ما بدأ كمنشور ساخر على فيسبوك- "الميمات جيدة، يجب عرضها في معرض"- تحول إلى حركة مطالبة من قبل صانعي الـ"ميمز" بضمها إلى قائمة الفنون المعاصرة. في ٢٠١٧ قام معرض في لوس أنجلوس بتنظيم معرض لسبعة صانعي ميمز، عرضت أعمالهم التي تميزت في الوسائط الرقمية بالمواضيع الاجتماعية والسياسية، الحدث الذي أعلى من السؤال النقدي، هل الميم فن؟
استخدم المصطلح لأول مرة من قبل عالم الأحياء التطوري ريتشارد دوكوينز الذي أطلقه عن كيفية تناقل الأفكار والمعلومات
ما الميم؟
بالعودة الى أصل المصطلح ميم، فهو استخدم لأول مرة من قبل عالم الأحياء التطوري ريتشارد دوكوينز الذي أطلقه عن كيفية تناقل الأفكار والمعلومات بواسطة ناقلات المعلومات اللذين هم بالأساس البشر بأساليبهم المعتادة للتواصل. أتى بالمصطلح من الكلمة الإغريقية (mimeme) التي تعني التقليد.
اقرأ/ي أيضًا: السينما.. وجه من وجوه المقاومة
ومع فجر الإنترنت الذي كان سببًا في العديد من الظواهر الثقافية والاجتماعية، أصبح الميم يطلق على الوسيلة التعبيرية الرقمية "صورةً أو فيديو أو نصًا" التي يستخدمها الجيل الحالي لتوصيل وجهة نظره أو عكس منظورٍ ثقافيٍ بطريقة ساخرة عن واقعٍ محدد.
الميم تعكس ثقافة الإنترنت الاستهلاكية في فلسفتها الأساسية، إذ يجري استهلاك الأشياء في سياق معين ومن ثم تجاهلها وإلقاؤها في القمامة.
متى يكون العمل فن المعاصر؟
درج الأمر على أن المختصين بالنشاط الفني ورعاته في المعارض و"البيناليهات" هم الذين في يدهم القدرة علي تعريف أي عمل على أنه فن أم لا، فحتى لو كان العمل بالنسبة للجمهور مجرد كومة قمامة-مثل إتلاف لوحة فتاة البالون-يفترضون للعمل ظرفًا تاريخيًا وجماليًا، في محاولة للتأكيد على أنماط التقبل الفني من قبلهم للجمهور وتسويق التجارب المعاصرة باعتبارها جماليات متقدمة.
بدأت حركة الفن المعاصر محاربة هذا النوع من الوصاية على الذائقة العامة، فكانت تجارب الفنان "آندي وارهول" الذي حول الصناعة الدعائية إلى فن تشكيلي عن طريق الاستنساخ المتكرر للسلع العامة تعبيرًا عن المظهر الثقافي للمجتمع الاستهلاكي، ليحول الفن إلى سلعه استهلاكية مماثلة لطابع المجتمع، بتجارب فنية استطاعت اختراق حدود الفن وشروط توافر الجمالي والجميل والاستدامة فيه، ليصبح هو كفنان، ذلك الكائن المندمج في الصناعة الثقافية وليس القابع في محترفه ويمتهن الإبداع.
اقرأ/ي أيضًا: إيمانويل كيمبي.. توحيد الجنوبيين بالغناء
بات العمل المعاصر هو كل ما يحتوي على مفارقة تمثل توصيفًا ذاتيًا من قبل الفنان لتدحض تعينات الهوية الثقافية والجمالية وطابعهما الأصيل في المجتمع. لذلك ينشغل الفن المعاصر بالهموم السياسية والنزعات المجتمعية سواء بصورة ناقدة أو تهكمية ساخرة، فيأتي العمل المعاصر مشحونًا بالآيديولوجيا، ولا يهتم بالجمالي للعالم المرئي أو المتخيل بل بالوصول إلى عمل قائم على الحدث ليخاطب مجتمع قائم يماثله باستهلاكيته وتمايزه القائم على هويات متعددة.
الميم فنُ معاصر
في وقتنا الحالي والظروف التي نعيشها، الإنترنت هو السلعة الأكثر استهلاكا، وهو يفرض المواضيع التي تخوض فيها الجماهير. تأتي الميم وتقدم طريقة جديدة للنظر إلى الصور المنشرة في وسائط الإنترنت والشخصيات المشهورة والأحداث الكبيرة، بوضعها في سياقٍ جديد مختلفًا تمامًا عن ما كانت عليه بعد عزلها عن قضيتها الحقيقية وما تمثله، ووصلها بتجربة صانع الميم الذاتية في الوقت الآني باستخدام خيال إبداعي يعبر عن معنى أو فكرة ما بقصد جماليٍ أو تعبيري.
رغم أن هذه الطريقة لا تمثل النظرة التقليدية الفنية لكنها تعكس نفس القدرة التي يحملها الفنان في صنع أعماله، مثل تقنية "آندي وارهول" في إعادة قوالب الإعلانات في شكل جديد وجعلها تخرج في شكل مستقل تمامًا عن أصلها.
الميم كما الأعمال المعاصرة شديدة الصلة بالتحولات الاجتماعية والثقافية، تأتي على شكل تعارضات وميول توليدية جديدة تدفع بالعادي والمستهلك عبر رؤية تتخطى شروط التجديد والتقدم بمحمولاتها الفكرية والجمالية، وتعتمد على لغة بصرية ومفاهيمية لتطوير تقنية الصناعة الخاصة بها كما أن لديها جمالية معاصرة خاصة.
ما المانع من ضم الميم للفنون المعاصرة؟، فهي فن جماهيري يتطور ديمقراطيًا من الجماهير ولأجلها بصورة متغيرة من يوم لآخر
لذا، فما المانع من ضم الميم للفنون المعاصرة؟، فهي فن جماهيري يتطور ديمقراطيًا من الجماهير ولأجلها بصورة متغيرة من يوم لآخر، ذا طابعٍ آني يتم فيه استخدام الوسائل الأكثر تداولًا وتعكس موقفًا فرديًا حياديًا.
الميم وليدة الفن الجماهيري الذي يقوم على السخرية من الواقع من خلال الصور المدعمة بكلمات بسيطة، في الميم ليست كل الصور التي تحتوي نصًا مكتوبًا هي "ميمات" جيدة، لكن تميزها اللغة البصرية التي تعكس جمالية عصرنا هذا.
فما المانع من عرضها في المعارض؟
اقرأ/ي أيضًا