05-مارس-2020

البيت الأبيض (Getty)

أصدر بدر الدين عبدالرحيم إبراهيم محافظ، البنك المركزي بالسودان مساء أمس تعميمًا صحفيا يقول فيه أن الحكومة السودانية تلقت خطابًا من مدير مكتب العقوبات بوزارة الخارجية الأمريكية يؤكد فيه أن الإدارة الأمريكية قد سبق وأن رفعت بالفعل العقوبات الاقتصادية عن السودان.

بعد رفع العقوبات ما زالت الحكومة السودانية تواجه معضلات كبرى في مسألة جذب الشركات والمؤسسات المالية العالمية للدخول في السوق السودانية

وكانت الحكومة الأمريكية قد رفعت في تشرين الأول/أكتوبر من العام 2017 كافة العقوبات الاقتصادية والتي فرضتها كل من الإدارتين الأمريكيتين للرئيسين السابقين بيل كلينتون في العام 1997 وجورج بوش الابن في العام 2006 على السودان مع إبقائها على العقوبات الاقتصادية الخاصة بمؤسسات وأشخاص مرتبطين بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تمت في إقليم دارفور في عهد النظام السابق.

اقرأ/ي أيضًا: أمريكا تؤكد رفع العقوبات المالية عن السودان

وقد جاء الخطاب على خلفية مراسلات جرت بين الحكومة السودانية والإدارة الأمريكية إثر رفض شركة طيران عالمية تواصلت معها الحكومة السودانية بغرض ترحيل الطلاب السودانيين العالقين في الصين التعامل مع الحكومة السودانية متحججة بمسألة العقوبات الإقتصادية الأمريكية على السودان. ومن المعروف أن الحكومة الأمريكية قد درجت على فرض غرامات مالية قاسية قد تصل لعدة مليارات من الدولارات على المؤسسات المالية التي تخرق عقوباتها الاقتصادية وهو الأمر الذي يجعل الشركات والمؤسسات المالية حذرة جدًا في تعاملها مع السودان.

ووضح الخطاب أن الإدارة الأمريكية تتفهم أن بعض المؤسسات المالية والكيانات قد يكون لديها أسئلة بخصوص حالة العقوبات الأمريكية على السودان، وأشار إلى أنه يمكن للحكومة السودانية أن تستخدم الخطاب كوثيقة رسمية من الحكومة الأمريكية توضح الوضع الحالي للعقوبات الاقتصادية المحدودة والخاصة بأشخاص ومؤسسات مرتبطين بأحداث دارفور فقط، وذلك بعد أن عدد الخطاب الأسباب التي دعت الولايات المتحدة لرفعها في العام 2017 حيث بين أن رفع العقوبات تم كنوع من الاعتراف بأن الحكومة السودانية قد قامت بخطوات واضحة تضمن الالتزام بإيقاف العدائيات في مناطق النزاعات، وشاركت في تحسين وصول المساعدات الإنسانية لكل أرجاء السودان، كما أنها واصلت تعاونها مع الولايات المتحدة الأمريكية في ملف الإرهاب والنزاعات الإقليمية في المنطقة.

تجدر الإشارة إلى أن الشركات والبنوك العالمية تستنكف عن التعامل الرسمي مع الحكومة السودانية خوفًا من الوقوع تحت طائلة القانون الأمريكي والذي سبق واضطر مؤسسات مالية أوروبية كبيرة وعريقة للتسوية مع الحكومة الأمريكية بدفع مبالغ تصل لعشرة مليار دولار في العامين 2011 و 2012 على التوالي نتيجة لتعاملها المالي مع السودان قبل رفع العقوبات الاقتصادية.

الآن وبعد رفع العقوبات ما زالت الحكومة السودانية تواجه معضلات كبيرة في مسألة جذب الشركات الكبرى والمؤسسات المالية العالمية للدخول في السوق السودانية بسبب التعقيدات القانونية التي قد تنتج عن تعاملها مع السودان. هذا بالإضافة لعدم جاذبية السوق السوداني الذي ظل يتهاوى منذ سنوات طويلة.

اقرأ/ي أيضًا: قضية المدمرة كول وانتصار جديد لحكومة حمدوك

يعد التعامل مع السودان مخاطرة كبيرة في الأوساط المالية التي تبحث عن أسواق مستقرة وعوائد مضمونة، ولكن العقوبات الأمريكية والإدراج في قائمة الدول الراعية للإرهاب بسبب رعونة النظام السابق وتهويمات قادته الإرهابيين تسبب في وصم السوق السودانية مرة واحدة وإلى الأبد بصورة سالبة تبعد الاستثمار وتزيد من حجم المخاطرة للمؤسسات المتطلعة للعمل في أسواق جديدة. هذه الوصمة وغموض وضع العقوبات هو ما دفع منسوبي النظام السابق للتشكي من عدم نشر الحكومة الأمريكية لرفع العقوبات بالشكل الكافي وأنها لم تشدد على أنه ليس هنالك أي مخاطرة في التعامل مع السودان، وربما ذلك أيضًا كان هو السبب وراء رفض شركة الطيران التعامل مع الحكومة السودانية بحجة العقوباتؤ اللامر الذي يدلل على عدم فهمها للوضع الحالي وهي بالتأكيد ليست لوحدها. المعرفة بتفاصيل وضع العقوبات تعقيداتها والإمكانات المتاحة غائبة حتى عن سواد الشعب السوداني.

الخطاب الذي ينص على أنه يعتبر وثيقة رسمية من الحكومة الأمريكية يمكن الاحتجاج بها أمام المؤسسات وحتى الحكومات المختلفة، ربما يكون مفيدًا إذا تم استثماره بصورة جيدة على إزالة ولو حتى جزء بسيط من الوصمة الثقيلة للنظام البائد، وقد يكسب المؤسسات والبنوك والشركات العالمية بعضًا من الثقة في التعامل مع السودان، ولو أنه ليس كافيًا لإحداث نقلة كبيرة في هذا الجانب، خصوصًا أنه لم يأت بأي جديد بخصوص العقوبات نفسها.

ويبدو أن هذا بالضبط هو ما ستفعله الحكومة السودانية في مقبل الأيام والشهور وحتى الإزالة النهائية لاسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب؛ فقد أفاد محافظ البنك المركزي أن البنك قد شرع بالفعل في مراسلة البنوك المحلية والإقليمية بخصوص مضمون الخطاب لتنشيط خدمات المراسلة المالية وجلب الفائدة المشتركة لجميع الأطراف.

كل ما يريده السودانيون هو رفع إسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب حتى تعود بلادهم لوضعها الطبيعي بين دول العالم

لم يكن هذا الخطاب من الإدارة الأمريكية هو ما يريده السودانيون، ولو أنه أسعدهم وأثر على أسعار الصرف في الأسواق الموازية وهو تأثير مؤقت وسيزول بعد أيام إذا لم يظهر أي جديد. كل ما يريده السودانيون هو رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب حتى تعود بلادهم لوضعها الطبيعي بين دول العالم، ولكن يبدو أن هذا المطلب صعب المنال مع تعنت الإدارة الأمريكية وتعقيدات الواقع السياسي في السودان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مفاوضات سد النهضة.. ترامب "يضغط" والخرطوم تستضيف اجتماع "خطّة الملء"

لقاء البرهان ونتنياهو.. تبييض لصورة العسكر وتشويه متعمد للثورة