قال المركز السوداني للإعلام الديمقراطي، إن مدينة بابنوسة تحولت إلى منطقة عمليات عسكرية بامتياز منذ اليوم الأول لاندلاع القتال هناك، وخرج المواطنون هربًا من الاشتباكات العنيفة بين الجيش والدعم السريع.
قال تقرير للمركز السوداني للإعلام الديمقراطي إن ثلاثة أطفال ماتوا بسبب العطش أثناء رحلة النزوح بعد أن نهبت العصابات المياه
وقال المركز السوداني للإعلام الديمقراطي الذي قع مقره بولاية غرب كردفان، إنه أجرى مسحًا ميدانيًا في (13) من القرى والأحياء في ضواحي مدينة بابنوسة، مركز القتال بين الجيش والدعم السريع بولاية غرب كردفان.
وذكر التقرير أن المواطنين غادروا بابنوسة تحت وابل من النيران وقذائف المدفعية الثقيلة والقصف المكثف للطيران الحربي، تاركين منازلهم وما حوت من أثاث وأمتعة ومؤن غذائية دون أن يتمكن معظمهم من حمل شيء منها ، بما في ذلك الملابس الشخصية والأغطية.
وأجرى التقرير مقابلات مع النازحين والنازحات، وقالت حواء الحريكة المعلمة في مرحلة الأساس بمدارس الخدمات: "خرجنا بأنفسنا دون أن نتمكن من حمل أبسط الأشياء، وها نحن الآن سالمين بعد فقداننا للمأوى وكل ممتلكاتنا، في ظل حياة شظفٍ لم نعتادها يومًا من الأيام. إننا نتمنى أن تقف هذه الحرب اليوم قبل غد، لأنها أذاقتنا مآسٍ لا يمكن وصفها بكلمات".
بينما قال مدير ومالك مستوصف القميرة الطبي في بابنوسة، عبدالرحمن سليمان، إن مدينة بابنوسة هي المدينة الوحيدة بين المدن التي دارت فيها الحرب التي فر مواطنوها بأكملهم، وبنسبة (100%).
وروى سليمان أن المدنيين بعضهم نزح سيرًا على الأقدام، وبعضهم على متن عربات (الكارو) والدراجات النارية (التوكتوك) إلى القرى والمدن المحيطة بالمدينة وإلى الفيافي في رحلاتٍ وعرة ويائسة بحثًا عن مأوى، ولكن هيهات أن يجدوا مأوى.
وأضاف سليمان: "خرجت من تحت أنقاض بيتي بحي التربية منذ اليوم الرابع لاندلاع المواجهات في المدينة بعد أن سقطت قذيفة ودمرت المنزل، لقد نجوتُ بأعجوبة".
وواجه المدنيون الفارون من بابنوسة -حسب التقرير- برودة الطقس والعطش في آنٍ واحد، ونقص الغذاء الحاد (الجوع) والانعدام الكامل للتداوي والدواء، وفقًا للتقرير الصادر من المركز السوداني للإعلام الديمقراطي.
وقال سليمان: "أغلقت المستوصف نهائيًا بعد نزوح كامل للكادر الطبي، وعلى رأسهم الأطباء والاختصاصيون".
شيخ قرية فرع الهبيل: الفارون تعرضوا إلى اعتداءات سافرة وقابلوا عسف العصابات والمجموعات المسلحة
بينما قال الشيخ محمد أحمد النور، شيخ قرية فرع الهبيل، إن الفارين تعرضوا إلى اعتداءات سافرة وقابلوا عسف العصابات والمجموعات المسلحة. وأكد أن النازحين ما زالوا يتعرضون للضرب ونهب الهواتف والمقتنيات وما وُجد بحوزتهم من مبالغٍ نقدية، ومصادرة أدوات تخزين المياه والطعام مما "أدى لموت بعض الأطفال"، حد قوله.
فيما قال عضو لجنة استقبال وإيواء النازحين بمدينة القنطور، جاد الله عيسى، إن ثلاثة أطفال على الأقل قد لقو مصرعهم بسبب العطش في الطريق بين بابنوسة والقنطور. وتبعد هذه المنطقة حوالي (35) كيلومترًا شمال غرب بابنوسة .
في ذات السياق، الشرتاي حمد منصور، شرتاي منطقة "القنطور" و"الخويرات"، ذكر أن هناك خسائر غير محصورة وسط المدنيين، بعضها بالرصاص الطائش وبعضها بشظايا قصف الطيران وغيرها من أسباب الموت في ظل هكذا حرب.
وأضاف الشرتاي منصور: "مجتمع القنطور أقام سرادق للعزاء في الضحايا الذين وصل ذووهم إلى القنطور، وذلك لإتاحة الفرصة لهم لتقبل العزاء في مفقوديهم".
وحسب الشرتاي، لعب شح الإمكانيات دورًا كبيرًا في عدم رصد الأحداث والوقائع بدقة وتوثيق الخسائر التي وقعت في الأرواح، وحجم وكثافة الانتهاكات المتعددة.
ونقل التقرير عن الحاجة غالية أحمد بقادي التي نزحت من حي البوستة في بابنوسة، أن المنطقة برمتها تعيش تحت وطأة انفلات أمني كامل وانتشار قُطَّاع الطرق. وقالت: "كثيرًا ما تقود تحوطات قوات الدعم السريع وتخوفاتها من التجسس إلى الاشتباه في المدنيين الأبرياء، ومن ثم ضربهم وإذلالهم".
المهندس في قطاع النفط، علي حماد الحريكة، وهو من نازحي الخرطوم إلى بابنوسة، ثم منها الى منطقة خمسين شمال المدينة التي تتبع لمحلية "الإضية"، قال إن ما تعرضوا له لا يمكن سرده. وأضاف: "لقد فقدت جميع ممتلكاتي بما في ذلك سيارتي".
وأضاف الحريكة: "حالنا في ذلك حال كل نازحي بابنوسة، ولم نجد مساعدة من أي جهة أو منظمة، لذلك فإن الأوضاع تنذر بكارثة إذا لم نجد عونًا".
من جهته قال فضل النبي فضل الله الذي نزح من حي المقارين في بابنوسة، إن هناك أضرار كبيرة وقعت عليهم من الطرفين المتصارعين من خلال فقدان الماشية. وأوضح: "نعيش معاناة كبيرة بسبب الارتفاع الحاد في أسعار الحبوب لا سيما الدخن، حيث ارتفع سعر "الملوة" من ثلاثة إلى خمسة آلاف جنيه، وكذلك جميع أنواع الغلال".
وعكس التقرير الذي اطلع عليه "الترا سودان" معلومات عن وقائع حالات اغتصاب مؤكدة: الأولى شملت خمس لاجئات جنوبيات في حِلَّة الدينكا بمدينة التبون بتاريخ الخميس 18 كانون الأول/يناير 2024.
وقالت واحدة من اللاجئات المغتصبات طبقًا للتقرير، إن أربع مركبات عسكرية مطلية بالطين على متنها أكثر من عشرين جنديًا يتبعون للدعم السريع تناوبوا على اغتصابهن جميعًا، وهن خمس سيدات، تحت تهديد سلاح الكلاشينكوف.
وسرد التقرير الواقعة الثانية لثلاث فتيات شقيقات في منطقة الخويرات، والتي تبعد حوالي (40) كيلومترًا شمال غرب بابنوسة، وتبلغ إحداهن وهي الكبرى (20) عامًا، والثانية (16) عامًا، بينما تبلغ الثالثة (14) عامًا. وتناوب عليهن (15) فردًا بعد خطفهن وهن يمارسن عملهن المعتاد في الزراعة.
وحسب التقرير تم إنقاذ الضحية الأخيرة داخل منزلها بعد أن اقتلعت السلاح من الجندي الذي يتبع للدعم السريع في حي تبون، وعندما وصل زوجها قام بتسليم الجندي إلى قائد القوة العسكرية التابعة للدعم السريع.
وطبقًا للتقرير، اعترف أحد الجناة بالتبعية لقوات الدعم السريع، ووافق قائد القوة بشرط زوج المجني عليها بسحب القوة من الحي.
وقال التقرير إن عدد الأسر النازحة من بابنوسة وقراها حوالي (17) ألف عائلة، ويصل تعدادهم إلى (100) ألف شخص، وتبلغ نسبة الأطفال والنساء وكبار السن بينهم حوالي (70%).
ولفت التقرير إلى أن نسبة الفئة العمرية للرجال (18 - 40) سنة لا تزيد عن (15%) من جملة النازحين.
وحذر التقرير من أن أكثر الفئات المتضررة هن النساء الحوامل بجانب الأطفال وذوي الأمراض المزمنة الذين فقدوا الدواء.
ونقلت إحدى النساء الحوامل مع الاشتراط بعدم الإفصاح عن اسمها، أنها قطعت مسافات طويلة مشيًا على الأقدام، وقالت إنها خائفة جدًا من الولادة لأن القرية لا توجد بها قابلة.
سيدة حامل: النساء يضطررن للولادة عبر الطرق التقليدية "داية الحبل"
وقالت السيدة إن النساء يضطررن للولادة عبر الطرق التقليدية "داية الحبل" الأمر الذي لا تستطيع تصوره.
وشكت غالبية النساء الحوامل وفقًا للتقرير من غياب القابلات، لا سيما وأن بعضهن يلدن بالعمليات القيصرية، ولا يوجد مشفى قيد العمل في كامل المنطقة.