12-نوفمبر-2019

جامعة إفريقيا العالمية الخرطوم (يوتيوب)

فتحت التحركات النشطة لمجلس إدارة جامعة إفريقيا العالمية بالسودان خلال الأيام الماضية في أروقة الحكومة الانتقالية، العديد من الأسئلة بشأن استمرارية إدارة الجامعة المثيرة للجدل، وعلاقتها بالتطرف الديني في القارة الإفريقية، وهي التي ترعرعت في كنف النظام البائد ودعمه لها فكريًا وماليًا مع شراكة منظمات إسلامية دولية.

تقتصر الدراسة فيها على الطلاب المسلمين الوافدين من حوالي 75 دولة إفريقية وآسيوية

وتأسست الجامعة التي تدعمها منظمات إسلامية عام 1966 تحت اسم "المعهد الإسلامي الأفريقي"، ثم تم تغيير الاسم إلى "المركز الإسلامي الأفريقي" عام 1977. وبعد ثورة الإنقاذ تم ترفيعها إلى "جامعة إفريقيا العالمية" عام 1991. وتقتصر الدراسة فيها على الطلاب المسلمين الوافدين من حوالي 75 دولة إفريقية وآسيوية.

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة: طموح الجيش بالسلطة أخطر ما يهدد المرحلة الانتقالية في السودان

وواجهت الجامعة طوال سنين رعايتها من قبل النظام البائد تهمًا تتعلق بكونها الحاضنة الرئيسية للمجموعات الدينية المتشددة، وواحدة من أكبر بؤر تصدير الجهاديين إلى إفريقيا لا سيما الصومال ونيجيريا والسنغال واريتريا، الأمر الذي تنفيه الإدارات المتعاقبة على الجامعة وتعده عداءً لنشر الإسلام في القارة الإفريقية.

وقانونًا، الجامعة لا تخضع لسلطة وزارة التعليم العالي السودانية، لجهة أن حكومة المخلوع "البشير" وقعت ما يعرف باتفاقية المقر بين السودان والمركز الإسلامي الإفريقي، والذي منحها استقلالية مالية عبر تعاقب قيادات حزب المؤتمر الوطني البائد في إدارتها، وتوسعهم في مشاريع استثمارية بالبلاد عبر تسهيلات حكومية، لكنها مؤخرًا وقبل سقوط الرئيس لجأت إلى رئاسة الجمهورية لتدارك الوضع المالي المأزوم داخل الجامعة، فوجت وزارة المالية بمنحها ميزانية مالية ضمن الفصل الأول.

وفي محاولة لامتداد هذه الرعاية في ظل الحكومة الانتقالية الحالية، نشطت إدارة الجامعة في لقاءات شملت مسؤولين في الحكومة على راسهم رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، الذي أكد عقب لقائه وفد الجامعة الاربعاء الماضي،  حرصهم على الجامعة ودعم مسيرتها ورسالتها، قبل أن يشيد  بجهودها في مجال التعليم وتنمية المجتمع المحلي والمجتمعات الإفريقية، عبر بوابة التعليم ودورها الإيجابي كذلك تجاه القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى عبر تدريب منسوبيها.

مصدر مسؤول في وزارة التعليم العالي، يقول لـ"الترا سودان"، أن الجامعة تواجه منذ وقت أزمة مالية كبيرة، لجهة تراجع عدد من المنظمات الإسلامية الراعية لها في اعقاب الاتهامات التي طالتها، كحاضنة للمجموعات الإسلامية المتشددة وتصدير الإرهاب إلى إفريقيا ودول آسيوية.

اقرأ/ي أيضًا: مستقبل شباب الإسلاميين بعد الثورة.. أشباح الماضي تطارد الجيل الجديد

وأشار المصدر، إلى أن هناك مجموعات كبيرة من تلك الجهات الداعمة، فقد الحماية نتيجة سقوط النظام السابق، هذا إلى جانب أن ميزانية الجامعة تعتبر ضخمة مقارنة ببقية الجامعات السودانية، ومع انسحاب المنظمات الداعمة، تواجه الجامعة انهيارًا وشيكًا. وأشار المصدر إلى أن إدارة الجامعة تعول على دعم الحكومة الانتقالية، عبر وزارة التعليم العالي ومجلس السيادة، لكن لا يتعقد المصدر أن ذلك سيكون ممكنًا.

ما يثير العديد من الاسئلة في بشأن المؤسسة الجامعية، وتحركات إدارتها في الفترة الماضية، هو اصباغها وصف "راعي" جامعة إفريقيا العالمية على رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، فهل غيرت الجامعة نهجها في التبشير بـ"المشروع الحضاري" للنظام البائد؟ وعملها على تصديره للدول الإفريقية؟ أم أن مؤسسة السيادة قررت المواصلة في ذلك نهج النظام البائد؟.

يقول الخبير في القرن الإفريقي خالد محمد طه لـ"الترا سودان" مجيبًا، "من المعروف أن هذه الجامعة هي أحد أكبر معاقل النظام البائد، وإحدى معامل تفريخ كوادره التي تخدم رؤيته في القارة الأفريقية،  فعبر منهجها وقاعات الدراسة فيها تخرج عددًا كبيرًا من قادة الحركات الإسلامية في غرب ووسط وشمال وشرق إفريقيا (مصر، ليبيا، تشاد، إفريقيا الوسطى، النيجر، نيجيريا، الكاميرون، مالي، بوركينا فاسو، إثيوبيا، إرتيريا، الصومال، جيبوتي، مدغشقر، تنزانيا، جنوب السودان، كينيا، أوغندا) وغيرها من الدول خارج القارة  الإفريقية.

اقرأ/ي أيضًا: كير: وافقت على "التمديد" لتجنب عودة الحرب مجددًا في جنوب السودان

ويشير طه إلى أن الجامعة المدعومة من كل منظومة المؤتمر الشعبي الإسلامي العالمي وغيره من المنظمات، قطعًا ليست في حوجة لرعاية ودعم من مجلس السيادة، أو ميزانية الدولة السودانية، ففضلًا عن المشروعات الربحية الضخمة التي تدر لها أموال طائلة، تتلقى الجامعة دعومات سخية من منظمات خيرية حول العالم.

ويحذر طه من أن رعاية تلك المؤسسة الأيديولوجية من قبل الدولة، يشكل خطرًا على استقرار السودان والإقليم والقارة، يشير إلى استمرار، والأهم هو منح الصبغة الرسمية لمثل هذه المؤسسات، وتقديم الحماية لها، خصوصًا مع فقدان الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني سطوته على مؤسسات التعليم العالي بالسودان.

تقدم الجامعة خدماتها التعليمية للطلاب القادمين من فلسطين وميانمار ومسلمي الإيغور في الصين، ما يجعل من وجود الجامعة واستمراريتها أمرًا في غاية الأهمية

وتقدم الجامعة خدماتها لطلاب المجتمعات الإسلامية القادمين من عديد الدول ذات الأغلبية المسلمة، وكذلك للمجتمعات الأقلية المسلمة خصوصًا تلك التي تلاقي اضطهادًا في بلدانها، كالطلاب القادمين من فلسطين وميانمار ومسلمي الإيغور في الصين، ما يجعل من وجود الجامعة واستمراريتها أمرًا في غاية الأهمية، لكن من الجانب الآخر تشكل محاولات النظام البائد جعلها معقلًا له وملاذًا لقادته مخاطر كبيرة، لجهة مصير الجامعة وسمعتها الأكاديمية والاجتماعية، فهل بمقدور الحكومة الانتقالية طرد شبح النظام البائد ومشروعه الحضاري الذي التصق بسيرة الجامعة لتصبح مؤسسة أكاديمية لا أيديولوجية تقدم خدماتها لمجتمعات هي في أمس الحاجة لها، أم أنها ستصير معقلًا حزبيًا أيديولوجيًا كاملًا؟ الخطوات القادمة التي ستتخذها وزارة التعليم العالي السودانية والحكومة الانتقالية تمثل الإجابة على هذا السؤال.

 

اقرأ/ي أيضًا

بيتر ميان: تمديد عمر الحكومة لن يقود لتحقيق السلام في جنوب السودان

"قحت": تسليم المخلوع للجنائية وتفكيك النظام البائد أبرز خطط المرحلة القادمة