاد مسودة الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب، وأردف: "عملت الرؤية على إهمال آراء قوى الثورة الحية". 

ويؤكد المتحدث باسم غاضبون أن ليس هناك سلطة مدنية كاملة تطلب من العسكر، لذلك يجب رفض هذه التسوية، لجهة أنها عملت أيضًا على القبول باتفاق "سلام جوبا" رغم عدم جدواه، حيث لم ينجح في وقف الحروب في مناطق النزاع -حد قوله. ويمضي النور بالقول: "للجنرال طلقة، وللخائن الذي يغسل الدم عن يده بالتفاوض والمساومة والتسوية طلقتان، وليسقط كل من خان".

وكانت لجان مقاومة بحري قد أعلنت في بيان لها اطلع عليه "الترا سودان"، رفضها للتسوية "التي تكرر نفس التجربة السابقة وتسمح بوجود المؤسسة العسكرية في العملية السياسية"، مؤكدة في ذات الوقت رفضهم لوجود "جنرالات الانقلاب في أي منصب سياسي أو وجودهم داخل المؤسسة العسكرية"، لافتًا إلى أن العسكر يجب أن لا يحصلوا على المناصب "بل مواقعهم السجون لينالوا عقابهم"، طبقًا للبيان. وقالت اللجان إن أي عملية سياسية لا تنتج من الشارع لن تدعمها المقاومة ولن تصبح طرفًا فيها، مؤكدًا على مقاومتها ورفضها.

الضمانات وفرص النجاح

ويقول المتحدث الرسمي باسم لجنة التحقيق في اختفاء الأشخاص المفقودين بالسودان نصرالدين يوسف، في حديث لـ"الترا سودان"، إن الأمر لا يتعلق بالطرح الدستوري الذي ينشر أو المواثيق التي يتم التوقيع عليها، وإنما بالإرادة السياسية الحقيقية. مشيرًا إلى أن وثيقة 2019 تضمنت الكثير من الإيجابيات، وعلى مستوى الممارسة لم تغير شيئًا - على حد قوله.

https://t.me/ultrasudan

وربط يوسف نجاح رؤية الحرية والتغيير بقدرتها على الممارسة بجانب تقديم الضمانات، وتساءل: "من الذي يمثل السلطة ومن الذي سيقوم بإجراءات التغيير؟ ما مدى جديتهم في تحقيق شعارات الثورة؟"، وأوضح أن بعد الإجابة على تلك الأسئلة "يمكن للجنة المفقودين إجراء تحقيق شفاف يؤدي إلى تنفيذ العدالة في البلاد".

وعن تقديم الحرية والتغيير رؤيتها  للآلية الرباعية الدولية، شنّ المتحدث باسم لجنة المفقودين هجومًا عنيفًا على الآلية الرباعية، وقال إنها سبق وكانت ثلاثية ولم تحقق أي هدف، وعند خرق الوثيقة الدستورية والإخلال بمقتضياتها لم تفعل أي شيء تجاه ذلك، لافتًا إلى أن الضامن الحقيقي هو الشعب، وعده أيضًا الضامن لأي تسوية أو رؤية.

انتقادات لاذعة

وشن المتحدث باسم لجان مقاومة ود مدني ولاية الجزيرة أبي عمر، انتقادات لاذعة للرؤية التي طرحتها الحرية والتغيير لحل الأزمة السياسية بالبلاد، ويقول في حديثه لـ"الترا سودان"، إن "قحت" سمحت لدول الخارج بالتدخل في الشؤون السياسية للبلاد، متناسية القدرة الداخلية لخلق الحلول، لافتًا إلى أن الشعب لديه القدرة على حل الأزمة دون تدخل من الخارج. ويضيف عمر، أن الحرية والتغيير عملت على ترك حركات الكفاح المسلح واتفاق سلام جوبا كما هم، ولم تتخذ موقفًا فيما يتعلق بالاتفاق، وقال إن لديهم رأي واضح فيما يتعلق باتفاق جوبا للسلام، وصفًا إياه بـ"المعيب" ويعمل على تقسيم السلطة.

ويوضح أبي عمر، أن الشراكة التي تسعى الحرية والتغيير لتنفيذها لن تفضي إلى إنهاء الأزمة بالبلاد، وأن النخب السياسية تنظر للأزمة باعتبارها أزمة لحظية، وأن الحرية والتغيير تعمل على إعادة إنتاج نفس الأزمة. وأعلن المتحدث باسم مقاومة ود مدني، رفضهم التام للرؤية التي طرحتها الحرية والتغيير للحل السياسي، قاطعًا بأنهم لن يقبلوا التفاوض المباشر أو غير المباشر مع العسكر، وأن الشارع لديه موقف واضح من هذه التسوية.

وتوقع بهذه الرؤية رجوع "قحت" إلى ما قبل 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، بجانب كونها اعترفت بالدعم السريع كقوات نظامية وابتعدت عن هدفها الذي ينص على تكوين جيش مهني موحد، وقال إنها "قبلت بقوات غير شرعية مثل الدعم السريع وحركات الكفاح"، واعتبر هذه الرؤية تعمل على تضييع حق الشهداء، ولم تحدد الطريقة التي  تحقق العدالة الانتقالية - وفقًا لمتحدث لجان مقاومة ود مدني أبي عمر.

تصعيد وحلول

وقطع المتحدث باسم لجان مقاومة مدينة الخرطوم معاذ خليل، في حديث لـ"الترا سودان"، أن ليس هناك جهة سياسية يمكنها إيقاف هدير الشارع، موضحًا أن الشارع الثوري أصبح مدركًا لأهدافه ومتمسكًا بها رغم القتل والبطش والتنكيل والاعتقالات التي تستهدف الثوار - على حد قوله.

المتحدث باسم لجان مقاومة مدينة الخرطوم لـ"الترا سودان":  الحل يكمن في مواصلة العمل الثوري عن طريق استخدام الأدوات السلمية المختلفة في التصعيد الثوري وصولًا إلى إسقاط النظام 

ويشير خليل إلى أن ذات الشارع الذي رفض اتفاق رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك مع الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، ورمى بالاتفاق إلى مزبلة التاريخ، يستطع رمي أي اتفاق قادم لا يحقق تطلعات الشارع.

ويجدد معاذ خليل موقفهم الرافض لرؤية الحرية والتغيير، قائلًا إنها لا تمثل شعارات الثورة التي ترفض أي تفاوض أو تسوية سياسية مع الانقلابيين. ويؤكد بأن الحل يكمن في "مواصلة العمل الثوري عن طريق استخدام الأدوات السلمية المختلفة في التصعيد الثوري، وصولًا إلى إسقاط النظام الحالي وإقامة سلطة مدنية كاملة"، حد قوله.