21-مارس-2024
نساء يتبضعن في سوق في السودان

سوق سوداني

يتعين على "عباس" أن يخطط حول كيفية التعامل مع الأزمة الاقتصادية إذا تطاولت حرب السودان بين الجيش والدعم السريع، فالرجل الذي يعول عائلة تتكون من الأطفال والزوجة يقيم في الولاية الشمالية، جاء قادمًا من العاصمة الخرطوم وفقد عمله في تجارة قطع الغيار.

هناك عوامل متعددة تقف أمام الاقتصاد السوداني الذي ينهار يوميًا من بينها غياب اليقين بشأن فرص السلام 

وصل "عباس " إلى الولاية الشمالية بعد خمسة أشهر من المعارك العسكرية بين الجيش والدعم السريع، كان يأمل في توقف القتال كعادة السودانيين في التعامل مع الحرب على أنها حالة طارئة كما يقول لـ"الترا سودان".

غموض المستقبل 

وفي ظل استمرار الحرب ودخولها العام الأول، فإنه بات أكثر قلقا لمعرفة مصدر دخله المالي شهريًا بدلا من تآكل مدخراته يوميًا، والتي جلبها معه في رحلة النزوح التي كان يعتقد أنها لن تطول.

ينبغي أن أفكر طويلا قبل أن أقرر مغادرة البلاد، لأن فكرة البحث عن العمل خارج السودان غير واردة بالنسبة إلي، لا يمكن أن أتحدث عن الحل في الوقت الحالي، أنا عاجز عن فعل أي شئ سوى انتظار وقف الحرب، يجيب عباس ردًا على سؤاله الأول حول تطاول الحرب والخيارات التي أمامه.

لا توجد جهات تقوم بتأمين الغذاء للنازحين، خاصة وسط المجتمعات المستضيفة في المدن والأرياف، وأغلبهم يعتمدون على المجتمعات نفسها أو تحويلات مالية من خارج البلاد بواسطة الأقرباء، كما درج السودانيون على التكافل الإجتماعي في مثل هذه الظروف.

بعد (11) شهرًا من الحرب مُني الاقتصاد السوداني بخسائر فادحة، طالت القطاع المصرفي والمعادن، وانخفاض صادرات الذهب إلى أقل من النصف، إلى جانب فقدان نحو مليوني شخص في القطاع العمل لا سيما في ولاية الخرطوم، وتدمير للبنية الصناعية طالت أكثر من (400) منشأة.

وكان متوسط الأجور قبل اندلاع القتال منتصف نيسان/أبريل 2023  يتراوح بين (100) دولار  و(250) دولارًا، واليوم لا يحصل عمال القطاع العام على الرواتب الشهرية بصورة منتظمة، ولا يجد نحو خمسة ملايين شخص ينتظرون الأجور من الدولة مفرًا من البقاء لشهور طويلة، أو الحصول على دفعات مالية محدودة.

أزمة مركبة 

وعلاوة على ذلك فإن أزمة الرواتب في القطاع قد تطول لأنه من الصعب في الوقت الحالي الحصول على مؤشرات ايجابية في الاقتصاد السوداني، خاصة فيما يتعلق بالنمو في الإيرادات العامة، أو توسع الإنتاج الزراعي والمعادن وقطاع الخدمات، مثل الموانئ والمطارات مع استمرار الحرب وصعود المخاوف وأحجام الاستثمارات الكبرى.

ويقول منير عبد الرحمن، وهو مستشار مالي سابق في شركة أغلقت مكاتبها وسرحت موظفيها منذ بداية الحرب لـ"الترا سودان"، إن الأضرار الاقتصادية جراء الحرب في السودان قد تصل إلى (250) مليار دولار، والحرب ربما تعمدت ضرب الاقتصاد في مقتل، بتدمير كامل المنظومة في قطاع الصناعة والمرافق العامة مثل محطات الكهرباء والجامعات.

وأردف: "على سبيل المثال قد تجد مصنعًا لإنتاج الأغذية في العاصمة الخرطوم تعرض للنهب تمامًا، وفي الغالب تم استيراد ماكينات من الصين أو تركيا بملايين الدولارات، إذا أراد مالك المصنع إعادته إلى العمل حال توقف الحرب لن يحصل على قرض مصرفي، لأن البنوك أيضًا على وشك الانهيار، وبعضها توقفت واستدرك قائلًا: "السودان فقد قدراته الصناعية والاقتصادية بالكامل".

وكان وزير المالية جبريل إبراهيم قال في مؤتمر صحفي مطلع هذا الشهر إن الحكومة تتخذ تدابير فعالة لمحاصرة الأزمة الاقتصادية والانخفاض في الإيرادات العامة، ووصف الوضع بـ "اقتصاد الحرب"، لكن جبريل لم يمض إلى أبعد من الحديث عن تحسين قطاع الذهب وتحريك الإيرادات العامة.

لا اقتصاد مع الحرب 

ويرى الباحث الاقتصادي أحمد بن عمر في حديث لـ"الترا سودان" أن استعادة الاقتصاد تتطلب وقف الحرب، ولا يمكن الحديث عن "اقتصاد الحرب" لأن الموارد التي بحوزة الدولة شحيحة وتكاد تكون منعدمة.

ويقول بن عمر إن إدارة الاقتصاد في ظل الحرب ومتابعة سعر الصرف وترويضه أمام الدولار الأمريكي، وتفعيل القطاعات الإنتاجية في الذهب والزراعة، لا يمكن اتخاذ إجراءات فعالة بشأنها في ظل استمرار الحرب.

إضافة إلى الدمار الذي طال البنية الصناعية في العاصمة الخرطوم ومدينة ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة جراء الحرب، فإن الأصول والمقار التي تعرضت إلى النهب في المنازل والشركات أيضًا ربما تقعد بالمجتمعات سنوات طويلة قبل أن تستعيد حياتها بالكامل قبل اندلاع الحرب.

باستثناء بعض الأعمال التجارية وعمليات الاستيراد بين السودان ودول الجوار، لا يمكن ملاحظة حركة دؤوبة للاقتصاد في هذا البلد الذي كان يعاني من أزمة اقتصادية قبيل اندلاع الحرب.

ربما تخطط المالية لإقامة المنطقة الاقتصادية الخضراء، كما تحدث جبريل إبراهيم مطلع هذا الشهر إلى جانب فكرة العاصمة الإدارية

عوامل متعددة 

في نظر المستشار المالي منير عبدالرحمن، هناك عوامل كثيرة تقف في وجه الحل بالنسبة للاقتصاد السوداني، أبرزها المعارك العسكرية وغياب اليقين بشأن المفاوضات بين الجيش والدعم السريع، وانخفاض خيار الجهود السلمية حتى بالنسبة للمجتمع الدولي.

ويرى عبد الرحمن إن وزارة المالية من مقرها في بورتسودان بولاية البحر الأحمر، ربما تخطط لإقامة "المنطقة الاقتصادية الخضراء"، كما تحدث جبريل إبراهيم مطلع هذا الشهر إلى جانب فكرة "العاصمة الإدارية"، وجميعها مشاريع وضعت كمقترحات، لكن فكرة التنفيذ لن تكون سهلة، حتى وإن عرضت على شركات ألمانية أو صينية لعدم وجود ضمانات مالية قوية، حتى إنتاج الذهب المورد الاقتصادي الأول لا يمكن التعويل عليه.