05-سبتمبر-2023
قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو حميدتي

(Getty) - قائد قوات الدعم ااسريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)

مقطع صوتي لقائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) بُثّ على مواقع التواصل الاجتماعي أطول مما درج على نشره منذ حرب الخامس عشر من نيسان/أبريل 2023، أعاد الجدل من جديد بشأن مسألة ظهوره واختفائه أكثر مما أرسله من إشارات وتنبيهات في سياق معركة الخطاب التي ابتدأت منذ خروج القائد العام للجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان في عملية نوعية لم تتكشف أسرارها كاملة. بدا خطاب "حميدتي" مرتجلًا ومباشرًا على نمط ما ألفه جموع السودانيين منه منذ بروزه في الساحة السياسية كرقم لا يمكن تجاوزه في أعقاب نجاح ثورة ديسمبر في الإطاحة بحكم الإسلاميين في 11 نيسان/أبريل 2019.

ربما يُقرأ خطاب "حميدتي" في إطار خطة متسقة مع إفادات قادة الحرية والتغيير بشأن الحرب وملابسات نشوبها والتركيز على وجود طرف ثالث هم "فلول النظام السابق"

أبرز الإشارات الواردة في خطاب الجنرال "حميدتي" تأكيده أن الحرب يوقفها من أشعلها وأنه وقواته في حالة دفاع عن النفس وهو أمر تكفله كل الشرائع ويعبر عن جوهر الجهاد الذي ينطبق على مقاتليه أكثر مما ينطبق على من أسماهم الفلول لأنهم يقاتلون من أجل السلطة بينما يقاتل جنوده "الأشاوس" دفاعًا عن وجودهم وبقائهم وفي سبيل الحفاظ على وحدة السودان ونمائه ومن أجل عودة الديموقراطية بوصفها نظامًا شوريًا ينشد العدالة والمساواة بين أطياف الشعب بلا تفرقة عنصرية أو جهوية أو قبلية – على حد قوله.

 وفي خضم المعارك الضارية حول محيط سلاحي "المدرعات" بالخرطوم و"المهندسين" بأم درمان والقصف المدفعي من قبل الجيش على أماكن تجمعات الدعم السريع، بعث حمدان برسالة إلى من اصطلح عليهم بـ"شرفاء القوات المسلحة"، واصفًا إياهم بالضحايا، وقائلًا إنه ظل يتجنب قتالهم ويحاول قدر المستطاع عدم الفتك بهم، ومؤكدًا –في الوقت نفسه– أن قواته تنصب شراك محكمة لكل المتحركات القتالية تجاه بحري أو أم درمان أو الخرطوم، وقادرة على إلحاق الأذى البالغ بهم، كما حدث في المعارك الأخيرة. وزاد بالقول إن حقوقهم محفوظة طالما آثروا الانحياز إلى "خيار الشعب"، مبينًا أنه لا يكنّ للجيش إلا الاحترام والتقدير وأنه لا علاقة له بفصل الضباط حسبما ظل "يزعم البرهان" على سبيل شيطنته، وأنه ظل يقدم للجيش من الدعم أكثر مما فعل البرهان نفسه، ومذكّرًا بأنه وفّر أربع طائرات من طراز "سوخوي" الروسية وأخرى من طراز "هيل"، موضحًا أن الفرد العسكري مفردة هامشية في ظل التمكين المؤسسي العسكري وأنه يعاني من أوضاع معيشية صعبة بينما يستفيد من ريع الاقتصاد العسكري قلة قليلة.

https://t.me/ultrasudan

وفي إطار الرد على البرهان، قال "حميدتي" إنهم لم يخونوا العهد، مذكرًا باجتماعهما في "مزرعة معاوية البرير" في الثامن من نيسان/أبريل الماضي، واتفاقهما على وقف التصعيد، واقتراحه عقد توأمة بين الدعم السريع والجيش، وأخذ موافقة بالذهاب إلى قاعدة "مروي" الجوية شمالي السودان، لأن بها طيران حديث، ولافتًا إلى أن كل الانقلابات والمحاولات الانقلابية التي شهدها السودان في مرحلة ما بعد ديسمبر كانت بإيعاز من البرهان وبتنسيق معه، ومتهمًا إياه بالانضمام إلى من أسماهم "الفلول" منذ انقلاب حزب "البعث" في بواكير التسعينات وإفشاله بالتواطؤ مع الإسلاميين، مشيرًا إلى تقاعسه عن إمداد العناصر الانقلابية بالسلاح وفق الأدوار والمهام المتفق عليها قبل الانقلاب.

 وبيّن "حميدتي" أن خلافه مع البرهان أتى في أعقاب انقلاب الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 2021م، بسبب إرجاعه لعناصر النظام السابق إلى السلطة ولا سيما في السلك الدبلوماسي، واعدًا بتمليك الشعب كل الحقائق بهذا الخصوص وتقديم أدلة ملموسة واجتماعات سرية مصورة. وإمعانًا في المباشرة وفضح ما توارى عن الناس، أفاض "حميدتي" في تبيان ما أسماه "سجل جرائم البرهان" التي مارسها في دارفور، واصفًا إياه بالعنصري المغرور، مركزًا على وقائع بعينها في "كرينك" و"صليحة" وغيرها، في ظل شهود من جانب الجيش والدعم السريع، ومبينًا أنه أداة بيد "الفلول" وأنه استلم السلطة بموجب قسم أدلى به أمام القيادي "الإنقاذي" الشهير أسامة عبدالله الذي شغل منصب وزير الري والسدود والكهرباء في العشرية الأولى من الألفية الثالثة.

وبخصوص ما ذكره البرهان بشأن خسارة قوات الدعم السريع للمعركة وأنه لم يتبق منها إلا (5%)، ذكر "حميدتي" أن قواته زادت بواقع ضعفين لأنهم "نصروا الله فنصرهم"، وقال إنهم استطاعوا أن يغنموا كل الأسلحة المدفعية الثقيلة من معسكرات الجيش، ولم يتبقَ لهم سوى الطيران وأنهم في طريقهم إلى كسب المعركة التي قال إن النصر فيها بيد الله.

وفي السياق نفسه، دعا "حميدتي" من أسماهم "المجاهدين" إلى وزن الأمور بميزان الشرع والعمل وفق أحكام قتال الفئة الباغية، مشيرًا إلى الآية القرآنية الضابطة في هذا المضمار: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله"، مستنكرًا أن تدعوا المساجد إلى الاستنفار ثم تأتي وتدعوا إلى الاحتشاد لدفن القتلى، وآملًا أن تنفض هذه "الفتنة" التي أشعلها "البرهان وفلوله" بحسب وصفه.

الخطاب الذي اقترب كثيرًا من روح "حميدتي" وأسلوبه المائز أعاد سؤال تواري القائد محمد حمدان دقلو عن الأنظار والاكتفاء برسائل صوتية متفرقة بحسب الأحداث، أهو من أجل الحفاظ على حياته من استهداف طيران ومسيرات الجيش، حسبما أشارت جهات داعمة للدعم السريع على شبكات الميديا؟ أم أن موضوع الاختفاء نفسه يمكن أن يصبح مادة جدلية في سياق الحرب النفسية ومنح ظهور القائد دلالة وإحاطته بهالة إعلامية ضخمة؟ وكما ظل الناس مأخوذين بحقيقة الخطاب وإشاراته وتنبيهاته بالجدل الكثيف بشأن قضية الظهور والاختفاء، ما بين تشكيك واحتفاء حسب زوايا النظر ومقدار التحيز، فإن الخطاب على حدته يمكن أن يقرأ فيه جنوح خفي إلى السلم برغم الإصرار على مواصلة الحرب، ونفي لظلال خطاب إسقاط "دولة 56"، وإنتاج خطاب متوازن وأقل قطعية من تبني سردية الهامش والمركز التي طفق كثير من منسوبي الدعم السريع وداعميه على الدوران في فلكه.

وربما يُقرأ خطاب "حميدتي" في إطار خطة متسقة مع إفادات قادة قوى الحرية والتغيير بشأن الحرب وملابسات نشوبها والتركيز على وجود طرف ثالث هم "فلول النظام السابق"، وإنتاجهم كشماعة تعلق عليها كل أخطاء الممارسة السياسية وخطاياها في مرحلة ما بعد ديسمبر من دون النظر بجدية إلى الثقوب والاختلالات البنيوية في هياكل الانتقال ومساره المضطرب. ويبدو أننا نجتاز مرحلة جديدة في سياق الحرب عنوانها معركة الخطاب بعد أن انقضت مرحلة خطاب المعركة بخروج البرهان الذي حمل الخامس عشر من نيسان/أبريل إلى أفق جديد.