27-نوفمبر-2020

(Getty)

كانت ردة الفعل التي قابل بها المقيمين داخل مقرات الحماية التابعة للأمم المتحدة بمدينة جوبا عاصمة دولة جنوب السودان على القرار الذي اتخذته البعثة الأممية الأسبوع المنصرم بتسليم معسكرات الحماية التي تم فتحها عقب اندلاع أحداث العام  2013، رسميًا للسلطات الحكومية، كانت أكثر من عادية نظرًا للمخاوف الكبيرة التي لا تزال تعتريهم حول الصعوبات التي يمكن أن تعترض إمكانية عودتهم لمزاولة حياتهم بصورة عادية، وذلك بسبب ضعف التدابير اللازمة لذلك من قبل الجهات الرسمية، بالإضافة إلى مجمل الأحوال السياسية التي تمثل المعيار والضمان الرئيسي لعودتهم إلى مناطقهم داخل العاصمة جوبا أو الولايات التي جاءوا منها.

خروج المواطنين من المعسكرات مرهون بإعادة منازلهم التي تم "احتلالها" من قبل أشخاص آخرين بالقوة

ويرهن معظم المدنيين المقيمين داخل تلك المعسكرات الأممية، خروجهم منها بالتنفيذ الحقيقي لبنود اتفاق السلام المنشط الذي لا يزال يعاني من تحديات عديدة أهمها غياب الإرادة السياسية للأطراف وضعف الرقابة، وانشغال الأطراف الإقليمية والدولية في الوقت الحالي.

إن خروج المواطنين المقيمين داخل معسكرات الحماية الأممية داخل العاصمة جوبا وبقية المدن الأخرى في جنوب السودان، مرهون بالدرجة الأولى بنجاح السلطات الحكومية في إعادة  منازلهم التي تم "احتلالها" من قبل أشخاص آخرين بالقوة، ومما يعزز من تلك المخاوف هو عدم نجاح الخطوات التي سبق وأن أعلنتها السلطات الحكومية الرسمية ممثلة في الجهات الأمنية (الجيش والشرطة) لإخلاء تلك المنازل وإعادتها لأصحابها الذين كانوا قد فروا إلى داخل معسكرات الحماية الأممية خوفًا على حياتهم في تلك الفترة العصيبة، لكن تلك الخطوات لم يكتب لها النجاح على الرغم من المحاولة التي قام بها بعض السلاطين المحليين للمساعدة في إعادة تلك البيوت إلى أصحابها، خاصة في مناطق (107) ومنقتين وحي ريفريندم شمال غربي العاصمة جوبا، وهي مبادرات كانت البعثة الأممية قد أعلنت استعدادها لدعمها بالكامل من حيث التنسيق وتكوين دوريات حماية مشتركة من الشرطة الأممية وشرطة جنوب السودان لتوفير الحماية لهؤلاء المدنيين متى ما عادوا إلى منازلهم داخل تلك الأحياء والمناطق السكنية.

اقرأ/ي أيضًا: وفاة زعيم حزب الأمة وإمام الأنصار متأثرًا بكورونا

التجربة التي عاشها هؤلاء المواطنين الذين اتخذوا من مقرات الحماية الأممية سكنًا لهم خلال الثمان سنوات المنصرمة من عمر الأزمة في جنوب السودان، وما شهدته من أحداث جسام انتهت بالتوقيع على اتفاق سلام لم يستمر طويلًا في أغسطس 2015 وما تلاها من انفجار للعنف وتجدد للقتال جعلتهم يفقدون الثقة فيما يمكن أن تقود إليه التسوية السياسية القائمة على معادلة اقتسام السلطة وغياب روح المصالحة الحقيقية، إلى جانب الغموض الذي يكتنف بند الترتيبات الأمنية، والبطء المصاحب لعملية تنفيذ بنود الاتفاق ذات نفسها على أرض الواقع، تجعلهم يتمسكون بصورة كبيرة بالبقاء داخل تلك المعسكرات لمراقبة الأوضاع الهشة بالخارج، سيما وأن الخطاب السياسي للأطراف الرئيسية الموقعة على اتفاق السلام في الحكومة والمعارضة يكاد يخلو تمامًا من أي إشارات واضحة للمساءلة عن الانتهاكات التي وقعت أثناء الحرب أو إجراء المصالحة الوطنية، ليس هذا فحسب وإنما يخشون من جملة الإشارات التي تتحدث عن تلك المعسكرات وتصنفها كأرضية لإحدى الأطراف دون غيرها في فترة كانوا يتوقعون فيها أن تخف حدة الاستقطاب كبداية لمرحلة سياسية جديدة عنوانها السلام المستدام والعيش المشترك.

اقرأ/ي أيضًا: قادة السودان ينعون زعيم حزب الأمة القومي

تقول الأمم المتحدة إن الظروف التي دفعت بهؤلاء المواطنين للفرار إلى معسكرات الحماية التابعة لها داخل العاصمة جوبا وخارجها قد انتفت بعد التوقيع على اتفاق السلام وتكوين الحكومة الانتقالية الجديدة، لكنها تعود في مواقع أخرى لتتحدث عن قيامها بأنشاء قواعد جديدة ة ومؤقتة لحفظ السلام في جونقلي وولاية واراب وأعالي النيل، بسبب استمرار أعمال العنف والقتال بين المجتمعات المحلية بسبب الهجمات الناجمة عن غارات نهب الأبقار، أو بسبب الحملات التي تقوم بها الحكومة لنزع السلاح من أيدي المدنيين، علمًا بأن معظم تلك المناطق التي تشهد موجات العنف الجديدة هي المناطق التي ينحدر منها جزء كبير من المدنيين الذين يعيشون داخل معسكرات الحماية الأممية، والتي يتوقع أن تكون بعض خيارات الحل عندها هو نقلهم إلى مناطقهم الأصلية إذا ما قرروا ذلك بصورة طوعية، فهل يا ترى سينتقلون في هذه الحالة من معسكر أممي إلى منطقة تقع ضمن مناطق الحماية الأممية المؤقتة كجزء من الحل؟

كان المتوقع من البعثة الأممية أن تقوم بتقييم كامل للأوضاع المتعلقة بمعسكرات الحماية الأممية وكيفية تجفيفها بشكل تدريجي

كان المتوقع من البعثة الأممية أن تقوم بتقييم كامل للأوضاع المتعلقة بمعسكرات الحماية الأممية وكيفية تجفيفها بشكل تدريجي يضع في الاعتبار حملة التحديات التي المشار إليها، ومن بينها بالضرورة استعداد الحكومة الانتقالية نفسها، لأن الحديث هنا عن أعداد كبيرة من المعسكرات التي تم فتحها في ظروف وأوضاع مختلفة في جوبا و واو وبانتيو ونهر ياي  مثلًا، حتى تكون المعالجات التي يتم التوصل إليها قائمة على تقدير الأدوار والخطوات المطلوبة ومنها عملية التأهيل النفسي والاجتماعي التي تهدف لدمجهم في المجتمعات المحلية، إلى جانب تقديم المساعدات الممكنة التي تمكنهم من استئناف حياتهم بصورة طبيعية عبر تمليكهم وسائل الدخل والإنتاج اللازمة لذلك.

اقرأ/ي أيضًا

سلام جنوب السودان.. انشغال الضامن وغياب الوسيط

لجنة التحقيق في فض الاعتصام: لجأنا للاتحاد الإفريقي لكنه فشل في مساعدتنا