17-أغسطس-2020

البرهان ونتنياهو (ألترا سودان)

مرة أخرى أعاد وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين، ملف العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب إلى الواجهة على خلفية تصريحات نشرها على تويتر مساء السبت، متوقعًا تطبيع السودان علاقته مع الكيان الصهيوني قبل نهاية العام، فيما اعتبرت تنظيمات وأحزاب قوى التغيير تسارع الأحداث في هذا الملف بأنه اختطاف للقرار الحكومي من السلطة الانتقالية على حساب المشاورات السياسية التي من شأنها أن ترفض قيام أي تطبيع مع الكيان الصهيوني.

تفضل السلطة التنفيذية العمل في صمت في ملف العلاقات السودانية الإسرائيلية التي بدأت تطوراتها منذ مطلع العام بعد لقاء عنتبي بين البرهان ونتنياهو

ومضى الوزير الإسرائيلي إلى أبعد من ذلك مرجحًا حدوث تطبيع مع السودان قبل نهاية العام الجاري واضعًا السلطة الانتقالية أمام الأمر الواقع، إزاء هذه التصريحات التي لا تعتبر الأولى، لكن تل أبيب ظلت باستمرار  المصدر الأول والرئيس للمعلومات بشأنها.

اقرأ/ي أيضًا: تأخر تشكيل المجلس التشريعي.. ما هي التأثيرات؟

وفي وقت تواجه فيه السلطة الانتقالية في السودان خاصة الشق المدني، حرجًا في الحديث صراحة عن وجود اتصالات بينها وإسرائيل، بينما تصرح تل أبيب مرارًا بوجود اتصالات في إطار سري، قال دبلوماسي رفيع من وزارة الخارجية السودانية لـ"ألترا سودان" بشأن رد الفعل الحكومي إزاء التصريحات التي أطلقها إيلي كوهين: "لا تعليق على هذا الموضوع".

في 6 شباط /فبراير 2020 زار رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان العاصمة كمبالا بشكل مفاجئ والتقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو، بترتيب من الرئيس اليوغندي يوري موسفيني فيما كان رد الفعل السوداني الرسمي منقسمًا إزاء اللقاء، وسط موقف غامض وغير واضح من الشق المدني في الحكومة الانتقالية.

البرهان
البرهان

ومجددًا تطرح بعض الأطراف ذات السؤال هذه المرة عندما يأتي الحديث عن العلاقة بين الخرطوم وتل أبيب، ماذا سيجني السودان؟ هل هناك مصالح يمكن أن تحققها البلاد التي تعاني من أزمة اقتصادية وعقوبات أمريكية من خلال التطبيع، وهو سؤال غالبًا ما يخضع للاستقطاب الداخلي، والأجندات الإقليمية التي يرى خبراء أن جهات سودانية تخضع لها، في إشارة إلى العلاقة مع الإمارات، التي وقعت اتفاقًا لتطبيع كامل العلاقات مع إسرائيل قبل أيام.

في هذا الصدد لا يبدو رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير في حديثه مع "ألترا سودان" بعيدًا عن الاستقطاب المشار إليه، مقدمًا طرحًا يظهر متناقضًا بشأن الموقف من "عدالة القضية الفلسطينية"، وجعله للتطبيع خطوة "ليست مرفوضة من حيث المبدأ".

يشير رئيس حزب المؤتمر، وهو الحزب المعروف بقربه من أبوظبي، أن حزبه من حيث المبدأ لا يرفض إقامة علاقة بين السودان وإسرائيل، شريطة اعتماد القرار عبر المجلس التشريعي الذي يمثل السودانيين ككل حتى يكون القرار مؤسسيًا لا مختطفًا من جهة معينة.

ويضيف الدقير: "من حيث المبدأ العلاقة غير مرفوضة لكن لا بد أيضًا من النظر إلى عدالة القضية الفلسطينية، والقرارات الدولية في هذا الشأن، لأن السودان ليس معزولًا عن المنطقة وقضاياها".

تجمع المهنيين: نسمع بمثل هذه القرارات من نشرات الأخبار لكننا لا نشترك في صناعتها

لا يمكن قياس موقف الحكومة الانتقالية في سعيها نحو بناء علاقات سودانية إسرائيلية بموقف قوى التغيير الحاضنة السياسية للحكومة، لأن التحالف الحاكم يمر بأضعف حالاته ويفقد شعبيته في الآونة الأخيرة، بعد أن ضربته الخلافات الحزبية وانعكس هذا الضعف على عدم وجود مركزية لصناعة القرار. ففي نظر المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين وليد علي أحمد، فإن قوى التغيير تتعرض إلى الإقصاء من السلطة الانتقالية ولا يمكن أن تشكل حاضنة سياسية في الوقت الراهن إلى جانب عدم تشكيل المجلس التشريعي.

الدقير
الدقير

 ويرى أحمد في تصريح لـ"ألترا سودان" أن إقامة علاقة بين الخرطوم وتل أبيب وجعلها أمرًا واقعًا بشكل أحادي دون إشراك قوى التغيير أو البرلمان الانتقالي، يعتبر غير مقبول ونوعًا من "دكتاتورية السلطة الانتقالية".

لكن المسؤول في تجمع المهنيين، يكرر استياءه من الخطوة باعتبارها أحادية، وهو موقف دأبت قوى الحرية والتغيير في السودان على التمسك به، دون تقديم موقف مبدأي من التطبيع، بغض النظر عن المسارات الدبلوماسية والسياسية التي تقود نحوه.

ولم يسبق للسودان إقامة علاقات دائمة مع إسرائيل منذ استقلاله في العام 1956، لكن معارضين للأنظمة الشمولية التي حكمت البلاد يتهمون الأنظمة العسكرية بإقامة علاقات سرية مع تل أبيب والتعاون الأمني معها.

اقرأ/ي أيضًا: التطبيع الإماراتي.. صمت الحكومة الانتقالية ودعوة حزبية لدعم القضية الفلسطينية

وكثيرًا ما أثيرت الاتهامات ضد نظام الرئيس المعزول عمر البشير والذي لم يتردد بعض مسؤوليه في الحديث صراحة عن أهمية العلاقة مع تل أبيب، للمرور إلى بوابة المجتمع الدولي ومغادرة لائحة العقوبات الدولية التي تعتبر إسرائيل مؤثرة في حذف اسم السودان منها، على حد تعبيرهم.

محمد وداعة: هي سلسلة ستجر معها دولًا عديدة ستجد نفسها في قلب التطبيع مع الكيان الصهيوني وتصوير الأمر وكأن إسرائيل منقذًا لشعوب المنطقة من أزماتها

ويوضح متحدث تجمع المهنيين السودانيين وليد علي أحمد، أنه في ظل ضعف الحاضنة السياسية وعدم وجود مجلس تشريعي واختطاف الحكومة الانتقالية بكافة تشكيلاتها للقرار السياسي والحكومي لا يمكن الحديث عن علاقات مع إسرائيل.

ويتابع أحمد: "نحن في الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية ونسمع المعلومات من نشرات الأخبار ولا نشرك في صناعة القرار، فمن هي الجهة التي ستتخذ قرار التطبيع مع إسرائيل".

ويبدو من تصريح الدقير ومتحدث تجمع المهنيين أن الحكومة السودانية الانتقالية تدرس ملف العلاقة مع إسرائيل بسرية تامة، وبمعزل عن قوى التغيير خاصة إذا ما أخذنا تصريحات رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان في الحسبان، في مقابلة مع التلفزيون الحكومي في آذار/مارس الماضي، حيث قال إن "الملف تم تحويله إلى الجهاز التنفيذي".

محمد وداعة
محمد وداعة

في السياق، يرفض المتحدث الرسمي باسم حزب البعث السوداني، أحد مكونات قوى التغيير، محمد وداعة، التطبيع مع إسرائيل ويحذر من المضي قدمًا في هذا الاتجاه بالنظر إلى عدالة القضية الفلسطينية، والتي ظل السودان داعمًا رئيسيًا ووفيًا لها.

ويتوقع وداعة في تصريح لـ"ألترا سودان" أن تبدأ التطورات الإقليمية في التغير نحو انتقال العلاقة مع إسرائيل من خانة النظر إلى عدالة القضية الفلسطينية، إلى محاولة "توطين تل أبيب في قلب الشرق الأوسط" بقوة دولية هائلة تقف وراء هذه العملية التي بدأت في المحيط الإقليمي مؤخرًا.

ويضيف وداعة: "هي سلسلة ستجر معها دولًا عديدة ستجد نفسها في قلب التطبيع مع الكيان الصهيوني وتصوير الأمر وكأن إسرائيل منقذًا لشعوب المنطقة من أزماتها".

من جانبه وصف القيادي في مبادرة المجتمع المدني بشرى الصائم، إسرائيل بالدولة العنصرية التي تخطط البقاء كشعب استثنائي على حساب القضية الفلسطينية العادلة.

بشرى الصائم
بشرى الصائم

وأوضح الصائم لـ"ألترا سودان" أن موقف السودانيين تجاه الكيان الصهيوني واضح وغير قابل للتراجع، وأضاف: "لسنا ضد اليهودية ولكننا ضد الكيان الصهيوني العنصري ونظامها الرأسمالي ونؤمن بحق الشعب الفلسطيني في العيش في أرضه".

اقرأ/ي أيضًا: حوار| فائز السليك: رئيس الوزراء مثل من يسير وسط حقل ألغام

وأشار الصائم إلى أن نشطاء المجتمع المدني في السودان على علاقة متينة مع قيادات الحزب الشيوعي الفلسطيني.

محلل سياسي: رهن مصالح السودان بالتطبيع مع الكيان الصهيوني غير منطقي، لأن هناك دولًا في المنطقة أقامت علاقات مع تل أبيب وظلت كما هي تعاني من تدهور الأوضاع

فيما شدد المحلل السياسي عبدالله حسن مختار، على أن رهن مصالح السودان بالتطبيع مع الكيان الصهيوني غير منطقي، لأن هناك دولًا في المنطقة أقامت علاقات مع تل أبيب وظلت كما هي تعاني من تدهور الأوضاع، وأصبحت تصنف بالدول الفاشلة مثل تشاد ونيجيريا.

ويرى مختار في حديثٍ لـ"ألترا سودان"، أن القرار الحكومي في الوقت الراهن لا يصدر عن مؤسسات تشريعية، لأنه قرار مشترك بين مجموعتين تتشاركان في السلطة الانتقالية وتعانيان من خللٍ بائن، وبالتالي يجب أن يترك هذا القرار المصيري إلى ما بعد الفترة الانتقالية أو عرضه على المجلس التشريعي عقب تشكيله.

اقرأ/ي أيضًا

تصريحات واشنطن المتضاربة.. ما الرسالة من ورائها وكيف فهمتها الخرطوم؟

جنوب السودان.. كيف تحول نزع السلاح لمواجهات بين الجيش والمدنيين؟